دمشق(سوريا)- اعلان دمشق++ عرفت منطقتنا في المراحل الأخيرة إلى جانب حروب التحرير وحروب التطهير حروباً جديدة ، تستهدف الأقليات الدينية ، يصفونها بحروب التهجير خصوصاً في المناطق الساخنة ، والعراق مثال كي لا نتطرق إلى ما يعانيه أقباط مصر أو الدارفوريين وغيرهم على هامش الحروب المتنوعة التي شهدتها وتشهدها المنطقة . وعلى الرغم من خفوت حدة العنف في العراق ، إلا أن هذا العنف عانى انحرافاً واتخذ بعداً مأساوياً تجاه الأقليات من صابئة وشبك ويزيد ، وبدرجة أشد بحق مسيحيي محافظة نينوى من كلدان وسريان وآثوريين ، الذين يعكس وجودهم حالة تاريخية هامة لسكان المنطقة الأصليين.
يتعرض مسيحيو نينوى إلى أشكال متنوعة من الاضطهاد والعنف من هدم لأديرتهم وكنائسهم وقتل لرجال الدين فيهم ، وكذلك التعرض لطلابهم القاصدين جامعات الموصل طلباً للعلم ، من قبل مجموعات العنف الأصولي وفي مقدمتها إرهابيو ما يسمى " دولة العراق الإسلامية " . جرى كل ذلك على مسمع ومرأى الحكومة العراقية وقواها الأمنية التي لم تحرك ساكناً ، ولم تلاحق قضية أو شكوى ، ولم تلق القبض على مشتبه بهم ، وكأن الأمر لا يعنيها ، أو أنه بات مطلوباً دفع أبناء هذه الأقليات إلى الهجرة القسرية باستخدام العنف العاري.
أولم يكف دعاة التهجير موجة النزوح الكبير عام 2008 التي طاولت أبناء تلك الأقليات ؟ ! هل يريدون أن يفقد العراق لوناً جميلاً وأصيلاً من مكوناته ؟ ! وهل حكومة العراق غافلة فعلاً عما سيتركه هذا العنف الموجه من أخطار على السلم الأهلي وعلى مستقبل العراق إذا تجذرت فيه ثقافة العنف والتطهير والتهجير ؟ ! وأي مستقبل هذا الذي يحضرونه لأجيال العراق القادمة ؟ !
إننا في إعلان دمشق كحركة سياسية ديمقراطية ، تعمل من أجل التغيير الوطني الديمقراطي السلمي في سورية ، نعبر عن حساسية عالية تجاه كل ما يهدد السلم الأهلي في سورية أو غيرها. والعراق بلد شقيق وجار مهم لسورية ، تربطه بها روابط شتى أهمها روابط التاريخ والجغرافية ووحدة الفضاء الثقافي .
إننا ننظر إلى التنوع القومي والثقافي والديني على أنه نعمة تغني حاضرنا ومستقبلنا ، ونحرص عليه حرصنا على المستقبل الديمقراطي والإنساني الذي نريده لنا ولكل أبناء المنطقة . ونرى أن تغييب روح المواطنة والتسامح والدفع نحو ثقافة العنف والإقصاء توجه تغذيه وتحرص عليه قوى وتشكيلات عديدة في المنطقة وخارجها .
أولها قوى الاستبداد السياسي ممثلاً بأنظمة المنطقة على تنوعها ، التي حكمت مجتمعاتها بقوة العنف والاضطهاد وقوانين الطوارىء المؤبدة . فقلصت الحقل السياسي والحيز العام ، وأفقرت الناس بفسادها ، ودفعت بهم إلى حيزاتهم المجتمعية الضيقة " القبيلة والطائفة والعائلة " بعيداً عن فضاء الدولة من حيث هو التعبير الراقي عن ماهية الوجود الاجتماعي ودرجة تطوره . فكلما كانت الدولة دولة حق وقانون ومواطنة كانت أكثر استقراراً وانفتاحاً ، على عكس ما يروج له الاستبداد . إن غياب الحرية أو تغييبها يزرع العنف ويجعله وسيلة وحيدة لحسم الصراعات والاختلافات في أي مجتمع ، سرعان ما ينفجر كلما اعترى الاستبداد ضعفاً.
وثانيها صراع الأصوليات التي انتعشت وطفت على السطح . تأتي في مقدمتها الأصولية اليهودية التي تؤجج العنف والصراعات ليس ضد الفلسطينيين فقط ، بل بتعويم العنف ومنطقه في عموم المنطقة . ثم الأصوليات الإسلامية التي تمددت إلى كل الأمكنة في سياق محاولتها التحكم بمستقبل المنطقة . وخطرها على أبناء المنطقة ومستقبلهم أشد وطأة منه على من تدعي محاربتهم . كذلك الأصولية المسيحية في الغرب التي تنشر مناخات العنف مستفيدة من إمكاناتها الهائلة في الإعلام والسلاح والمال ، وتوظفه في خلق الحروب وإدامتها.
إن التنوع القومي والديني والثقافي وهو واقع تاريخي مستمر وحاجة لنا ، طالما فاخرنا بها الآخرين كنموذج على التعايش والتسامح الذي مهر تاريخنا الطويل ، وجوهرة ترصع هوياتنا المركبة ، سيكون مكلفاً لنا التفريط بها ، عبر السكوت عما يخطط له ويمارسه المتطرفون ومن يغطي عليهم في الداخل والخارج . إن إدانة ومواجهة العنف الذي يتعرض له أبناؤنا من الأقليات الدينية الأخرى على يد الإرهاب واجب لا يتقدم عليه واجب . لأن فيه الإجابة الواضحة على مدى أهليتنا كمجتمعات لها الإرادة والقدرة على وقف التدهور الذي تعانيه ، وشق الطريق نحو مستقبل أكثر إشراقاً وديمقراطية.
– دمشق 11 أذار 2010
إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي
الأمانة العامة