أبرم شبيرا
++ هكذا ومنذ البداية نعيد إطلاق هذا النداء إلى جميع ممثلي أمتنا المعروفة دستوريا بـ (الكلدانية السريانية الآشورية) أن يستقيلوا من البرلمان ومن جميع مجالس المحافظات ويتركوا مسخرة الديمقراطية التي ما هي إلا تراجيديا مأساوية بحق هذا الشعب العريق. قبل بضعة سنوات وأثناء المشاركة في محاضرة في ديترويت في الولايات المتحدة أطلقت مثل هذا النداء كرد عملي ضد هضم حقوقنا القومية في الدستور العراقي. واليوم نعيد هذا النداء مرة أخرى في وضع أسوء بكثير مما كان عليه في الماضي… الكل يؤكد بأن هذه المذبحة هي الأكثر دموية ووحشية مما سبقتها ومن المؤكد فإن الأرهابين لا يتوقفون عند هذا الحد بل هدفهم الأساسي هو تنظيف الديار الإسلامية من "القردة والخنازير" كما يطلقون علينا. أن ما جرى في السابق وفي كنيسة سيدة النجاة وما سيجري في المستقبل القريب له بكل تأكيد إمتدادات أخطبوطية في أروقة الحكومة والبرمان وفي دهاليز القوى المسيطرة على مقدرات العراق وبالتالي نقولها بملئ الفم بأن هذه الجهات هي التي تتحمل المسؤولية إلى جانب المنظمات الإرهابية عن كل ما يجري بحق أمتنا وعلى ممثلي أمتنا أن لا يشاركوا في هذه المسؤولية.
إن مهزلة "الكوتا المسيحية" هي عنوان لمسرحية تراديجية جعلوا منا أن نمثلها على مسرح الجريمة ونشارك فيها من أجل أن تضحك علينا القوى الظالمة المسيطرة على العراق ونحن نبكي ونسيل دماء أبناؤنا… المعروف قانونياً وسياسياً عن الكوتا هو ضمان حقوق أقلية ليس لها قوة وتأثير حتى تستطيع أن تضمن وصول ممثليها إلى مراكز صنع القرار السياسي لضمان حقوقها الدستورية وتتجنب هيمنة الأكثرية عليها وإخضاعها لبرامجها الخاص بها. هكذا يكون في الدول الديمقراطية التي تتحكم فيها عقول ديمقراطية وتسود فيها مبادئ وممارسات ديمقراطية حقيقية وليس شكلية أو لفظية كما هو الحال في العراق. نحن متأكدون بأن الغالبية العظمى في الحكومة العراقية وفي البرلمان ومجالس المحافظات لا يؤمنون، لا فكريا ولا مبدئيا ولا ممارسة، بالحقوق القومية والدينية لأبناء أمتنا. هذه حقيقة معروفة من خلال ممارستهم للعمل السياسي وفي أحيان أخرى من سلوكيات وتصريحات في معظمها، أن لم تكن معادية بل هي متجاهل كل التجاهل عن الوجود القومي لأمتنا في العراق وعن أصالتها التاريخية وحقها الطبيعي في ممارسة كامل حقوقها مثلها مثل الآخرين من الأكثرية، حيث أصبحنا كـ "ديكور" في تلطيف وتحسين ممارسات القوى المهيمنة حتى يعطوا إنطباعاً جيداً للعالم الديمقراطي.
إلى متى نظل نستنكر ونخرج في مظاهرات "سلمية" إحتجاجاً على المذابح التي ترتكب بحق أمتنا، أليست كافيا الدماء الطاهرة التي أزهقت في كنيستنا "سيدة النجاة" لكي نترك كراسي الدماء والجريمة في العراق ونبرئ أنفسنا من المشاركة في هذه الجريمة، ودماء شهدائنا لازالت تفور على أرض الكنيسة والمنطقة المحيطة بها. لنترك مهزلة اللعبة السياسية التي نشارك فيها في الوقت الذي يذبح أبناء أمتنا المسالمين لأننا نحن الخاسرين وهم، سواء أكان الأرهابيون الذين نفذوا مذبحة سيدة النجاة أم حكومة الشبح والقوى المسيطرة على مقدرات العراق، هم الرابحون أولاً وأخيرا. يقول البعض بأنه هذا ليس حلاً لوضع حد لهذه المأساة والمذابح… هذا صحيح، ولكن أقولها بصراحة بأنه لم يعد هناك حلا لمأساتنا في العراق طالما هناك من سيطرة على مقدرات العراق لا يؤمن بالإختلاف المشروع ولا يقر حقاً للغير والمختلف, فالحل الوحيد هو أن يكون لأمتنا حكماً ذاتياً في مناطقهم التاريخية ويجب على كل قوانا السياسية والدينية أن يعلنوا صراحة وعلناً ويطالبوا بهذا الحق كضمان وحيد وأساسي للبقاء في أرض الأباء والأجداد. أما من يتضرع ببعض الكلمات السخيفة في الكتيب الذي يسمى بـ "الدستور" في الوقت الذي يستمر القتل والخطف وتدمير كنائسنا وسلب بيوتنا والقضاء على حياتنا، حينذاك نقول لمثل هذا الدستور "طوز" في مثل هذا السدتور، كما يقول المصريون.
