الرئيسية / مقالات آشورية / شهادة حية من كنيسة سيدة النجاة

شهادة حية من كنيسة سيدة النجاة

نبيل مقدسي

++ أخذتُ إبنتي يوم الأحد إلي كنيسة النجاة كالعادة لكي نُصلي ونُسبح , ونعيش فترات عشق ومحبة مع منْ فادانا … في هذه المرة لم تأتي زوجتي معنا لظروف عملها , لكنها سوف تلحق بنا بعد ما تنتهي من عملها …

كانت إبنتي بجواري في إحدي المقاعد الخلفية … وبينما نحن في صمت العبادة إذ أنهض من خِلوتي علي سماع صوت إبنتي وهي تقول : بفرحة وسرور حتي ظننتُ أنها لمحت مامتها وهي تدخل من باب الكنيسة

لكنها أخَذَتْ بعضها وهرعت إلي واحد من مجموعة دَخَلتْ فجأة الكنيسة رافعين أسلحتهم ويهتفون الله اكبر … الله أكبر … الموت والقتل للكفار… لكنها كانت تصر علي قولها " بابا .. بابا .. أنكل هيثم جه يصلي معانا !" كان كلامها تائها وسط أصوات هذه المجموعات "الله أكبر … الله اكبر … "! وهرعت إبنتي إلي شاب كان مدججا بسلاح ناري ,

وعندما نظرتُ إليه عرفته إنه هيثم جارنا في العمارة ابن الحاج رمضان عبد الكريم … تذكرتُ شكوة والديه أن هيثم ترك الجامعة وإنضم إلي مجموعة دينية , ويترك البيت بالأيام … وأصبح إبن عاق لا يطيع والديه ولا يتخذ من وصاياهم أي إعتبار. أصبح بالنسبة لهم مشكلة في حياتهم .

كان قبل ما ينضم إلي هذه المجموعات دائما يشاكس إبنتي " ساراي " ويأتي لها ببعض الحلويات . كان زهرة الشباب في وسطنا … كان دائما يلقي علينا بآخر النكات … وخصوصا النكات التي كانت تدور حول الأمور السياسية بعد عهد صدام … كان شهما … كان يحب كل الشباب أمثاله ويجالسهم ويتسامر معهم … لكن بعد ما دخل الجامعة كل شيء تغير … بدأ يختفي عن الأنظار … أصبح له شلة من الأصدقاء تختلف تماما عن شباب جيرانه …!!!

شريط سينمائي خطر علي بالي في لحظة … أنتشلتُ إبنتي قبل ما تلقي بجسدها الطفولي علي أكتافه , كما كانت تفعل معه من قبل , فأسرعت أشدها منه , ثم نظرتُ إلي عينيه وأطلتُ النظرَ إليهما … لكنه أخذ بعضه وإبتعد عنا وهو يهتف … القتل للكفرة … إنقلبتْ الكنيسة في لحظة … بدأتْ أصوات الصلوات تعلو علي ضجيج هؤلاء المجموعة الإرهابية … كانت أفراد المجموعة تجري هنا وهناك مهددين إيانا أن نلتزم الصمت وننبطح أرضا … لكن كنا نزيد من الترانيم والتسابيح … حتي بدأوا يلبسون أحزمة الدمار الناسفة … أما نحن بدأنا نلبس علي رؤوسنا أكاليل الشوك الذي تذوقه السيد عند صلبه … تشجعنا بهذه التيجان … فإزدادت صلواتنا لكي يخطفنا الرب علي السحاب … فقد كنا مستعدين أن نقابل الرب في مجده … كان لنا رجاء في ملكوت السماوات حيث الطهارة والتحرر من الجسد , ونصبح أجساما روحانيه نورانيه مقدسة … وها هم هذه المجموعة تصرخ وتهدد وتقتل في سبيل الله … وكأن الله ضعيف إستعان بهؤلاء الأوباش لكي يدافعوا عنه … ويحموه … كانوا ينادون بإطلاق حرية إخوتهم في الإسلام كاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين حسب ما يعتقدون بالإضافة إلي بعض زملائهم المحبوسين في السجون… رفعوا أعلام الجهاد بجانب الصلبان . وشتان الفرق بينهما … أعلام للقتل والشر … و صلبان للتضحية والبر .! تحسرتُ علي هذا الشاب هيثم , ذهبت إليه زاحفا لكي اُجَنِبَهُ القيام بهذا العمل الشنيع … إنفزع مني وإندهش لأنني لم أخشاه … قال لي : ألست خائفا مني ؟؟

قلت له أنا لا أخاف من الموت الجسدي … فأنا سوف أنتقل فقط من حال إلي حال أفضل … حيث الراحة والتمتع بنور الرب . وبعصبية شديدة صرخ في وجهي " يعني إنت مش خايف تموت" !.. فلمح راعي الكنيسة وتعجب أنه يتقدم إليه غير مهتم بما يحمله من سلاح وإذ به يطلق عليه شحنة نارية من السلاح الذي يحمله وأرداه قتيلا … صرخت إبنتي بصوت عالي … وإذ به يقول لها إخرسي ..!! ولم تسكت عن الصراخ … وبدون رحمة وبدلا من أن يعطيها قطعة من الحلوي كما كان يفعل من قبل ,صَوّبْ إليها فجأة رصاصة لكي تصبح إبنتي أول مَنْ فتحتْ لهُ أبواب جنات الحوريات والخمر والعسل والغلمان, و في لحظة وجدتُ إبنتي في حضني جثة هامدة , وأفاجيء بزوجتي تصرخ فقد أتت قبل حدوث هذا الهجوم الغاشم بلحظات وكانت من ضمن مجموعة السيدات حيث أنهم فصلوا السيدات عن الرجال , ولا أعرف سببا لهذا , إرتمت زوجتي علي إبنتي وهي تبكيها دما … فوقفتْ وكادتْ تفترس هذا الشاب الذي لم يعرف الرحمة ولا حتي الإنسانية … نسي كم من المرات وقفت زوجتي بجانبه لكي تدافع عنه أمام والديه …

فجأة تغلبت قوي الشر علي الخير وإذ به يُفجر نفسه في لحظة هجوم زوجتي عليه … وضاعت زوجتي في لحظة ولحقت بإبنتي … أخذت أصرخ لكن صوتي كان تائها بين صراخ الآخرين … الزعر ملأ المكان … التسابيح إزدادت علوا … الإنفجرات إزدادت قوة … الصلوات إزدادت حرارة … الرصاص اظهر غدره … لكن شتان بين التسابيح والصلوات وبين الإنفجارات والرصاص . إهتز المكان … نظرنا إلي السماء , إمتلأنا بالروح القدس , فرأينا مجد الله ويسوع واقفا عن يمينه " هتفنا جميعنا : نراك يا إبن الإنسان واقفا عن يمين الله … فإنزعج من تبقي منهم … فصاحوا صياحا شديدا " إخرسوا " , وسدوا آذانهم , وأصيبوا بهستيريا … وبدأوا يطلقون علينا الرصاص ويفجرون أنفسهم بطريقة عشوائية لا إنسانية … وفي لحظة إنضميتُ مع إبنتي وزوجتي في أحضان الرب … وفزنا بأكاليل الحياة …

مازالت إبنتي علي سجيتها , فهرعت إلي رب الأرباب لكي يحقق لها طلبا … فقد رأت هيثم يتعذب في الهاوية … ينادي عليها وهو يتألم ويصرخ " ساراي .. ساراي " أطلبي من يسوعك لكي يرحمني ويرسلك لي لتغمسي طرف أصبعك في الماء لكي يبرد لساني ….!!!!!

هيا ننسي ما وراء نمتد إلي المسيح …………………. ناظرين للسمـــا دومـــا في المسيح
لأن لنا الحيــــــاة هي شخص ربنا …………………. والموت ربح لنـــــا حقا في المسيح
يعظم إنتصـــــــــارنا بالذي أحبنا …………………. من مات وأحيانـــــــا فادينا المسيح
إفرحوا في الرب إفرحوا كل حين …!!

شاهد أيضاً

عندما يغادرنا مبدعٌ كالموسيقار جورج جاجان

14-05-2021 بقلم سعيد لحدو تعود الموسيقا السريانية بجذورها إلى حضارة مابين النهرين وطقوسها الدينية والمهرجانات …