بقلم: سامي ابراهيم
++ الإنسان يملك جهازا متطورا اسمه جهاز الشك، وهذا الجهاز عبارة عن منظومة فكرية يستخدمها الإنسان لتحليل المعلومات ومعالجة البيانات وليتبين الأمور وليقارن الإجابات وليختار الأفضل. ومقياس درجة تطور هذا الجهاز ومعيار نجاحه ودقته هو اختيار القرار الأسلم الذي تتوضح نتائجه بعد فترة بناءا على هذا الاختيار.
عندما يعطيك أحدهم معلومة ويهددك بسلب حياتك إن شككت بها، يكون بذلك قد دمر جهاز الشك الذي تعالج به البيانات وتدرس المعلومات، ويكون قد دمر منظومتك الفكرية بأكملها وسحق عقلك وأنهى فيك تلك الحالة الداخلية التي توصلك إلى حياة مستقرة، ووأد فيك موهبة التحدي لجميع العقبات وأنه لا وجود للمستحيل، وأضعف قوة إدراكك النامية، وداس على أحلامك ورمى إبداعك عرض البحر ورسم على شاشة فكرك صورة واحدة وحيدة قاتمة سوداء عن الكون والوجود. ومن فعل ذلك هو الله! منع الإنسان من الشك. لقد شوش الله كل انسجام عقلي، وصدع بنيان العقل. الله نشاز لا ينفك نشازه يؤذي الآذان في كونشرتو الحياة.
………………………….
أين عدل الله وهو يحرقني بنيران جحيمه أمام أعين أمي وأبي بسبب عدم إيماني به؟!.
وأية جنة كاذبة هذه ستكون لأمي وأبي وجميع أحبائي (المؤمنين) وهم يتعذبون برؤيتي أحترق في نيران الجحيم بسبب عدم إيماني بالله؟!
فحتى لو كانوا في الجنة، فهم سيعانون لأن الذين يحبوه يتألم _وأي الم_ ألم لملايين السنين! تخيلوا ولداً يحترق أمام أمه؟!
أو رجل يحترق أمام حبيبته أو زوجته أو أخته أو طفلته! وهم لا يستطيعون أن يمدوا له يد المساعدة! تخيلوا بشاعة المشهد ومدى قسوته! وكيف ستتحقق سعادتهن بذلك المشهد الأبدي؟!
فمهما كان ذلك الإنسان خاطئا، فهو ابن وأخ وحبيب وزوج وأب!
ناهيك إن كان فاضلا وبارا ورقيقا ومحبا ومخلصا لكنه فقط لم يؤمن بوجود الله. أي جريمة اقترفها الله ؟!
………………………..
أين عدل الله عندما لا يملك الله الشهوات بينما يضعها في الإنسان ويجعله يعاني منها ويجعلها مقياسا لدخوله الجنة أو النار؟!
أين عدل الله عندما لا يملك الله الغرائز لكنه يضعها في الإنسان ويحاسبه عليها؟! وينكرها عليه؟!
فالله لا يقاسي لذة الشهوات ولا يعاني نزوة الغرائز، فهو إذا أقل تحملا من الإنسان! الله ليس لديه إحساس الجوع والعطش والجنس ورغبة التملك وغريزة القتل!
إذاً فالإنسان الذي يتحمل الجوع والعطش والعفة والقناعة والرحمة هو أكثر تحملا من الله وأقوى منه وأتقى منه؟!
الله لا يعاني بينما يجعل مخلوقه الإنسان يعاني! أية عدالة هذه؟!
………………………….
وإذا كان الله كلي العدالة كيف يحاسب البشر بنفس السوية؟! كيف يطالبهم بنفس درجة الإيمان إذا لم يعطهم ويوفر لهم ظروف متماثلة؟!
فالله يخلق غنيا وجميلا، ويخلق فقيرا ودميما، يخلق معافى وسليما وكامل الجسد، ويخلق أعرجا ومعاقا ومختلا! ويعطيهم حياة واحدة! ولكنه يطالبهم بنفس القدر من الإيمان! وسيحكم عليهم بنفس المقياس! فالله يزن بموازين مختلفة!
