بقلم: سامي ابراهيم
++ عندما يفقد إنسان حياته لأنه من دين مختلف أو لون مختلف أو عرق مختلف، فإنه لا يوجد بشاعة على وجه الأرض تحاكي هكذا بشاعة، وعندما يقتل إنسان أخيه الإنسان لمجرد أنه يخالفه فكره فإنه لا يكون قد تجرد من صفته الإنسانية فحسب بل أصبح وحشا مصنفا في فصيلة جديدة لا تنتمي لأي فصيلة وحوش نعرفها لأنه حتى الوحوش لا تقتل في فصيلتها.
إن عمليات القتل والتطهير الديني وعمليات التهجير المنظمة ضد أبناء شعبنا الكلداني الآشوري السرياني في العراق والتي تتحمل مسؤوليتها جميع القوى السياسية الكبرى في العراق ومن ضمنها الجماعات الأصولية المتطرفة التي تنفذ هذه العمليات، ليس انتهاكاً لحقوق شريحة عراقية أصيلة وذات جذور ضاربة بتاريخ بلاد ما بين النهرين فحسب، بل هو تعدي وانتهاك على تاريخ وتراث الإنسانية جمعاء، هو تعدي على الحضارة البشرية، هو تعدي على أول حضارة، هو تعدي على أول ثقافة، هو تعدي على أول أبجدية وأول لغة مكتوبة منذ فجر التاريخ، وهو تعدي على أول طائفة مسيحية في الكون.
إن ما يتعرض له المسيحيون في العراق من قتل واضطهاد وتفجير لكنائسهم هو حلقة من مسلسل يبدو أنه لن تنتهي حلقاته في الغد القريب، هو حلقة من مسلسل الألم والعذاب والقهر والاضطهاد الذي يصيب هذا الشعب.
لا يستطيع أحد أن يقرأ قصة بقاء الشعب الآشوري الكلداني السرياني دون أن ينتابه الذهول، ودون أن يتوقف عن التفكير المنطقي، ويضرب جميع النظريات والأسس الأكاديمية عرض الحائط.
لا يوجد ولم يوجد على وجه الأرض، شعب، تعرض للأهوال والكوارث والنكبات والمجازر والإبادات والتصفيات العرقية والإثنية والدينية، على مر الأزمان والعصور ما تعرض له الشعب الآشوري السرياني الكلداني، إنه شعب أحب الحياة، وتحدى الأقدار.
لقد تجددت في الأسابيع الأخيرة أعمال العنف والإرهاب ضد المسيحيين في الموصل في استعادة لحملة التطهير القومي والديني، التي أدت إلى النزوح الكبير. فأُجبر الطلاب على الانقطاع عن جامعاتهم ومدارسهم، وامتنع أصحاب المهن والتجار عن فتح محلاتهم ومتاجرهم خوفاً على حياتهم، واضطرت المئات من الأسر إلى مغادرة الموصل بحثاً عن الأمن والأمان في قرى وبلدات سهل نينوى، أو في إقليم كردستان العراق أو في دول الجوار.
ويخطئ من يعتقد أن أحداث الموصل مسألة طائفية تندرج ضمن مسلسل الصراعات الطائفية الجارية على أرض العراق. فللوهلة الأولى فإن هذه الأحدث تأخذ طابع طائفي من ناحية الوسائل المستخدمة على يد أطراف أصولية تكفيرية مسلحة ومعروفة بالعنف وبنزعة رفض التعددية ولإقصاء الآخر والاختلاف، لكن الحقيقة فإن عملية التهجير هذه لا يمكن فصلها عن مجريات التطورات السياسية ولاسيما صراع المصالح والنفوذ، المحتدم حالياً بين مختلف أطياف ومكونات المجتمع العراقي.
فالحكومة القائمة قبل الانتخابات لن تقوم بأي إجراء قمعي ضد الجماعات التكفيرية لأنه لا تريد أن تغامر بأصوات من يناصر هذه الجماعات فكريا، وبالمثل فإن القوى الكبيرة والمنافسة للحكومة لن تطرح أي برنامج سياسي من شأنه أن يقضي على هذه الجماعات ويحاربها، لأنها أيضا لا تريد أن تخسر أصوات من يؤيدهم، والنتيجة هي التضحية بالفئة الأضعف، أي التضحية بالفئة التي لن تؤثر بشكل كبير على مسار الانتخابات، والفئة الأضعف هي مسيحيو العراق. من هنا نرى تواصل عمليات القتل والتهجير والاضطهاد لمسيحيي العراق.
لذلك فإنه يتوجب على كافة الأحزاب والمنظمات ، والأحرار والمدافعين عن حقوق الإنسان أن ينظموا حملة تضامنية واسعة لمنع وإيقاف اغتيال وتهجير مسيحيي العراق والوقوف بوجه هؤلاء الممعنين في الحقد، والسائرين في درب الإرهاب والظلم، هؤلاء الذين يسرقون ضحكة الأطفال، هؤلاء الذين يجدون انتصارهم في قتل إنسان اعزل ينتظره أطفاله ليحضنوه، هؤلاء الذين يبتهجون معتقدين أنهم سيدخلون الجنة عندما يقتلون إنسانا تنتظره زوجة اختارته ليكون رفيق دربها في هذه الحياة.
ما أقبحهم وما أبشعهم هؤلاء الذين يملأ السرور قلبهم عندما يقتلون إنسانا ويرمونه أمام منزله لينتشوا بصراخ أمه وليفرحوا ببكاء أبيه، ما أمقتهم هؤلاء الذين يسلبون حياة إنسان ليتغنوا برنة الانتصار في نحيب أخيه وعويل أخته .
بئسا لكم يا أشباح الموت، يا ايها الكارهين للحياة، يا أيها الحاقدين على الحب، بئسا لكم.
الايميل:
sami198420@hotmail.com