نحن الخاسرون من المشاركة في اللعبة السياسية في العراق لأنه يضيف ويعطي للذين لا يؤمنون بحقوقنا تذكرة مرور إلى الرأي العام العالمي والدول الغربية الديمقراطية ليقول بأن حقوق الأقليات مضمونة في العراق، فحالهم كحال النظام البعثي المقبور الذي كان يتحجج ويعتمد على بعض قصاصات الورق تبين للمنظمات الدولية بأن حقوق الأقليات في العراق مضمونة في الوقت الذي كان يعلق أبطال أمتنا على المشانق ويرميهم في مهالك السجون. لماذا نلوم ممثل أمتنا في مجلس محافظة الموصل عندما يترك المجلس ولا يحضر إجتماعاته طالما هناك أكثر من عشرين ممثل في هذا المجلس عيونهم عمياء وأذانهم صماء لا يرون الواقع ولا يسمعون إلى دعوات وشكاوى ممثل أمتنا. فعندما يطرح موضوع، مثلاً كموضوع توزيع أراضي للغير في قضاء الحمدانية للتصويت في المجلس فمن المؤكد إن الغالية العظمى تصوت لصالحه. إذن ما الذي يستطيع أن يفعل صوت أو صوتين لممثلي أمتنا في هذا المجلس طالما الكل لا يؤمن بحق أهل الحمدانية أن يعيشوا في أرضهم أحرار ويحافظون على تقاليدهم وعاداتهم المورثة منذ قرون طويلة؟؟. والحالة أسؤ بكثير مع ممثلي أمتنا في القبة التي سميت بـ "البرلمان". نحن لا نشك إطلاقاً بالقدرات السياسية والفكرية والنضالية لممثلي أمتنا ولكن مع الأسف الشديد أن كل الطاقات والجهود المبذولة في شأن حماية أمتنا من نيران الحقد والكراهية ذهبت وتذهب هباءاً لأن بضعة أصوات "الكوتا" لا تقوى أمام العقلية الظلامية التي تسيطرة على كراسي القبة. أفليس هذا حكم الأكثرية وهي الديمقراطية بعينها. إذن لماذا نشارك في هذه العملية القذرة ونحن الخاسرون أولاً وأخيراً وغيرنا يربح على حسابنا؟؟.
يقول نائب وزير الدفاع بان عملية إقتحام كنيسة سيدة النجاة كانت "ناجحة"!!! أليست هذه مهزلة من رجل من المفروض أن يكون قد درس علم الحساب والجبر…. لقد قتل أكثر من نصف المحتجزين في الكنيسة ويقول بأن العلية كان ناحجة… بالله عليكم هل هذا منطق، أليست هذه بكل معنى الكلمة جريمة أخرى شاركت القوى التي أقتحمت الكنيسة مع الإرهابيين. أتسائل وبكل صراحة وبدون أي قصد مذهبي وأقول لو كان الإرهابيون قد أحتجزوا مثل هذا العدد في مسجد أو حسينية أفهل كانت القوات الأمنية تقوم بإقتحام المسجد أو الحسينية وتعريض العدد الكبير من المصلين للقتل والإصابات. وحتى نبتعد عن النوايا السيئة التي قد تتهمنا بالقصد المذهبي أو الديني، لنقل كان الرهائن في نادي أو مجمع أو حتى مدرسة أو جامعة أعتقد بأن القوات الأمنية كانت قد فكرت ملياً وبحثت في وسائل أخرى لتخليص الرهائن ولن تقوم بهذه العملة الإقتحامية المتهورة التي أودت بحياة أكثر من خمسين بريئاً وعشرات الجرحى. اليس هذا الحدث يثبت بأن الدماء المسيحية رخيصة لدى رجال الحكم والسياسية في العراق؟؟؟ لقد دفعنا الثمن غالياً جداً حتى يثبت هؤلاء بأنهم قادرون على السيطرة على الأعمال الإرهابية، في الوقت الذي شاركون هم الأرهاب بحق أبناء أمتنا وهم في كنيسة يتذرعون إلى الله من أجل المحبة والسلم بين الجميع.