لا يمكن لأحد أن يحكم بنفس النتيجة على تجربتين إذا لم يخضعهما المجرِّب لنفس الشروط والظروف. أين العدالة عندما يخلق الله إنساناً يملك حياة رغيدة ومؤمنة وسيارة فارهة وفيلا جميلة بينما ابن هاييتي لا يملك بيتا يأويه فحسب بل فقد جميع أفراد أسرته في ثواني قليلة؟! فكيف يمكن لذلك الإنسان أن يستمر في حياة طبيعية؟!
إنسان يملك قصرا فارها بينما عشرات الملايين المشرد في الباكستان لا يملكون أدنى ظروف العيش الإنساني! أين عدالة الله؟!
كيف سيخضع جميع الناس بدون تفريق لنفس درجة علامة القبول عند الله؟!
وبأي عدالة يعاقب الله ذلك الإنسان ويحرقه بنار الجحيم إذا فقد ذلك الإنسان الذي فقد جميع أبنائه إيمانه بالله؟! أين العدالة عندما يخلق للبشر حياةً واحدة ولا يوحّد ظروفهم المعيشية والنفسية ويطالبهم بنفس درجة الإيمان به؟!
أين العدالة عندما تبقى المعادلة عند الله موحدة في مسألة دخول الجنة أو النار بدون مراعاة لأحوالهم؟! فتخيلوا اثنان من الناس تقدما لامتحان القبول الجامعي أحدهم درس في المدارس وتدرج في تعليمه ونال اهتمام الأساتذة والأبوين بينما الشخص الآخر لم يرى المدرسة في حياته ولا يعرف القراءة والكتابة ويكون مطلوب من الاثنين أن يتنافسا على المقعد الجامعي!
الله تماما يفعل هذا الشيء فهو لم يوحد أو يوفر للبشر نفس الظروف ونفس درجة التأهيل المطلوبة بينما لا يتنازل عن أسئلته الموحدة التي يفرضها على الجميع ويطالب الجميع الإجابة عليها للحصول على درجة النجاح الدنيا والذي يرسب ليس لديه فرصة أخرى! الذي يرسب يذهب للجحيم الأبدي!
…………………………..
أين عدل الله عندما يعطي حياة لإنسان مثلا عشرين عاما، بينما يعطي لآخر خمسين عاما، ويحاسبهما على أفعالهما ودرجة إيمانهما بنفس السوية؟!
فصاحب الخمسين سنة قد نال فرصة أكبر من صاحب العشرين سنة في الحياة، فقد يكون صاحب الخمسين سنة خاطئا كافرا ملحدا في شبابه لكنه قد يتوب توبة صادقة في مرحلة أخرى من حياته ويصبح مؤمنا بالله فيدخل الجنة وينال الخلاص، حتى لو لم يتب على الأقل نال فرصة غير متكافئة مع ذلك الشاب الطائش الغير المؤمن الذي مات في العشرين؟!
وإذا كان الله يعرف مسبقا أن ابن العشرين سنة لن يتوب إذا لماذا خلقه بالأساس؟! وخاصة أن هناك أناس يصلون إلى سن السبعين وهم لم يؤمنوا ولن يؤمنوا به! والله يعرفهم مسبق بقدراته الإلهية!
…………………………………
أين عدالة الله عندما يعطي حياة لإنسان خمسين عاما بينما سيحاسبه ملايين مليارات السنين؟!
عشرون عاما أو خمسون عاما مقابل مالانهاية في الجحيم!
هل هذا عدل أم ظلم لا يمكن لأحد أن يتخيل مدى قسوته؟!
يموت الإنسان فلا تبقى لديه فرصة ليصحح خطاياه!
إذا أية عدالة هذه التي لا تعطي فرصة لطالب فشل من المرة الأولى!
………………………………
كيف يمكن لإله أن يكون عادلا وهو يدين الإنسان بجريمة أبيه آدم؟!
ويغضب عليه وعلى أولاده؟!
فأية عدالة هذه التي تحاسب الإنسان على جريمة لم يقترفها؟!
