الرئيسية / مقالات حول سوريا / أفاق الزمن القادم (الجزء الأول)

أفاق الزمن القادم (الجزء الأول)

منذر خدام
الحوار المتمدن
6 أذار 2011

الحوار مع الدكتورة و المستشارة بثينة شعبان(لست أدري أي صفة تفضل) له دائما نكهة خاصة. من جهة لكونها نموذج للمثقف السلطوي المتمكن من مجاله الثقافي، الذي يجيد استعمال أدوات الكتابة لكي يصل إلى عمق الموضوعات التي يعالجها، كاشفا عما فيها من ممكنات لتوصيل رسالة ما. فهي كما أدواتها تتميز بحساسية عالية تجاه موضوعات كتاباتها، ومن هذه الناحية لا يسع حتى المختلفين معها إلا احترامها.

ومن جهة ثانية؛ فهي منذ ما يقارب العقدين من السنين تشغل موقعاً قريباً جداً من دائرة صنع القرار السياسي في سورية، هذا إذا لم تكن فاعلة في داخلها، ومع ذلك فهي تبدي تناقضا صارخا بين ما تقوله في كتاباتها وما تمارسه في حياتها العملية. بمعنى آخر تستطيع بثينة أن تعيش التناقض بين ما تقوله كمثقفة وبين ما تمارسه كسياسية بدون أن تشعر بالحرج، فهي تمتلك قدرة عالية على تكييف المثقف الكامن فيها مع الدور السياسي الذي تمارسه. ونظرا لأنني بطبعي أحترم المختلف معي لشخصه دائما، عندما يطابق سلوكه ودوره رأيه، لكنني أكتفي بتفهمي لشخصه، عندما يفارق سلوكه ودوره رأيه.

أقول ذلك، حتى لا تتهمني الدكتورة بثينة شعبان " بالانفعالية المفرطة" أو بانفلات " مشاعر الكراهية"، أو بأنني أصدر عن "مواقف مسبقة الصنع"، في حواري مع ما كتبته بتاريخ 28/2/2011، في جريدة تشرين السورية الرسمية بعنوان " أفاق.. خصائص الزمن القادم". إن ما عبرت عنه الدكتورة بثينة في مقالتها المشار إليها من آراء، يمكن وصفها بالجيدة إذا استطعنا تجاهل الوظيفة التي تشغلها في السلطة السورية، والدور الذي تؤديه بناء على ذلك. غير أن موقعها في السلطة يكشف عن تناقض صارخ بين ما حملته المقالة من آراء ومواقف، وبين سلوكها اليومي، مما أفقدها مصداقية الرأي، تلك المصداقية التي يختبرها السلوك دائما اتفاقا أو تفارقا.

تقول الدكتورة شعبان " إن ما يجري في عالمنا العربي اليوم هو بداية تاريخ عربي جديد" وهي في قولها هذا توافق الحقيقة دون مواربة. لقد دشنت الثورة التونسية ومن بعدها الثورة المصرية عصرا جديدا ليس على المستوى العربي، بل والعالمي أيضاً. ليس من باب المغالاة القول: لقد قدم العرب نموذجا غير مسبوق للثورة ضد الطغاة، وهو نموذج يمتلك كل سمات وخصائص التعميم على وضعيات مشابه( انظر ماذا يجري في الصين مثلاً)، وعلى وضعيات أخرى يغلب عليها الطابع المطلبي.

ومن حق الدكتورة أن تشعر بشيء من النشوة لكون " الملايين" من الجماهير العربية استطاعت " بمداد دمائها وكفاحها السلمي" أن تدفن "أنظمة المومياءات" إلى غير رجعة. غير أن ما غفلت عنه الدكتورة في غمرة نشوتها الظاهرية وكشف عن خوفها وامتعاضها مما يجري، هو أن هذه الجماهير في انتفاضتها السلمية قد أسقطت إمكانية الحكام المستبدين للمتاجرة السياسية بالعمالة للخارج، وكيل التهم بالخيانة لكل مطالب بشيء من التغيير، ولتكشف عن حقيقة أن الأنظمة الاستبدادية ذاتها هي العميلة لهذا الخارج. إن الأسلوب الجديد الذي ابتكرته الشعوب العربية في الانتفاضة على حكامها المستبدين هو الذي جعل جميع الحكام العرب ترتعد فرائصهم بما فيهم النظام السوري. لم يعد بإمكان الحكام العرب التهويل من شأن التدخلات الخارجية للحؤول دون تحقيق مطالب التغيير، فهاهي الجماهير المليونية تصنع التغيير وتأخذه بيدها، رغم أنفهم.

وفي ذروة انتشاء الدكتورة الظاهري فإنها تصرخ " كفانا زمن الإحباط والترهل واليأس الممتد منذ استيلاد الطغاة أنظمة الاستبداد العربية، قديمها وحديثها.." مهلا مهلا دكتورة هل تقصدين جميع "أنظمة الاستبداد العربية"، بما فيها النظام السوري، أم أنك تستثنين النظام السوري من بينها، وتبقينه خارج "التاريخ الجديد القادم" على المنطقة العربية، لعدم انطباق المواصفات الاستبدادية عليه، فهو لم يكمل عقده الخامس بعد، ولا يشبه بقية الأنظمة العربية إلا في التفاصيل وأدق التفاصيل!!. تقول الدكتورة بثينة بأنها "راهنت.." كغيرها " من المثقفين والكتاب العرب، قديما وحديثا" في كل ما كتبته على " أصالة قيم الحرية والكرامة والعدالة لدى شعبنا العربي، وعلى حيوية هذا الشعب، وحتمية رفضه لأساليب الذل والهوان التي تفرضها أجهزة قمعية ينفق على تجهيزها بأحدث معدات القمع المستوردة من الغرب، بأكثر مما ينفق على التعليم والجامعات..".

في هذا المقتطف من مقالة المستشارة بثينة تبدو ازدواجية الشخصية لديها بأجل صورها، ولسان حالها يقول: انظروا في أقوالي وليس في أفعالي. لو كنت يا سيدتي المستشارة صادقة في ما كتبته، لما بقيت دقيقة واحدة في منصبك، لأن النظام الذي تقدمين له خدماتك من أشد الأنظمة الاستبدادية قهراً لشعبه، وهو يصرف على أجهزته الأمنية التي لا وظيفة لها سوى قمع وقهر الشعب وإذلاله أكثر بكثير مما يصرف على التعليم بكل مراحله. وتستطيعين اختبار صدقية ما أقول بأن تنظري في مخصصات هذه الأجهزة في ميزانية الدولة، وقارنيها بمخصصات وزارة التربية ووزارة التعليم العالي، وإن ما هو تحت تصرفها من خارج الميزانية لأكبر بكثير.

نعم هناك كثير من المثقفين العرب والسوريين منهم بصورة خاصة ما انفكوا يراهنون على أصالة النزوع إلى الحرية والدفاع عن الكرامة والنضال في سبيل العدالة لدى شعبنا العربي، حتى في أقسى الظروف، وتحملوا في سبيل ذلك السجن الطويل، والتعذيب الجسدي والنفسي، ومنهم من استشهد وما بدلوا تبديلا. بل هم الآن أشد رهانا على أصالة هذه القيم لدى شعبنا السوري الذي لا أخاله إلا منتفضاً في سبيل حريته وكرامته ولقمة عيشه، وكأنني أراه يملأ الساحات رافعا ذات الشعارات التي رفعها الشعب العربي في تونس وفي مصر وفي غيرها: نريد إسقاط…. أفتح قوسين لأذكرك بحوار جرى بيننا في مؤتمر عقد في فندق الميريديان بدمشق وكان تحت رعايتك، وكنت مدعوا كمحكم على بعض الأوراق الاقتصادية، واستمعنا جميعا في أحد المحاور إلى ورقة أعدها البروفسور رايموند هانيبوش من مركز الدراسات الشرقية في جامعة سانت أندروز في سكوتلندا، وكانت بعنوان "ممكنات الديمقراطية في الشرق: سورية نموذجا". وتميزت مداخلته بأكاديمية رفيعة، وبتحليل على درجة عالية من الرصانة، واستخدم معطيات لا تتوفر لدينا نحن الباحثين السوريين، فلقيت مداخلته ترحيبا كبيرا انعكس في المداخلات والنقاشات التي جرت بعد ذلك. وقمت أنت بالتعقيب عليه، وقدمت خطابا رسمياً بامتياز: لدينا خصوصيتنا، لدينا تجربتنا في التعددية من خلال الجبهة الوطنية التقدمية، لدينا نقابات لدينا….. واسترسلت في تفصيله، متجاهلة وجود نخبة من السوريين، من الكتاب والمثقفين والأكاديميين والإعلاميين الذين يعيشون في ظل ديمقراطية نظامك التي دافعت عنها، ولا يقدرون على ممارسة أبسط حقوقهم في التعبير بحرية.

لقد كان خطابك في الواقع موجها إلى الأجانب المشاركين في المؤتمر، وفي قرارة نفسك كنت تودين أن لا يعترض على خطابك أحد من السوريين المشاركين في المؤتمر. لكن بعض الأصوات القليلة ارتفعت لتخيب أملك، وكان إحداها صوتي: لقد سألتك ما هذه الديمقراطية التي لا تستطيع أن تتسامح مع نخبة من المثقفين والمهتمين بالشأن العام في سورية الذين وقعوا على بيان يعرضون فيه وجهة نظرهم في بناء علاقات جيدة مع لبنان، فتدفع بعضهم إلى السجن، وتفصل آخرين من وظائفهم وتحرمهم من مصدر عيشهم.

ما هذه الديمقراطية التي لا تستطيع تحمل آراء مفكر سوري كبير كميشيل كيلو، وآراء الاقتصادي السوري الأبرز عارف دليلة فتحكم عليهم بالسجن… والآن، وأنا أكتب ما أكتب، أسألك: ما هذه الديمقراطية التي لا تستطيع أن تتحمل نشاط بعض المدونين الشباب الذين يطالبون بتحسين الأوضاع في بلدهم، عداك عن نشاط العديد من الحقوقيين والإعلاميين وغيرهم فتسجنهم أجهزة النظام الذي تقدمين له خدماتك. وبالعودة إلى المؤتمر المشار إليه، أذكرك بما جرى بعد أن جاءت الأوامر بشطب محور القضية الكردية من جدول الأعمال، الذي كان سيتدخل به السياسي الكردي السوري البارز فيصل يوسف وهو لا يقل وطنية عن أي عربي معتز بوطنيته لا متاجرا بها، طالبناك بالتدخل لكي يبقى هذا المحور، وكنا حريصين على سمعة سورية وسمعة المؤتمر،إذ لا يجوز شطبه بعد أن وزع برنامج المؤتمر على الضيوف الأجانب، هذا عدا عن حقنا المبدئي نحن السوريين بمختلف انتماءاتنا القومية مناقشة القضايا التي تخص الوطن وشعبه، فجاء جوابك: هذه أوامر عليا.

شاهد أيضاً

بمشاركة الرفيقين كبرئيل موشي وعبد الأحد اسطيفو: هيئة التفاوض السورية تنهي اجتماعاتها في جنيف وتصدر بياناً ختامياً

04-06-2023 شارك الرفيقان كبرئيل موشي مسؤول المنظمة الآثورية الديمقراطية، عضو هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة …