شهدت أوساط شعبنا الكلداني السرياني الآشوري مطلع القرن الماضي، حراكا نشطا وغنيا في مختلف المجالات الثقافية والاجتماعية والسياسية، وشمل مختلف مناطق تواجده، لاسيما في الجزيرة السورية. وتوج في الخامس عشر من تموز عام 1957 بتأسيس المنظمة الآثورية الديمقراطية كأول تنظيم سياسي في صفوف شعبنا، وذلك في مدينة القامشلي، وعلى أيدي نخبة من الشباب المتنور، ممَن تأثروا بمعاناة شعبهم ، وتمثلوا أفكار وتعاليم رواد النهضة القومية ، إذ أدركوا بحسهم العالي، أن الحفاظ على الهوية القومية لشعبنا وبلوغ حقوقه القومية في الوطن، وإزالة الغبن والحرمان والتهميش الذي لحق به، لا يمكن أن يتحقق إلا بالعمل السياسي المنظم، وإتباع وسائل وآليات عصرية تعتمد العمل الديمقراطي السلمي والعلني، والانفتاح والتفاعل مع الشعب السوري بمختلف أطيافه السياسية والقومية، من أجل وضع قضية التنوع القومي في إطارها الوطني الديمقراطي الصحيح بعيدا عن أية توظيفات قد تضر بوحدة البلاد وسيادتها. وبالرغم من القيود والشروط الصعبة التي فرضها الاستبداد منذ أيام الوحدة مع مصر، فإن طموحات وتطلعات وتضحيات الآثوريين لم تتراجع، بل استمروا في حمل أعباء العمل القومي والوطني، والمطالبة بضرورة الاعتراف الدستوري بالوجود القومي لشعبنا كشعب أصيل، باعتباره ضمانة وطنية لاستمرار وتعزيز حضوره القومي والوطني والذي لم ينقطع منذ أقدم العصور في سوريا وبلاد الرافدين بالرغم من المحن والنكبات التي تعرض لها.ولم يكفوا أيضا عن التعاون مع كافة القوى الوطنية من أجل بناء دولة القانون والمؤسسات القائمة على أسس الشراكة الكاملة والمواطنة الحقة.
لقد تراجعت فرص إحلال السلام في المنطقة، وتصاعدت نبرة التهديد والتلويح بالحروب، بفعل استمرار الحكومة الإسرائيلية في محاصرة الشعب الفلسطيني، ورفع وتيرة اعتداءاتها عليه وعلى ناشطي السلام، وإمعانها في تحدي إرادة المجتمع الدولي. وكذلك بفعل تعثر المسار السلمي لمسألة البرنامج النووي الإيراني، ونتيجة لذلك سادت أجواء من التوتر في عموم المنطقة. وبالرغم من نجاح سوريا في انتهاج سياسة خارجية عقلانية ومتوازنة، عززت من خلالها مكانتها ودورها الإقليمي. غير أن المواطن السوري يأمل أن ينعكس هذا على الصعيد الداخلي أيضا. حيث أن تحديات المرحلة الراهنة بصعوباتها وأزماتها ومخاطرها. تستدعي من الحكومة التفاتة جادة لمعالجة المشاكل الداخلية المؤجلة على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما يؤمن ترسيخ الاستقرار وتعزيز اللحمة الوطنية، وتحصين الأوضاع الداخلية. ولتحقيق ذلك ينبغي على السلطة أن تبادر إلى الانفتاح على المجتمع وقواه السياسية الوطنية والديمقراطية، والبدء بحوار صريح ومسؤول معها يفضي إلى توافق وطني شامل حول اتجاهات وأولويات الإصلاح التي تحتاجها البلاد، على أن يسبق ذلك اتخاذ خطوات ضرورية وملحة كفيلة بتحسين المناخات السائدة وتوفير أسباب النجاح والتقدم ويأتي في مقدمتها، إطلاق الحريات العامة، وتوسيع نطاق المشاركة السياسية عبر سن قوانين أحزاب وانتخاب عصرية، والإفراج عن معتقلي إعلان دمشق الذين نفذوا أحكامهم وعن كافة معتقلي الرأي وطي ملف الاعتقال السياسي نهائيا، وتقييد العمل بقانون الطوارئ وإلغاء القوانين الاستثنائية، وتعزيز التوجهات العلمانية الديمقراطية وبما يضمن حل مسألة التعدد القومي حلا وطنيا ديمقراطيا عادلا، وزيادة الاهتمام بحل القضايا الاجتماعية عبر تنفيذ الخطط التنموية والحد من معدلات البطالة في صفوف الشباب ومحاربة الفساد والهدر في مؤسسات الدولة، بحيث يقود ذلك إلى تحسين الأوضاع المعاشية للمواطنين والارتقاء بها وخاصة في الجزيرة التي يعاني أبناؤها من الإهمال والفقر والحرمان وغياب فرص العمل.
في العراق استمرت المعاناة، مع تكرار الاعتداءات الإرهابية ضد أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري والمسيحيين عموما، واضطر معها أعداد كبيرة من أبناء شعبنا إلى مغادرة وطنهم واللجوء إلى دول الجوار كمحطة على طريق الهجرة والإقامة الدائمة في دول الغرب. يجري ذلك في ظل عجز الحكومة العراقية عن توفير أسباب الحماية لهم، وغياب المساعي الجدية من قبلها لكشف القتلة ومحاسبتهم، واستمرار ذلك ينذر بلا شك باختفاء الوجود المسيحي ومعه سائر الأقليات، والقضاء على مصادر التنوع في المجتمع العراقي وتحويله إلى قفر حضاري. وزاد الأمور تفاقما، الفراغ السياسي الناجم عن فشل التيارات والكتل الرئيسية في تشكيل حكومة وطنية قادرة على رد هجمات الإرهاب وفرض القانون، واستعادة السيادة الوطنية من قوات الاحتلال، ما أفرغ العملية الديمقراطية من محتواها. وإننا إذ ندعو النخب العراقية إلى التخلي عن ذهنية الاستئثار والمحاصصة، والإسراع في تشكيل حكومة وحدة وطنية توفر أسباب الاستقرار والنمو والازدهار للشعب العراقي، فإننا نهيب بقوى ومؤسسات شعبنا إلى بذل المزيد من الجهود من أجل رفع سوية العمل المشترك لدرء المخاطر التي يتعرض لها شعبنا ورفع مستوى التعاون والتنسيق فيما بينها، والمبادرة إلى تشكيل كتلة برلمانية موحدة لتثبيت حقوقنا القومية دستوريا وفي مقدمتها الحق في الحكم الذاتي.
أما في تركيا فقد نجحت الجهود التي بذلتها قوى ومؤسسات شعبنا في المهجر وفي طليعتها المنظمة الآثورية الديمقراطية في تحقيق اختراقات هامة على صعيد اعتراف الدول بجريمة الإبادة الجماعية التي اقترفها الاتحاديين الأتراك بحق شعبنا مع الشعب الأرمني أثناء الحرب العالمية الأولى، والتي مثلت إحدى أكبر المآسي التي تعرض لها شعبنا عبر تاريخه. وآخر الاختراقات تمثل باعتراف البرلمان السويدي بهذه الجريمة. وأتاح ذلك الفرصة لبذل المزيد من الجهود لدى المجتمع الدولي والحكومات لحث تركيا الطامحة للعب أدوار إقليمية ودولية متقدمة على الاعتراف بهذه الجريمة والتصالح مع ماضيها وشعوبها وطي هذه الصفحة السوداء والأليمة من تاريخها.
وبمناسبة الذكرى الثالثة والخمسين لتأسيس المنظمة الآثورية الديمقراطية فإننا نتوجه بالتهاني الحارة إلى أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري ورفاقنا وأبناء وطننا، ونعاهدهم جميعا على العمل معا والمضي في درب النضال من أجل تحقيق كافة تطلعاتنا القومية والوطنية.
تحية إلى جيل التأسيس والأجيال الشابة التي عملت وتعمل في صفوف المنظمة وإلى كل العاملين في الحقل القومي من أجل الارتقاء بقضيتنا القومية والوطنية.. والخلود لشهدائنا الأبرار..
سوريا 10/7/2010
المنظمة الآثورية الديمقراطية
المكتب السياسي