فإذا كان جد جد…جدي آدم أحمقا وتحداك يالله بفعلته الغبية فما ذنبي أنا؟! أليس أصل الفتى ما قد حصل لماذا تحاسبني على جريمة لم اقترفها؟!
هل هذه هي عدالتك المطلقة أم أنها رحمتك المطلقة؟!
فأن يقسو على الإنسان ويغضب بسبب ماضي جد جد…جده (آدم) فهذه ليست لاعدالة فحسب بل إنها جريمة يقترفها أحقد الحاقدين وأظلم الظالمين. ثم إلى أين سيذهب آدم؟! للجنة أم للنار؟!
فإذا ذهب للجنة فهذا ظلم ما بعده ظلم لأنه هو من ورطّنا وبسبب طمعه وغبائه وتحديه للخالق فإننا البشر لا نزال إلى اليوم نعاقب ونموت ونتألم وسيذهب مليارات من البشر إلى النار!
وإذا ذهب إلى النار فهذا ظلمٌ أيضا فآدم رغم شناعة فعلته لكنه بالمقابل ندم وهو من أنجب الأنبياء والمرسلين والمتكلمين باسم الله؟!
أليس الله محتاراً في هذا الـ آدم؟!
……………………..
إنسان مات الآن، كم من الوقت عليه أن ينتظر حتى يأتيه يوم الحساب أو يوم القيامة؟! إلى أين سيذهب قبل يوم الحشر العظيم؟! هل سينتظر ملايين السنوات وهي مدة انتهاء الوقود الشمسي؟! أليست هذه الملايين من سنوات الانتظار طويلة ومملة وغير متناسبة بالنسبة لحياة إنسان عاش فقط خمسين سنة؟!
……………………..
كم يكذب الله علينا عندما يقول انه اعدل العادلين بينما يعطينا حق الاختيار!!
إنه في الحقيقة يوقعنا في الكمين، يوقعنا بين يدي صديقه الشيطان!
ففكرة القلق ترتبط ارتباطا وثيقا بفكرة الاختيار فما دام الإنسان قادرا على الاختيار فإنه يستطيع أن يختار الشر!
ذلك الشر المخلوق أساسا من قبل الله عن طريق الغرائز والشهوات واللذات!
ومادام هناك شر بداخلنا مخلوق من قبل الله، فأين عدل الله؟!
هناك إمكانية إغراء وإغواء، وهذه هو المصدر الأول الذي ينتج عنه القلق ويجعل الإنسان يعيش الجحيم قبل بلوغ ذلك الجحيم!
……………………..
يفسر الله للإنسان الكون مقابل إيمان الإنسان بأنه هو الخالق!
وإذا لم يؤمن به الإنسان أو لم يقتنع أو شك بوجوده فسوف يعاقبه الله ويحرق بناره! أي منطق وأي عدالة هذه؟!
ما الغاية من وجود الله؟!
ما الغاية من معرفتي بوجود الله؟!
ما الغاية من وجودي كإنسان؟!
ما الغاية من معرفتي بأن وجودي هو بسبب الله؟!
ما الغاية من شكري لله على هذا الوجود؟!
ما الغاية من صلاتي لله؟!
الله موجود!
وماذا بعد؟!
ماذا يريد؟!
هل يريد أن أعبده صباح مساء؟! هل سيكون سعيدا بذلك؟!
هل يريد أن أشكره ليل نهار؟!
هل يريد أن أكون ممنونا له على وجودي طوال العمر؟!
هل يريد أن أعظم اسمه مئات المرات في اليوم؟!
هل أن أقول له أنه أعدل العادلين وأرحم الراحمين وأحب المحبين؟!
هل تحبني يا الله؟! إذا لا تخلقني! ووفر عليكَ راحة بالكَ وخوفك علي من أن انجرف وأنزلق في مزالق الخطيئة! ووفر علي طقوس شكرك وتمجيدك وتأليهك وتقديسك وعبادتك، ووفر علي التزامات الدين في الحياة الأرضية، والألم والموت والعذاب والجحيم الأبدي في الحياة الأخرى! ألا تتحقق بذلك العدالة يا كلي العدالة؟!
الايميل:
sami198420@hotmail.com