الرئيسية / مقالات حول سوريا / أفاق الزمن القادم (الجزء الثالث)

أفاق الزمن القادم (الجزء الثالث)

منذر خدام
الحوار المتمدن
6 أذار 2011

ويبلغ التناقض ذروته عند السيدة المستشارة بين مستوى القول حيث تدعونا للتمسك بما هو مهم اليوم وهو " مشاركة الجميع في التعبير عن الرأي، والمساهمة في الحكم، وفي إدارة شؤون البلاد، وتحقيق مصالح الجماهير.." وبين مستوى الفعل حيث تؤدي خدماتها. عن أية حرية تعبير تتحدثين، وأجهزة نظامك الأمنية تحصي علينا الأنفاس، وإذا استطعنا أن نهرب بعض الآراء فذلك بفضل التكنولوجيا الحديثة. ثم ألا تسمعين بالمحاكمات الصورية التي تجري في سورية يوميا لنشطاء الرأي وحقوق الإنسان، لكل من ينتقد خطأ هنا، وسرقة هناك، وهدر للمال العام هنا وهناك تحت عنوان " وهن عزيمة الأمة، ونشر أخبار كاذبة".

ويبدو أن السيدة المستشارة مصرة على إدهاشنا في دعوتها الجميع للمشاركة "في الحكم، وفي إدارة شؤون البلاد". لماذا لا توجهي كلامك لمن حولك أليسوا هم لا غيرهم من يستأثر بالسلطة منذ نحو خمسة عقود، ويديرونها من خلال الأجهزة الأمنية الفاسدة. ثم كيف يمكن الجمع بين السارق والمسروق، بين الفاسد ومن يمارس عليه الفساد، بين الظالم والمظلوم، بين المستبد وطالب الحرية في "إدارة شؤون البلاد وتحقيق مصالح الجماهير"، وبعد ذلك تدعين بوجود " العديد من الطرق لفعل ذلك" وأن " آليات العمل متاحة أو يجب أن تتاح" دون أن تبيني ما هي هذه الطرق وأين هي هذه الآليات المتاحة، في ظل نظام استبدادي شمولي خرب كل شيء مدني في الدولة والمجتمع، ليشيد بدلاً منها دولة جهازية أمنية غاشمة.

الطريق لتحقيق ما تصبوا إليه الجماهير صار معلوما لديها بفضل وعيها ومعاناتها، إنه طريق الثورة في وجه من يكابر ولا يلاقي مطالبها بالتغيير، وسوف تهتدي أيضا إلى آليات تحقيق ذلك. فهذه الجماهير في غنى عن خدماتك الاستشارية، وإذا كنت حريصة فعلاً على حرية التعبير والمشاركة في الحكم والدفاع عن مصالح الجماهير السورية، قدمي النصح لمن حولك لملاقاة الجماهير في تحقيق مطالبها، قبل فوات الأوان. بعد نحو ثلاث وعشرين عاما يقول زين العابدين لشعب تونس الثائر" فهمتكم.. والله فهمتكم .."، وبعد نحو ثلاثة عقود يقول زميله حسني مبارك للشعب المصري الثائر" لم أكن أنوي الترشح لدورة رئاسية جديدة.. أمهلوني ستة أشهر فقط لكي أمنحكم نظاما ديمقراطيا…."، وها هو علي عبد الله الصالح في اليمن يصرخ" لا أريد التجديد.. ولا أريد التوريث..أمهلوني فقط لأكمل ولايتي الدستورية.." وهاهو زميله القذافي الأكثر سفالة وتوهما يأبى أن يغادر قبل تدمير بلده، وإذ يفعل فلن يجد في النهاية مكاناً يأويه. وعلى الطريق ملك البحرين وسلطان عمان وملك السعودية والنظام الطائفي المزروع أمريكياً في العراق والحبل على الجرار.

إلى متى الصمت والمكابرة في سورية والرهان على تخويف المواطنين من حرب طائفية أو أثنية لا وجود لها في وعيهم، ولا في سلوكهم، بل هي من جملة فزاعات بعض أبواق النظام التي لم تعد تخيف أحداً. الشعب يا سيادة المستشارة يتوق فعلا إلى حرية التعبير وإلى المشاركة في إدارة البلاد دفاعا عن مصالحه، وهو في حال أرغم على الانتفاضة فلن يحتاج إلى نصائحك، فهو يعرف جيدا كيف يصون الممتلكات الخاصة والعامة، وكيف يحافظ على دماء الناس ومصائرهم. ألم تنظري في الدرس الذي قدمه الشعب التونسي والمصري في الوعي والانضباط اللذين أذهلا العالم. كوني على ثقة لن يكون الشعب السوري أقل وعيا وانضباطا من الشعبين التونسي والمصري، المهم أن لا تتحرك البلطجية.

إن لغة "التخوين والانتقام والإقصاء والعزل والمنع.."، ليست لغة الجماهير، بل هي لغة الحكام المستبدين. وإن شعار " من ليس معنا فهو ضدنا" الذي تنسبيه لجورج بوش الابن، هو بضاعة مكتوب عليها صناعة النظام السوري التي استخدمها في وجه معارضيه من كل الاتجاهات السياسية، في ثمانينات القرن الماضي، وكان من نتيجتها الانتقام من عشرات الآلاف من المواطنين السوريين، الذين لم يكن لهم ناقة ولا جمل في كل ما كان يجري بين النظام والإخوان المسلمين، وكان ذنب البعض منهم أنهم وطنيون باعتراف بعض مسؤولي النظام.( أذكر جيداً في أول لقاء لنا في سجن تدمر مع مدير السجن الذي لا يجرؤ على التكلم إلا وفق التعليمات، بعد حفلة تعارف بواسطة الكابلات الرباعية مشفوعة بسيل من السباب، يقول لنا أنتم وطنيون انتم شرفاء، لكن تقتضي المرحلة وجودكم في السجن".

قيل لنا هذا نحن – البعثيين الديمقراطيين- في ذلك الحين، كما قيل لغيرنا من الشيوعيين والناصريين ولآلاف المستقلين والرهائن بأساليب مختلفة). الشعب لا ينسى لكنه لا ينتقم يا سيادة المستشارة، بل يطالب بمحاكمات عادلة وعلنية وشفافة، يمتلك فيها المتهم حق الدفاع عن النفس بكل وسائل الدفاع القانونية المتاحة أو الممكن إتاحتها في ضوء شرعة حقوق الإنسان، لكل من ارتكب جرائم بحقه، أما حقوق الأفراد فإنني على يقين بأنها سوف تقبل المسامحة. نعم سوف يكون الهم الأول للشعب هو تحقيق " الانجاز الأكبر في نشر الحرية وسيادة القانون، وسوف يعلي من شأن الاختلاف، والحق فيه، والحق في الدفاع عن الوجود المختلف، إلى مستوى القيم العامة. حقيقة نحن شعب سوري طيب، يعتز فيه العربي بعروبته، والكردي بكرديته والأشوري بأشوريته والأرمني بأرمنيته، وكل وجود أقوامي بقوميته، لكنهم جميعهم يعتزون أيضا بسوريتهم.

وإذا كانت ثمة محاولات خائبة للتفريق بينهم فهي محاولات تقوم بها أجهزة نظامك العتيد. في ختام مقالة السيدة المستشارة تتحفنا ببعض النصائح التي كان عليها أن توجهها لمن تقدم خدماتها الاستشارية، على أمل " أن يغيروا ما بأنفسهم أولاً، وأن ينظروا إلى ما يحدث ويعوا ما يرون وينظرون، وان يسمعوا صوت الجماهير، ويدركوا ما يسمعون، وألا يستسهلوا إعطاء أنفسهم الحق بالطغيان على الآخر، أو الاستبداد…" . وإذا كانت الجماهير بطبيعتها لا تخلط في القضايا الوطنية الكبرى، بين بعض المواقف المشرفة تجاه العدو الصهيوني، وبين من باع القضية، فإنها ترى أن مسؤولية من يزعم أن مواقفه مشرفة تجاه مطالب شعبه هي أكبر بكثير.

ملحوظة: وأنا أراجع ما كتبته أعلاه، دخل صديق علي البيت، وجلس إلى جواري وأخذ يقرأ معي ما كتبته. وبعد أن انتهينا سوية من قراءة المقالة، خاطبني معقباً وهو في وضعية جدية أذهلتني: أعتقد جازما إن ما كتبته الدكتورة بثينة شعبان ليس من عندها، بل هو من وحي غيرها.. أنت تفهم قصدي.. ويبدوا أنه جاد هذه المرة بإجراء إصلاحات ذات مغزى. أجبته بأن بعض الأمل لا يضير، وان السيد الرئيس المقصود بتوريتك، هو رئيس شاب يمكنه إذا أراد أن يرسم فارقا حادا مع زملائه من الحكام العرب، وهو ليس مسؤولاً عن كل ما عانته سورية وشعبها، وهو لا يزال يتمتع بمحبة قطاع لا يستهان به من الشعب السوري، ولديه فرصة لم تتح لزملائه، أعني مؤتمر الحزب القادم لكي يعلن عن برنامج تغييري جذري.

وكمساهمة مني وكنوع من استلهام ما يريده الشعب السوري أقترح عليه البرنامج التالي الذي ينبغي أن ينفذ خلال ستة أشهر على أبعد مدى:
أولا":
 العفو العام عن جميع سجناء الرأي، والشروع في تسوية أوضاع من تعرضوا للسجن سابقا بسبب أرائهم السياسية، والكف عن سياسة الملاحقة والقمع والمنع من السفر وغيرها، وكذلك الشروع فورا بتسوية الأوضاع المدنية للسوريين من غير العرب مثل الأكراد ومن في حكمهم.

ثانياً:
إلغاء حالة الطوارئ وجميع القوانين الاستثنائية، ومنها المرسوم رقم 6، والقانون رقم 49، والمحاكم المبنية عليها، والشروع في تشكيل لجنة من الاختصاصيين للبحث عن أفضل الطرق لتعديل الدستور، أو كتابة دستور جديد يحول سورية إلى جمهورية برلمانية.

ثالثا:
وحتى يتم تعديل الدستور، أو إعداد دستور جديد، ينبغي استصدار مرسوم يسمح بحرية التعبير، والإعلام، وممارسة الحياة السياسية بحرية، وإنشاء الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية والنقابية، بعيداً عن تدخل الدولة، والفصل بين الدولة ومؤسساتها، والأحزاب السياسية والنقابات وهيئات المجتمع المدني، وفي مقدمتها حزب البعث.

رابعا:
إشراك القوى السياسية جميعها، من في السلطة ومن في المعارضة، في مناقشة وإعداد وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية لا تستثني أحدا، تقوم على متابعة تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، على أن يتم حسم الخلاف على بعض القضايا الجوهرية من خلال أخذ رأي الشعب بها عبر استفتاء ينظم لهذا الغرض.

وأقترح أن يختم الإعلان عن هذا البرنامج بالنداء الأتي: أيها السوريون الشرفاء هلموا لنتعاون ونبني وطنا مختلفا، ودولة مختلفة، يدا بيد… إن تنفيذ هذه المطالب كما يأمل بذلك بعض عقلي السياسي، كفيل بأن يفتح باب التاريخ على مصراعيه لرئيس سورية الشاب، وسأكون في مقدمة من ينتخبه في أول دورة انتخابية قادمة.

شاهد أيضاً

بمشاركة الرفيقين كبرئيل موشي وعبد الأحد اسطيفو: هيئة التفاوض السورية تنهي اجتماعاتها في جنيف وتصدر بياناً ختامياً

04-06-2023 شارك الرفيقان كبرئيل موشي مسؤول المنظمة الآثورية الديمقراطية، عضو هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة …