بقلم: خيرالله خيرالله
ميدل ايست أونلاين ++ اخيرا غادر الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد لبنان بعد زيارة استغرقت يومين بدأت في الثالث عشر من تشرين الاول/اكتوبر الجاري. حرص الرئيس الايراني على تذكير اللبنانيين في كل لحظة بان بلدهم صار ميناء ايرانيا على البحر المتوسط لا اكثر. والواضح ان اختياره تاريخ وصوله الى بيروت لم يكن صدفة. ففي الثالث عشر من تشرين الاول/اكتوبر 1990، اي قبل عقدين بالتمام والكمال، دخل الجيش السوري الى قصر بعبدا الرئاسي في لبنان بعد فرار رئيس الحكومة الموقتة النائب الحالي ميشال عون الى بيت السفير الفرنسي الواقع في منطقة لا تبعد كثيرا عن القصر. كانت تلك المرة الاولى منذ تحول لبنان دولة مستقلة التي يدخل فيها جيش اجنبي قصر الرئاسة.
دخل السوريون في الوقت ذاته الى وزارة الدفاع اللبنانية في اليرزة التي لا تبعد كثيرا عن قصر الرئاسة بعد حصولهم على ضوء اخضر اميركي سمح لهم باستخدام سلاح الجوّ فوق الاراضي اللبنانية. لم يكن الامر مجرد صدفة ايضا. كان مطلوبا عقد صفقة اميركية مع دمشق التي انضمت الى التحالف الدولي الذي اخرج العراق من الكويت وسمح لبلد صغير مسالم في استعادة حريته وسيادته واستقلاله. دفع لبنان غاليا ثمن الانضمام السوري الى التحالف العربي والدولي الذي تكفل بتحرير الكويت من براثن النظام العائلي- البعثي الذي اقامه صدّام حسين الذي اختار دعم ميشال عون في لبنان.
طوى الدخول السوري الى قصر بعبدا ووزارة الدفاع صفحة من تاريخ لبنان الحديث. كانت تلك المرة الاولى التي يفقد فيها لبنان سيادته على كل قطعة من ارضه. لم يعد هناك متر مربع من الارض اللبنانية خارج السيطرة السورية. لم يعد هناك سياسي لبناني قادر على ان يقول لا لدمشق التي استطاعت في تلك اللحظة تنفيذ انقلابها على اتفاق الطائف عن طريق تحويله من اتفاق عربي- دولي الى اتفاق يخدم المصالح والاطماع السورية في لبنان. ليس هناك بالطبع من يستطيع انكار ان لسوريا، بغض النظر عن النظام فيها، مصالح معينة مشروعة في لبنان يمكن ان تخدم مصلحة البلدين والشعبين الشقيقين، لكن ما لا يمكن القبول به وجود رغبة في الهيمنة يمارسها بلد ذو نظام متخلف على كل الصعد على بلد آخر يمتلك بعض الجوانب الايجابية أكان ذلك من الناحية السياسية او الاقتصادية او التربوية. استطاع لبنان على الاقل ان يكون ملجأ للطبقتين المتوسطة والغنية في سوريا اللتين فرتا من البلد بثرواتهما وقدراتهما البشرية التي لا تقدر بثمن اثر النكبات التي حلت بالبلد منذ العام 1958 حين بدأ التدهور يطال كل قطاعات المجتمع السوري بدءا بالاقتصاد وانتهاء بالحياة السياسية. بقيت سوريا حتى العام 1958 تمثل تجربة رائدة في هذا المجال على الرغم من الانقلابات العسكرية التي استهدفت القضاء على الديموقراطية والتعددية السياسية وعلى كل ما له علاقة من قريب او بعيد بالحضارة والثقافة والرقي في البلد.
في الثالث عشر من تشرين الاول/اكتوبر 2010 اتى الى لبنان الرئيس الايراني في زيارة رسمية. لم يكن ممكنا الا الترحيب بمحمود احمدي نجاد في لبنان في حال التزم اصول الضيافة والاصول المتبعة بين الدول المستقلة. المشكلة في النهاية ليست في الزيارة الرسمية بمقدار ما ان الزيارة كانت تعبيرا عن رغبة في توجيه رسالة فحواها ان النفوذ الايراني في لبنان بات اقوى من اي نفوذ آخر، بما في ذلك النفوذ السوري، وان في استطاعة ايران التي ترسل اسلحة الى لبنان قدر ما تشاء ولديها ميليشيا خاصة بها قادرة على احتلال بيروت في غضون ساعات، ان تفعل ما تريده بالبلد وان تضع يدها عليه في الساعة التي تناسبها. اظهرت زيارة محمود احمدي نجاد ان لبنان ورقة ايرانية لا اكثر وان النجاح الذي حققته طهران في الوطن الصغير يتمثل في تحويله الى رأس حربة للنفوذ الايراني على شاطئ المتوسط في ظل حال من السبات يعاني منها العرب من المحيط الى الخليج.
ما الذي يجمع بين الثالث عشر من اكتوبر 1990 والثالث عشر من اكتوبر 2010. في الحالين، الحال السورية والحال الايرانية، كانت الاداة المستخدمة لوضع اليد على البلد واحدة. اسم هذه الاداة شخص يدعى ميشال عون لا يعرف سوى لعب الدور المرسوم له باتقان قلّ نظيره. في العام 1990 تمترس في قصر بعبدا ومنع الرئيس المنتخب الشهيد رينيه معوض من دخول القصر. لم يقبل اخلاء القصر، متخليا في الوقت ذاته عن الجنود الذين دافعوا عنه وعن محيطه، الا بعدما دمر المنطقة المسيحية مستعينا بحلفاء سوريا وعملائها الذين احضروا له كل ما يحتاجه من ذخيرة لمتابعة حربه على "القوات اللبنانية" التي كانت لا تزال ميليشيا. لم تكن حرب ميشال عون وقتذاك على "القوات". كانت حربا على المسيحيين ومناطقهم بهدف تهجير اكبر عدد منهم من البلد. وكانت حربا على المسلمين عن طريق قصف مناطقهم بهدف زيادة الشرخ الطائفي في البلد ودفعهم اكثر في اتجاه النظام السوري. في النهاية، لم يفهم ميشال عون شيئا عن التوازنات الاقليمية والتحولات التي تشهدها المنطقة. قامر حتى النهاية، فدفع لبنان، ولا يزال يدفع، ثمنا غاليا لتصرفاته الهوجاء…التي احسن النظام السوري توظيفها في خدمة مصالحه.
في السنة 2010 تستمر الاداة المفضلة، سابقا، لدى السوريين في لعب الدور المطلوب منها. لكنها تضع نفسها في خدمة الاطماع الايرانية هذه المرة. هناك قائد سابق للجيش يبرر وجود ميليشيا مسلحة مذهبية في البلد تسيطر على مناطق بكاملها وتضرب عرض الحائط بكل ما له علاقة بالسيادة اللبنانية. هناك قائد سابق للجيش تنكر في العام 1990 لجنوده الذين سقطوا في محيط قصر بعبدا ووزارة الدفاع ويتنكر في السنة 2010 لمؤسسات الدولة اللبنانية كلها.
في المرتين، اخطأ ميشال عون في حساباته الداخلية والاقليمية. ولكن في المرتين دفع لبنان واللبنانيون غاليا ثمن الدور الذي لعبه ولا يزال يلعبه في خدمة كل من يريد وضع يده على الوطن الصغير وتهجير اللبنانيين من ارضهم!