بقلم: سامي ابراهيم
++ نظرية "الله" تجعل الإنسان يحيا على التناقض، هذا التناقض ناشئ عما ينبغي أن يكون من جهة وعما هو كائن من جهة أخرى. عما يريده الإنسان لأن يتحقق وعما هو محقق وموجود.
عن وجود إله خالق للكون كلي الرحمة والعدل والحق والسلام والحب وعما يتمناه الإنسان ويحلم به!
لماذا لا يطبق الله تعاليمه أولا قبل أن يطالب الإنسان بتطبيقها؟!
لماذا يطلب الله من الإنسان أن يسامح أخيه الإنسان عندما يخطأ ذلك الإنسان، بينما الله هو نفسه لا يسامح ذلك الإنسان عندما يخطأ الإنسان بحق الله بل ويعتبرها أشنع الخطايا ومس مباشر لكيان الله؟!
لماذا عندما يتعلق الأمر بالعلاقة بين الله والإنسان فإن الله ينسى تعاليمه ويتحول إلى وحش يبطش ويقتل ويغضب وينتقم؟!
لماذا تكون ردة الفعل الإلهية تجاه خطيئة إنسان ضعيف متألم أو ُأدخل في تجربة وعانى بما لا يستطيع إنسان أن يتحمله قاسية إلى درجة لا يمكن لعقل أن يتصوره لمجرد أنه شكك بعدالة الله أو بمطلقه الإلهي؟!
هل من المعقول عندما لا يعتقد إنسان بوجود الله أن يغضب الله عليه لأقصى الدرجات ويعتبرها أكثر الخطايا بشاعة وتستوجب العذاب الأبدي؟!
أين منطق الله عندما يسامح الإنسان التائب على جريمة قتل أو سرقة أو اغتصاب لكنه لا يستطيع أن يسامحه إذا جدف على اسمه أو تطاول وناقش تعاليمه أو حتى لم يؤمن بالله؟!.
…………….
عندما تتعلم يا الله أن تسامح من أخطأ إليك عندها أطلب من الإنسان أن يسامح الإنسان!
عندما تفتقد للرحمة يالله بخلقك للجحيم الأبدي والعقاب الأبدي عندها تفقد حقك في أن تنادي بتطبيق الرحمة!
عندما تفتقد للحب يا الله وأنت في ثورة غضب عارمة على إنسان وتذهب به إلى الجحيم عندها لا يمكنك أن تنادي بالمحبة بين البشر!
عندما تفتقد للعدل يالله عندها لا يمكنك أن تطالب أحداً بتطبيقه! عندما تقتل أحدا يالله لأي سبب كان عندها تفقد حقك في أن تطالب الإنسان بألا يقتل!.
عندما ُتشن الحروب باسمك يالله فلن يوجد سلام بين البشر طالما أنت موجود!.
……………………
لنقارن بين الفكرتين التاليتين: الإنسان العلماني لا يؤمن بحياة ثانية بعد الموت بل بزوال ونهاية وسكينة والذهاب إلى العدم والفناء. الإنسان المؤمن بالله يؤمن بحياة أبدية أيضاً نهائية ويقضيها في سكينة والفناء في حضرة الله. السؤال الآن: أليس العيش إلى الأبد هو نفسه الموت إلى الأبد؟!
أليست الفكرتان متطابقتين؟!
فتخيل نفسك تعيش إلى الأبد حيث لا موت ولا نهاية! أليس هذا مللا وضجرا يحاكي فكرة الموت إلى الأبد؟!
فأن تعيش للأبد بدون غاية وبدون طريق لها نهايتها فهل لهذه الحياة معنى؟!
أليست هذه الحياة موتاً أيضاً؟!
أليست فناءً؟!
لا معنى للنهار لو لم يكن هناك ظلام، فكم هو ممل أن تعيش في نهار إلى الأبد حيث لا غروب للشمس ولا شعاع فجر يلوح في سديم الشفق. لا معنى للربيع لو لم يكن هناك شتاء وخريف وصيف!
لا معنى للسلام لو لم يكن هناك حرب، لا معنى للقاء لو لم يكن هناك فراق ووداع. الله.. عساه يعرف أن الحياة تستمد قيمتها من الموت.
………………………….
المعتقدات الدينية لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن ُتصحح أو أن ُتقوم أو أن ُتقدم كقانون يصلح للحياة البشرية. والدين أشبه ما يكون سرطان عضال لا يمكن محاربته إلا بالاستئصال. مهما يكن صوت العقل خافتاً فإنه لن يتوقف إن لم يجد من يسمعه، وهذا الإصرار والتصميم من قبل العقل على خلق حياة مثلى بعيدا عن الهذيانات الدينية لا بد في يوم من الأيام أن يحقق غاياته ويصل إلى ما يصبو إليه. العقل يطمح إلى الوصول إلى الإجابة الصحيحة لسؤالٍ ما، مهما كانت هذه الإجابة قاسية وصعبة ومحاربة من قبل القناعات، وهو لن يتوقف في البحث عن الحقيقة يوما. في حين أن الرجل الغارق بهذياناته الدينية يعمل على إثبات شيء يعتقد هو بأنه صحيح وهو بهذا فإنه يعطي لنفسه علامة النجاح! فهو يلعب دور الطالب والأستاذ في آن واحد فيفشل في أن يكون حياديا وهذا أول خطأ يرتكبه إنسان عندما يقوم ببحث معين "الافتقاد للحيادية"، فيقتل مشروع البحث قبل أن يبدأه. المتدين يرى ما يريد أن يراه وليس ما هو موجود. الأوهام الدينية تأمر العقل باستحضار حقائق واهية عن لا موجودات وتجعلها في حيز الموجود! وتجعل الإنسان مؤمنًا بما يرغب بإثباته، فتراه مقتنعًا بصحة ما يظن أنه حقيقي.
………………………
لا تنبع عظمة العقل والتفكير العلمي في أنه لا يحاسب من لا يؤمن به وأنه لن يحكم على من يكفر به نار الجحيم، بل تنبع عظمته من أنه يقدم حقائق علمية تتغير وتتبدل، وهذا التغيير والتبدل هو الناموس الذي يطور البشرية ويرفهها ويجعلها تنتصر لإنسانيتها ويقدم المنجزات والاختراعات للبشر. وعظمة العقل والتفكير العلمي لا تتوقف عند هذا الحد، بل تتعداها لتصل إلى نتيجة مفادها أن كل مذهب عقلي لم يتم إثبات صحته وكل حقيقة علمية أثبت مع تقدم الزمن عدم مصداقيتها فإن العقل سينبذ ذلك المذهب وسيقصي تلك الحقائق الضعيفة الإثبات. وهذا بالذات ما يجعل الدين ضعيفا أمام العقل. فالدين يعجز عن التطور وهو غير قابل للتغيير والتبدل وأكاذيبه لا تتغير أبدًا مهما قدم العقل من أدلة تثبت زيف الدين ومهما قدم من براهين تثبت خطأ الأوهام الدينية. فالدين يقدم لك موضوعًا معينًا منذ مئات السنين لم يتغير و لن يتغير. العقل وما يقدمه من حقائق علمية لا يدعي أنه يقدم إجابات على كل الأسئلة التي تدور في عقول البشر. لكن الدين يدعي ملكيته للإجابات على كل الأسئلة!.
………………..
إذا لم يكن للإنسان وجود فهل سيكون لله وجود؟!
هنا يتجلى ضعف النظرية الإلهية في نقطتين: نقطة الضعف الأولى: أن الله موجود قبل الإنسان ولكن الكون وعظمته وما يحويه من مجرات وكواكب ونباتات وحيوانات لن تدرك الله ولن تسجد ولن تعبد له لأنها لا تدرك ذاتها بسبب عدم امتلاكها للعقل، فالله كان بحاجة لأن يخلق شيئاً مدركاً لذاته ولذات الله في نفس الوقت فخلق هذا الكائن المسمى "إنسانا" لكي يصبح الله "إلهاً"!
إذاً هنا الله كان بحاجة للإنسان ليحقق وجوده!
إذاً وجود الله اعتمد على وجود الإنسان وهنا خسر الله صفته الأساسية ألا وهي الوجود!
أي لن يكون لله وجود لولا وجود الإنسان!
نقطة الضعف الثانية: أن الله بفعله هذا "عملية خلق الإنسان" قد ُأزيلت عنه صفة الكمال! فالله يأخذ صفة الكمال بوجود الإنسان الذي يؤله هذا الله. وعدم وجود الإنسان سيكون هناك نقص في الكمال الإلهي. إذاً الله دون وجود الإنسان أيضا يخسر صفة أساسية من صفاته الإلهية ألا وهي الكمال!
…………………..
لكن مشكلة الرجل المتدين ليست في الوجود الإلهي أو الكمال الإلهي، بل إن ما يؤرق الإنسان وما يجعل الرجل المتدين يصل لمستويات نفسية وعقلية تصل إلى الحضيض هي إدراكه أنه موجود ولاموجود في آن واحد!!
له كيان من جهة ومسحوق ممحوق من جهة أخرى. هو موجود وله كيان عندما يدرك تأثيره على الآخرين من خلال علاقاته وتصرفاته التي تترك أثرا وتتفاعل مع البشر الآخرين، وهو منسحق لاموجود عندما يدرك عدم تأثير ذاته على موجود ثابت يدعوه الله وينسب لهذا الموجود كل العظمة والفضائل، فيشعر أنه لا يساوي شيئاً عند انضمامه لهذا الموجود فلا قيمة لعلاقاته ولا تفاعل مع هذا الموجود الثابت. فيعيش في صراع مع الموجود واللاموجود دون أن يقوى على تحقيق أية وحدة بينهما وأي وفاق.
كيف يمكن أن نحصل على إنسان سوي من الناحية العقلية والنفسية وهو يؤله العدم ويقدس اللاموجود؟!
كيف يمكن أن تطفأ نار صراع التناقض في عقل إنسان يعيش بين المتناهي (وجوده الإنساني) واللامتناهي (الله)؟!
وكيف سنحصل على إنسان سوي نفسياً وعقلياً وهو يعاني الصراع الأليم بين ماهو جوهري وغير جوهري؟!.
المتدين يقع بين النقيضين: الوجود واللاوجود. والمعتقد الديني وضع الله في منزلة لا يمكن لأحد أن يصل إليها بينما بقي الإنسان عبداً لا يملك سوى الطاعة لاسترضاء سيده!
فالإنسان بالنسبة لله هو مجرد كائن متناهي في الصغر وناقص وعاجز وقاصر أمام الكامل والثابت الموجود على مدار الأيام منذ الأزل وإلى الأبد.
…………………………..
تشعر أن مهمة الله الأساسية هي تذكيره بضعف الإنسان والتدليل على عيوبه وعدم كماله، وربط حياة الإنسان بالألم والعجز والضعف والوهن، والله بالمقابل عندما يقوم بهذه المهمة فإنه لا يعطي للإنسان طريقة تجعله يتخلص من ضعفه وعيوبه، وعندما يحاول إنسان ما أن يتجرأ ويناقش نقاط ضعف الإنسان وسبل كماله ترى الله لا ينفك يسخر من هذا الإنسان ويستهزئ بما توصل إليه عقله ليعيده إلى قيوده الفولاذية "المعتقدات الدينية" تلك القيود التي كبلت البشر وشلت تفكيرهم مئات السنين واستولت على عقولهم، وأقنعتهم أنهم بأمان طالما لا يفكرون وطالما لا يتمردون!
ولو حقق ذلك الأمان الواهي غايته في خلق سعادة واطمئنان للبشر لقلنا لا تهم الحقيقة طالما تحققت سعادة البشر ولقلنا أن "الحقيقي واللاحقيقي هما أمران متشابهان متطابقان والمهم هو ما يعتقده الإنسان أنه حقيقي"، ولكن البشر ظلوا خائفين مترددين، فحالما يتعرضون لأزمة أو صدمة فجائية أو ظرف غير منتظر فإن هذا يحدث لديهم اختلال في التوازن، ويفشل ذلك الأمان في إعادة التوازن لأنسجتهم، ويصبحون عرضة للقلق وميدانا للأمراض يجعلهم يستسلمون لتأثير الصدمات التي يتعرضون لها فيقفوا مكتوفي الأيدي في انتظار مصيرهم المظلم.
……………………………
الدين ليس طريقة حياةٍ وليس أسلوب عيشٍ، بل هو تعبير عن بطلان الحياة وخلوها من كل معنى وكل ماهية. الدين فشل في أن يجعل الحب جامعاً للبشر، بل جعل الخوف هو ما يحكم العلاقات البشرية، فلم يستطع أن يقرب الناس، بل على العكس، فرقهم وشتتهم إلى مذاهب وطوائف وقوقعهم في معسكرات. والعلم بالمقابل قدم طريقة حياة وأسلوب عيش جدير بالإنسان عن طريق رفع النشاط الإنساني إلى منزلة عالية، بحيث جعل العقل هو القوة المحركة الأساسية الروحية _وليس الله_ تلك القوة القادرة على إنقاذ الإنسان وتحقيق السعادة الحقة له.
الايميل: sami198420@hotmail.com