إن إستقالة ممثلي أمتنا من البرلمان ومجالس المحافظات سيترك أثراً على المستوى الداخلي والخارجي ويثير الرأي العام على المستويين وتصبح قضيتنا أكثر إثارة وإهتماما وكذلك تصبح دماء شهدائنا أكثر إشراقاً وزكاءا وسنبرئ أنفسنا من المشاركة في العملية القذرة التي تسمى بـ "السياسية" في العراق… أية عملية يتحدثون عنها في الوقت الذي لا زال العراق بدون حكومة منذ أكثر من سبعة أشهر… لماذا؟ هل السبب سياسي أم دستوري أم فكري… لا وألف لا… أنه الطائفية القذرة هي التي تتحكم في الأمور وتضع الحدود والسدود بين أبناء شعب العراق الذي هو في التحليل الأولي والآخير ضحية هذه الممارسات ونحن بأعتبارنا الحقلة الأضعف بين أبناء هذا الشعب فأن المصائب والويلات تأتينا من كل صوب وجهة… من كل طائفة أو حزب أو منظمة إرهابية في العراق.
يا ممثلي أمتنا في البرلمان ومجالس المحافطات، نحن نعرفكم جيداً ونعرف تضحياتكم ونضالكم ومعاناتكم من أجل هذه الأمة، فكروا في هذا النداء وأنا يقين بأن إستقالتكم من دوائر الخدر والظلم في العراق سوق يزيدكم إحتراماً وتقديراً لدى أبناء أمتنا في الداخل والخارج، فإن كان هذا أمراً صعباً ونحن كأناس عاديين غير سياسين لا نفهم الوضع جيداً كما تفهمونه أنتم، فعلى الأقل يستوجب عليكم إعلان تجميد عضويتكم في هذه الدوائر المسمومة.
يا بطاركة ومطارنة وكافة رجال كنائسنا الإجلاء… نحن نعرفكم حق المعرفة في تضحياتكم في سبيل رعيتكم ومعاناتكم الشديدة من أجل بقاء وصمود الكنيسة في العراق ولكن كفانا أن ندير الخد الآخر لكي تصفعنا أيادي الجريمة الخدر. إن الذي يده في المياه الباردة غير الذي يده في النار… إن كنائسنا في الغرب لم تبنى على "صخرة بطرس" بل على دولة قوية هي الضامن الحقيقي والفعلي لبقاء وإستمرار الكنيسة. إن الدعوات المرسلة من كنائس الغرب وبالأخص الفاتيكان، ونحن نحترق بنيران الإرهابين وتدعو بالصمود والتحلي بالصبر والإيمان لم تعد تفي بالغرض الإساسي في إيقاف جرائم الإرهابين بحق أبناء كنائسنا في العراق. قلنا في المقال السابق عن كنيسة المشرق بأن البيان الختامي للسينودس من أجل مسيحيي الشرق والمخيب للإمال لا يصد ولا يوقف الفعل الإجرامي للإرهابين بحق أبناء أمتنا ولم تمضي أيام حتى أرتكبت أبشع جريمة في العراق في كنيستنا سيدة النجاة. لقد تفتت صخرة بطرس ولغرض إعادة تجميعها حتى تبنى عليها الكنيسة التي لا يقوى عليها شياطين الجحيم نحتاج إلى بنائين ماهرين لا إلى إستنكارات لا تجدي نفعاً ولا تصبح فعلاً.
أقرأوا تصريح البيت الأبيض الأمريكي حول حادث كنيسة سيدة النجاة ويظهر فيه مدى سذاجة الأمريكيين في فهم الحقائق في العراق وبالخص وضعنا نحن المسيحيين حيث يظهر في هذا التصريح هزالته وتردده وخوفه من أن تزعل الحكومة الطائفية عند الإشارة إلى المسيحيين وإضطهاداتهم في العراق خوفاً على مصالحها… هكذا يبيع الغرب المسيحي مسيحيي الشرق بأبخص الأثمان وهم محسوبين عند الإرهابين جزء من هذا الغرب… أليس هذا ظلماً وبهتاناً من جميع الأطراف ضدنا… إلى متى نضل نعتمد على الآخرين ونترك الظروف تسحقنا ونحن مستمرين في تذرعنا للخلاص والنجاة من دون أن نتحرك ساكناً… كفانا وكفانا إحتجاجات وإدانات المطلوب هو العمل ثم العمل ثم العمل.