بقلم. سامي ابراهيم
• لماذا يحق للمتدين أن يطلق على من يشاء صفات وأحكام كيفما شاء؟!
• لماذا أَلِف المتدين محاكمة الآخرين وكأنها واجب أو دين عليه أن يوفيه؟!
• لماذا يكون المتدين هو القاضي والمدعي العام عندما يضع الآخر في قفص الاتهام؟ بينما التاريخ الديني بما حمله من جرائم وفظائع تقشعر لها الأبدان ويندى لها الجبين أول من يستحق المحاكمة والإدانة.
• لماذا يكون المتدين حرا في أن يقول ما يشاء ولماذا تعود أن يسلب حرية الآخر في قول ما يشاء؟!
• لماذا تعود المتدين أن يهين ويشتم ويكفّر ويحرّم من يخالفه الرأي؟! ولماذا يثور وينتفض على من يتجرأ نقد النص الديني؟!
• لماذا دفعت ألمانيا ثمن جرائم النازية لليهود؟ لماذا لا يدفع المتدينون ثمن جرائمهم؟
• لماذا صُنّف نيرون وهتلر وستالين وميلوسوفيش وصدام وحوشاً ومجرمي حربٍ عبر التاريخ، بينما لم يتجرأ أحد على تجريم الأنبياء لما حملوه من أيديولوجيات عنصرية وما جلبته هذه الأيديولوجيات من ويلات ومجازر وإبادات وتطهير واضطهاد وتنكيل وجرائم وحروب وتمزيق ورفض للآخر واحتقار وسحق للمرأة واستعباد للإنسان وكره وعنصرية؟!
• لماذا اعترف الأمريكيون البيض بالمجازر التي ارتكبوها بحق السكان الأصليون؟! ولماذا لا يعترف المتدينون بالمجازر التي ارتكبوها بحق البشرية؟!
• لماذا اعترف الغرب بسفاحيه ومجرميه وعلم أجياله فن الاعتذار من خلال مناهجه وأدبياته وأيديولوجياته التي يلقنها لأطفاله والتي يصدّرها للعالم على الجرائم التي تمت من قبل مرؤوسيه بحق الإنسانية؟! ولماذا لا يعترف الشرق المتدين بجرائمه التي ارتكبها باسم الدين؟! أقول: إذا أعطى الديني لنفسه الحق بأن يطلق علي صفة كافر، وإذا أختار المتدين المصطلح الذي يشاء ليصفني به، فمن العدالة بمكان أن أدافع عن نفسي وأعطيه الصفة التي أشاء، فإذا كنتُ كافرا في نظره، فهو هاذي ومتوهم في نظري. ألا تتحقق العدالة ولو جزئياً؟!
……………………..
الدينيون يعتقدون أن الدين وجد من أجل خير الإنسان، وأنّ الدين وجد لبناء المنظومة الأخلاقية المثالية للإنسان، فتراهم يسارعون عند كل جريمة ترتكب باسم الدين في تبريرها بالحجة التي عفناها ومللناها: "الفهم الخاطئ للنص الديني" أو الجملة المبتذلة: "هؤلاء القتلة لا يمثلون الدين الصحيح". بحق السماء من يمثل الدين الصحيح؟! أليس النص الديني هو حمال أوجه؟ فتارة متسامح وطورا عنصري يقصي الآخر عن الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والسياسية والثقافية. فإذا فشل نصٌ ديني وقائله هو المطلق الأعظم (الله) الكلي القدرة والكلي القوة بما يحويه من حقيقة مطلقة إذا فشل في إيصال الدين الصحيح لعقول الناس ألا يجعل من هذا النص الديني وصاحبه أقله ضعيفا مفتقدا لمطلقه ومثاليته، ألا يفضح هذا الضعف زيف النص الديني البشري؟! ألا يكشف هشاشة وتناقض مؤلفه؟!.
عندما تستشهد جماعة تقوم بعمليات تفجير وقتل بنص ديني ألا يمكننا القول عندها بأن عملية التفجير تلك قد اكتسبت الشرعية الإلهية في جرائمها؟!. ولنفرض أن أناساً قاصري الفهم قد أفرزوا فهماً خاطئًا لنصٍ ديني، ولنفرض أن النص الديني رغم إدعائه امتلاك الحقيقة مطلقةً ورغم إدعاء أن مؤلفه هو الله أو النبي المرسل من عند الله قد ولّد تناقضاً لدى أناس كانت المشكلة فيهم وليست في ذلك النص، ولنفرض أن هناك بعض الفئات المستفيدة تمرر مصالحها من خلال فهمٍ خاطئٍ لنصٍ ديني، ولكن هنا يتبادر في أذهاننا طرح: ماذا عن آيات القتل؟! ماذا عن آيات رفض الآخر؟! والتحريم؟! والتكفير؟! والعقاب؟! والنكاح؟! واستعباد الإنسان؟! والعنصرية؟! والازدواجية؟! التي تعج بها الكتب والتعاليم التي تدعو نفسها السماوية؟! كيف يمكن أن نفسر النصوص التالية تفسيرا صحيحاً:
{" فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُم"، "فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ"، "اقْتُلُوهُمْ حَيْث ثَقِفْتُمُوهُمْ"، " اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ" (قرآن كريم). {" وَأَقْتُلُكُمْ بِالسَّيْفِ فَتَصِيرُ نِسَاؤُكُمْ أَرَامِلَ وَأَوْلاَدُكُمْ يَتَامَى"، " وَاقْتُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ"، "لاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلاً وَامْرَأَةً، طِفْلاً وَرَضِيعاً"، "الْيَوْمَ يَحْبِسُكَ الرَّبُّ فِي يَدِي فَأَقْتُلُكَ وَأَقْطَعُ رَأْسَكَ"، "اصْعَدُوا بِهِ إِلَيَّ عَلَى الْفِرَاشِ لأَقْتُلَهُ"(كتاب مقدس).
أي أخلاق حملها الدين لملايين من البشر وهو يذكر في 165 صفحة كلمة قتل في كتاب يحوي 569 صفحة؟!. ناهيك عن شرحه لتفاصيل النكاح والألم والعذاب والموت في بقية الصفحات!. أي أخلاق حملها الدين لملايين البشر وهو يذكر كلمة قتل 1228 مرة؟!
عن أية منظومة فكرية نبيلة وسامية وراقية يتحدث ويساوم ويجاهر بها المتدين ويفتخر؟ ربما عن منظومة خلاّقة تُكرم المرأة: }"(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء.. ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (َانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء) (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء) (جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء)" (قرآن كريم) }"أَمَّا الأَرْمَلَةُ وَالْمُطَلَّقَةُ وَالْمُدَنَّسَةُ وَالزَّانِيَةُ فَمِنْ هَؤُلاَءِ لاَ يَأْخُذُ بَلْ يَتَّخِذُ عَذْرَاءَ مِنْ قَوْمِهِ امْرَأَةً. وَلاَ يُدَنِّسُ زَرْعَهُ بَيْنَ شَعْبِهِ لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ مُقَدِّسُهُ"، " الرَّجُلَ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ لِكَوْنِهِ صُورَةَ اللهِ وَمَجْدَهُ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَهِيَ مَجْدُ الرَّجُلِ. 8لأَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنَ الْمَرْأَةِ بَلِ الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ. لأَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ أَجْلِ الْمَرْأَةِ بَلِ الْمَرْأَةُ مِنْ أَجْلِ الرَّجُلِ. " (كتاب مقدس)
• هناك حقيقة على الإنسان أن يعيها وأن يفتح عينيه وقلبه وعقله عليها إذا أراد مجتمعاً منتجاً مبدعاً رافداً للحضارة ومقدماً لها ويعيش فيه الجميع بسلام ومحبة، وهي: أنك عندما تكرر كلمة قتل ونكاح وعبد وشيطان وكذب وكافر وخوف وموت وعقاب وحرام مئات المرات وتنسبها قائلها لمطلق العظمة تكون قد خلقت إنساناً وحشاً سفاحاً همجياً.
…………………………..
لأضع تصوراتي حول النص الديني:
• النص الديني هو منتج يقتنيه الإنسان بغية تحقيق حاجة معينة أو سعادة أو رفاهية.
• النص الديني منتج مصنوع منذ مئات السنين من قبل أناس في أزمنة بدائية غارقون في جهلهم وخرافاتهم وتخلفهم وتفاسيرهم الخاطئة للظواهر الطبيعية، وبالتالي فإن اقتناء منتج يخصّهم يعود بالإنسان ليعيش تلك المرحلة البدائية، وهذا ما نراه في البلدان المتدينة التي تعيش متمسكةً بموروثٍ ديني حمل كل هذا التخريب والفتك العقلي والتخديري والقمعي والإرهابي. كيف لا؟ فهذا وضعٌ طبيعي لمنتج موجود منذ مئات السنين! تخيل سيارة مصنوعة عام 1930 بأعطالها ومشاكلها وسيارة مصنوعة عام 2011 برفاهيتها وتقنياتها الحديثة! تخيل التقنيات التي ستوضع في السيارة بعد مئة عام وبعد مئتي عام وبعد ألف عام!! ألا يمكننا أن نسقط مثال السيارة على النص الديني الذي يقدم طريقة حياة مُخترعة ومُنتجة منذ ألف وخمسمائة سنة أو ألفي سنة أو ثلاثة آلاف سنة؟! نتكلم عن رقم يحوي آلاف السنين؟!
• قد يقول قائل هنا بأن الإبداعات الأدبية على اختلاف أجناسها من أساطير ومسرح وشعر وقصة ورواية لأساطين الأدب قد استمرت منذ مئات وربما آلاف السنين وحتى وقتنا الراهن، وتُدرّس في كليات الآداب وهي بغاية الروعة والجمال، فأين المشكلة وأين الضرر من استمرار النص الديني لوقتنا وحاضرنا؟. وهنا نقطة جوهرية وهي أن الخلاف بين النص الديني من جهة والنص الأدبي الشعري من جهة أخرى خلافٌ كبير فيما لو حاول البعض إلباس النص الديني ثوباً أدبياً، فالنص الأدبي ليس أداة يستخدمها البشر، وليس تشريعاً يسيّر الإنسان ويوجهه ويقوده ويبني المنظومة العقلية ويخلق عملية التفكير، لا تأثير للنص الأدبي على حياة الناس. بينما النص الديني هو قانون يعتمده الإنسان المتدين، هو طريقة حياة، وعلى أساس هذا النص الديني يبني منظومته الفكرية وتصوراته للأمور، ويقيم حكمه على الآخرين.
• النص الديني هو لغة برمجة تبرمج عقل الإنسان وتبني له الأنا العليا أي تبني له الجهاز النفسي والعقلي، وبموجبها يُسيّر الإنسان. فهو يأمره وينهيه، يستعبده، ويحكمه، لأن النص الديني هو حكم تشريعي منسوب إلى إله مطلق العظمة يحوي الحقيقة المطلقة، وهو الصحيح المطلق وما يخالفه هو الخطيئة.
• النص الديني هو جهاز يستخدمه الإنسان ليحقق دوافع تُشبع وتلبي رغباته وتحقق له سعادة يحلم بها ويطمح، دافعها الخوف والرُهاب المكتسب من البيئة التي يخلقها النص الديني نفسه.
• النص الديني جهاز مثله مثل المكيف أو المدفئة يعيش في منازل المتدينين، يقيهم نار المصائب وصقيع الأيام، وعندما تداهم الإنسان المشاكل والأوجاع والمصائب والمحن، تراه كحقنة مهدئة لآلام الحياة ومخاوف البشر وقلقهم إزاء مجريات الأمور.
• قد يقول قائل: "إذا نجح الدين في تحقيق السعادة للبشر عندها لن يهم إن كان مصدره إلهي أو بشري، لأنه قد قدم خدمات جليلة للبشر وأسهم في ترويض غرائزهم ونظم شؤون حياتهم بل ووعدهم بحياة أخرى جميلة أبدية لايوجد فيها موت ولا ألم بل سعادة أبدية، وأن الله والدين حتى لو كانا من اختراع البشر لكنهما بالفعل قد نجحا إلى حد ما في إدخال السكينة والاطمئنان في قلوب معتنقيهما وهدئ من روعهم حيال قسوة الموت وقسوة القدر وملأ حيزاً نفسياً عاطفياً كبيراً كان البشر في أمد الحاجة إليه وهم يعانون ويقاسون أهوال الحياة ونوائب الدهر". وهنا المشكلة فالمعتقد الديني كحالة اجتماعية أو فكرية أو نفسية فشل في إيصال السعادة للبشر، وأن هناك عدداً هائلاً من البشر يعانون بسبب هذا الدين. ولو وضعنا نتائجه بمقياسٍ ومنطقٍ رياضي لرأينا سلبياته أكبر من ايجابياته والخسارة الناجمة عنه كمشروع حضاري أكبر من الربح، وخاصة أنه أخذ وقتاً عظيماً في الدفاع عن فكرته لم يأخذها أي فكر أيديولوجي آخر.
• الدليل على فشل الأيديولوجية التي صدّرها النص الديني في تحقيق السعادة هو أن المجتمعات الدينية هي المجتمعات التي يكون فيها الظلم والقهر والفقر وعدم المساواة في أعلى مستوياتها، فالنفاق والجهل والقمع هي أهم ما يميز المجتمعات الدينية. ناهيك عن أن النصوص الدينية تتسم بالسوداوية لتصبغ حياة الفرد بالتشاؤم والألم، فيبقى أسير منجد وهمي ومنقذ غير موجود على أرض الواقع.
• لقد جعل النص الديني عقدة النقص والذنب وتبكيت الضمير في الإنسان المحور المحرك لسلوك الإنسان، وجعل الاثمية وتعذيب الذات أساس تفكيره، وعلى الرغم من أن المتدين يُطمئن نفسه باستمرار وبأنه يقوم بواجباته تجاه خالقه، إلا أنه دائما يشعر بالنقص والعجز والإحباط. لقد فقد القدرة على الإبداع لأنه غدا أسير نصٍ بدائي متناقض لا يتطابق مع واقعه يرفضه العقل ومطالب بتنفيذه.
• النص الديني يضع المتدين في حالة من الجمود العقلي، يكرر المتدين نفس الجمل ونفس الأفكار، ويبقى يدور في فلك قصص وسير لا يستطيع تجاوزها، هو مثل سيارة علقت في الوحل تبقى عجلاتها تدور في مكانها.
• النص الديني هو لغة واللغة هي سلوك، اللغة هي نظام يحقق التفاعل والانسجام في المجتمع، واللغة التي تحوي عيبا وخللا يجب إتلافها.
• النص الديني هو وشم يحمل سمة المجتمع الذي ولد فيه، لذلك فمفرداته تعطي صفات إنتساب الأفراد وعضوية خاصة في مجتمعٍ يرتبط أفراده برابطة، وهذا ما يجعلنا نقول أن النص الديني يحمل عادات ذلك المجتمع وطريقة تفكير أبناءه وأخلاقه.
• مشكلة النص الديني أنه غير محكوم بزمن بداية ونهاية. لقد فرض نفسه كقانون مطلق لا يقبل التحوير أو التعديل أو النقد. واثبت بجدارة يُشهد لها قدرته على سحق المقدرة العقلية للإنسان على التفكير و الإبداع والتطوير. فهل يمكننا في النهاية أن نعتبر الدين قد وجد لخير الإنسان؟!