الرئيسية / مقالات آشورية / أسئلة إلى الله (1).. الخلق

أسئلة إلى الله (1).. الخلق

بقلم: سامي ابراهيم

++ من بين جميع النظريات التي تتحدث عن الخلق وأصل الأشياء فإن نظرية "الله" أو النظرية الإلهية أو النظرية الدينية التي تطرح فكرة وجود الله هي النظرية ذات الأدلة الأقل متانة وصاحبة البراهين الأكثر وهيا وأضعفها إقناعا وأكثرها أخطاءً، فهي نظرية تفسر لنا ألغاز الكون وأسراره معتمدة على عقول أسلافنا البدائيين الذين كانوا يعيشون في الخرافة والجهل مكونين فهما خاطئا عن ظواهر الطبيعة وحوادثها.

وعندما لا يسمح لك معتنقوا هذه النظرية أن تطرح مسألة صدقها وصحتها معتبرينها من المحرمات فإن هذا التحريم يؤكد على شيء واحد أكيد وهو: الأساس الركيك والواهن الذي يقوم عليه الاعتقاد الديني. نظرية الله تقدم لنا من جهة السمو والجلال في صورة الله ومن جهة أخرى تقدم النقيض ألا وهو الضعف والعجز والخنوع في صورة الإنسان.

نظرية الله تقدم لنا "الوجود" متجسدا في الله وتقدم لنا "العدم" متجسدا في الإنسان، مع أن الوجود يتمثل في الإنسان باعتباره كائنا مرئيا محسوسا ويشغل حيزا من الفراغ، بينما العدم يتمثل في الله باعتباره كائنا ميتافيزيقا غير مدرك بالعقل! نظرية الله تقيد الحرية وتضع العبودية حلا مثاليا أمام الإنسان ولا تنسب إلى الموجود البشري إلا وعي بالصغر والمحدودية، ولكنها في الوقت نفسه تصور لنا الله بصورة الموجود المتعالي الذي هو وراء كل شيء.

يقولون أن الله من محبته العظيمة اللامتناهية للبشر قد أرسل الأنبياء والمرسلين لينقذهم من خطيئة أبيهم الأصلية! فإذا كان يحب البشر لهذا الحد لماذا أدخلهم بالأساس في الخطيئة ولماذا أوقعهم فيها!
– ألم يكن الأجدر به أن يسامحهم وهم عنده في الفردوس عندها كان سيوفر الوقت والجهد! ثم ماذا كان يفعل الشيطان في الفردوس؟! لماذا وضعه الله إلى جانب الإنسان وهو العالم ببواطن الأمور!
– ألم يكن يعرف نوايا الشرير أو طريقة تفكيره؟! أليس الله عارفاً بالغيب؟!
– ألم يكن يعرف أنه بخلقه للشجرة المحرمة ووضعها أمام أعين الإنسان وتنبيهه ألا يأكل من ثمرها وجعلها في متناول ذلك المخلوق الفضولي قد أرتكب هو الخطيئة الأولى قبل أن يرتكبها الإنسان؟! فهل تفاجئ الله من فعلة ادم؟! ثم إذا كان الله يسمع كل شيء، ألم يسمع وسوسة الشيطان لحواء وهو يغريها بأكل الثمرة! وخاصة أن الجميع موجودون في حضرته في الفردوس المقدس وليسوا بعيدين؟!
– ألم يعرف الله عندما خلق آدم منذ البداية أن هذا الآدم سوف يعصي مشيئته؟!
– ألم يعرف الله أنه سيعاقب آدم وسلالته بشتى أصناف العذاب والغضب الإلهي العظيم؟!

إن ما حدث مع الله عندما تناول آدم من الشجرة المحرمة هو تماما ما يحدث لإنسان اكتشف في يوم من الأيام خيانة صديقه المقرب! بالتأكيد ستكون ردة فعل ذلك الإنسان مليئة بالصدمة والغضب، وقد سميت خيانة لأنها عملية لا يمكن لأحد أن يتوقعها من صديق العمر، فعملية الخيانة تحدث من أقرب الناس وليس من قبل الأعداء، فالأعداء جميع تصرفاتهم متوقعة ومدروسة إمكانياتهم وقوتهم.

إذاً الله شعر بالخيانة! الله لم يكن يتوقع هذا التصرف من قبل آدم! الله مع أنه العليم لم يستطع أن يكتشف أن الشيطان قد أقنع حواء التي بدورها أقنعت آدم بأكل الثمرة! كل هذه الأمور حدثت والله لا يدري ما يجري من حوله! والدليل على عدم معرفة الله لما كان يجري هو الحكم على الإنسان بالشقاء والعذاب و بالموت والمعروف أن حكم الخيانة هو الموت؟! إذا من رد فعل الله وغضبه وحكمه بالموت على الإنسان نستنتج أن الله لم يكن يتوقع هذه الخطيئة من عبده ادم.

وحده الذي يخدع نفسه ويكذب على ذاته يعتقد أن هذه القصة رمزية، وحده الخائف الذي يهرب من سلطة العقل ومنطق التفكير يعتقد بأن هذه القصة رمزية لأنه يخاف من انهيار القناعات لديه. فإما ان تؤمن بها بحرفيتها اولا تؤمن، لا مجال للمساومة. إذا كان الله يتوقع هذه الخطيئة لماذا حاسب الإنسان وعاقبه على فعلة كان الله هو من خلقها وهو مسببها الأول؟! هل اهتز كبرياء الله؟! هل جرحت كرامته؟!

لماذا استمر يرسل أنبيائه؟! فهو عندما أرسل نبيه الأول ألم يكن يعرف أنه سيفشل؟! ألا يعرف بالغيب؟! ألم يكن يعرف مسبقا أنه لن ينجح في رسالته؟! ولماذا توقف بعدها عن إرسال الأنبياء؟! هل بدأ يشعر بالملل؟! ثم إذا كان كل نبي أو مرسل قد جاء بفكرة عن الله مختلفة كليا عن الفكرة التي سبقت النبي الذي قبله! مع اعتراف الجميع أن أولائك الأنبياء والمرسلين هم من عند الله إذا أين هي القوة الإلهية في جعل الأمور تأخذ منحاها الصحيح وأين دور الله في توحيد كلمته ورسالته الإلهية المقدسة؟! إن نظرية الله التي تطرح نفسها على أنها معتقدات ليست خلاصة التجربة أو النتيجة النهائية للتأمل والتفكير وإنما هي توهمات، ناتجة عن الخوف والقلق الإنساني من المجهول ومن المستقبل ومن الموت، ناتجة عن الرغبة في إطالة الحياة التي هي غاية الإنسان منذ الأزل. النظرية الإلهية في الخلق هي أفكار هاذية ساذجة سطحية.

صحيح أن هناك أسئلة كثيرة لا يزال العلم عاجزا عن حلها لكن العلم هو الطريق الوحيد الذي يؤدي بنا إلى معرفة العالم الخارجي. وصحيح أيضاً أن العلم يقف عاجزا وحائرا أمام ظواهر يصعب تفسيرها لكن لا يظنن الرجل المتدين والغارق في أوهامه الدينية أنه على الطريق الصحيح أو انه أستطاع أن يفسر أسئلة الكون وألغازه ومعضلاته بسذاجة وسخف وجهل وبؤس الأجيال البدائية الفاقدة لمنطق الأشياء والتي سلمته الموروث الدين جيلا بعد جيل. والحقيقة هي أن العلم في تطور مستمر ففي كل يوم يحقق فيه تقدما واكتشافا جديدا فإن الدين ونظرية الله تخسر معركتها وتتضعضع أركانها وهي في تقهقر مستمر أمام قوة العقل والمنطق العلمي. وهي غير قابلة للتطور وتضعف مقاومتها يوما بعد يوم لتثبت فشلها وزيفها وجهلها بمنطق الحياة. الوعي الديني هو وعي متغير لا يكف عن الشعور بنقصه وضعفه وتناقضه.

الدين هو أشبه بالثوب الذي لا يمكن تغييره فقد أصبح رثا بالياً، أما العلمانية فهي الطريق الأصلح للشعوب التي تريد أن تسير في ركب الحضارة والتطور. العلمانية لا تدعي الكمال لكنها تسعى إليه أما الدين فيدعيه ولكن هذا الكمال يتوضح زيفه وتتهاوى أركانه جيلا بعد جيل ويزاح عن عرشه المبني على خوف الإنسان وجهله وعذابه.

الايميل: sami198420@hotmail.com

– 31 آب 2010م 6760 آ        

شاهد أيضاً

الأكيتو بين خيال الأسطورة وتجليات الواقع

الأكيتو بين خيال الأسطورة وتجليات الواقع بقلم الأستاذ سعيد لحدو لم تأتِ احتفالات رأس السنة …