بيث زالين(سوريا)- مطاكستا++ هل هناك ثمة مستقبل للوجود المسيحي في الشرق؟ سؤال بات يتردد بقوة وبصوت مسموع مترافقاً بألم كبير في أوساط الكثير من النخب المسيحية، وحتى بين الناس العاديين من مختلف الانتماءات القومية، والسياسية.
وانتقل صداه ليشمل بعض النخب الوطنية، لاسيما تلك المهتمة بقضايا التنوع والديمقراطية وحقوق الإنسان، وإن كان هذا يحمل بعض العزاء لضحايا الإرهاب والتعصب من المسيحيين، لكنه بالتأكيد غير قادر على توفير الأمن والحماية لهم في وطنهم، أو في تبديد قلقهم ومخاوفهم التي لا تنحصر بحيز جغرافي معين، بل تمتد لتغطي كامل مساحة دول المشرق، بدءاً من مصر، وما يتعرض له الأقباط من قتل وتمييز وانتقاص لمواطنتهم، مروراً بفلسطين حيث دفع المسيحيون أكلافاً باهظة جراء الاحتلال الإسرائيلي، وصراع الأصوليتين اليهودية والإسلامية. وانتهاءً بالعراق حيث جرت وتجري عمليات تطهير منظمة، تستهدف الوجود القومي والديني للشعب الكلداني السرياني الآشوري، ولكافة مسيحيي العراق وأقلياته، تنفذها جماعات الإرهاب والتكفير الظلامي، وقوى التعصب القومي.
وقد انطلقت هذه الحملة في أعقاب الاحتلال الأميركي للعراق، وظهرت بدايتها في مدينة البصرة مع تصاعد المدّ الديني، ونتج عن ذلك تعرض المسيحيين لأعمال قتل واعتداء بشعة، وتضييق على سبل العيش والعمل، ومحاولة فرض أنماط عيش مختلفة عليهم، تتجاوز قدرتهم على احتمالها والتكيف معها، ما دفع الغالبية إلى الهجرة والنزوح، وتضاءل الوجود المسيحي الفاعل في البصرة، وتحول إلى وجود رمزي محض. واتسع نطاق الهجمات في بغداد والموصل ليطال الأبرياء في أحياء بكاملها (الدورة، الميكانيك،….) ولتنال الكنائس في بغداد والموصل نصيبها من تفجيرات الحقد والهمجية.
ولتكتمل هذه الدائرة الجهنمية في مدينة الموصل التي شهدت أعمالاً إرهابية مروعة من قتل وخطف وتهجير، تعرض لها الأبرياء من أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري، فضلاً عن تفجير الكنائس والاعتداء على رجال الدين وغيرهم في جرائم قلما شهدها العراق سابقاً، وكانت وتيرة الاعتداء والاستهداف تتصاعد كلما لاح في الأفق استحقاقات سياسية محددة بقصد ترويع المسيحيين ومنعهم من المشاركة السياسية، ومصادرة دورهم وإرادتهم السياسية، ومنعهم من المطالبة بحقوقهم في الشراكة والمواطنة أسوةً ببقية العراقيين. وتجددت في الأسابيع الأخيرة أعمال العنف والإرهاب ضد المسيحيين في الموصل في استعادة لحملة التطهير القومي والديني، التي أدت إلى النزوح الكبير أواخر عام 2008.
وفي الحملة الأخيرة سقط العشرات من أبناء الشعب الكلداني السرياني الآشوري، وأُجبر الطلاب على الانقطاع عن جامعاتهم ومدارسهم، وامتنع أصحاب المهن والتجار عن فتح محلاتهم ومتاجرهم خوفاً على حياتهم، واضطرت المئات من الأسر إلى مغادرة الموصل بحثاً عن الأمن والأمان في قرى وبلدات سهل نينوى، أو في إقليم كردستان العراق أو في دول الجوار.
والمؤسف أن هذه الجرائم الهادفة إلى تفريغ الموصل من أحد أقدم مكوناتها الأصلية، واجتثاث الوجود القومي والديني للشعب الكلداني السرياني الآشوري من وطن آبائه وأجداده(العراق) تجري أمام أنظار السلطات المحلية في المدينة وفي ظل صمت كامل ومريب للسلطة المركزية، وعدم اكتراث واضح من المجتمع الدولي حيال المأساة التي تلم بمسيحيي العراق الذين تركوا لوحدهم دون أي حماية أو دعم في مواجهة القتلة والمجرمين.
إن تجدد استهداف المسيحيين في المشرق عموماً، وفي العراق خصوصاً آثار الكثير من الشكوك والأسئلة عن مدى حرص الغالبية المسلمة على مستقبل التنوع والعيش المشترك في دولها. وزاد من منسوب القلق والخوف لدى المسيحيين على مستقبل وجودهم في المشرق حيث تقلص هذا الوجود إلى مستويات غير مسبوقة في العقود الأخيرة، بفعل سوء الأوضاع المعيشية، وانعدام الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي، الناجم عن سيطرة النظم الاستبدادية، وتنامي التيارات الأصولية التكفيرية.
وبالرغم من تفاقم هذا الخطر، فإن هذا الواقع لم يحظَ بالاهتمام المطلوب وطنياً ،وإقليمياً، ودولياً، وفي أحسن الحالات تم إغفاله وإهماله، والقلة التي تنبهت لمخاطر استمرار النزف المسيحي من الشرق استفاقت متأخرة جدا،ً وهذا حال الفاتيكان، الذي بادر للدعوة لعقد سينودس من أجل مسيحيي الشرق أواخر هذا العام، وهي خطوة على أهميتها جاءت متأخرة كثيراً، وقد لا تفيد في التخفيف من آلام المسيحيين ما لم يسبقها إجراءات عاجلة لوقف هذا النزيف المستمر، إجراءات تؤكد تحمل الحكومة العراقية لمسؤوليتها في القيام بواجباتها القانونية والأخلاقية، في توفير الحماية والأمن لمواطنيها المسيحيين، وتقديم المجرمين والجناة إلى العدالة.
وكذلك تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته في حماية الوجود المسيحي في الشرق. وبالتأكيد فإن مسؤولية الحفاظ على التنوع القومي والديني، لا تقع على الفاتيكان والمجتمع الدولي وحدهم، إنما تقع بدرجة أساسية على النخب والحكومات الوطنية الممثلة للغالبية العربية والمسلمة، المطالبة ليس بإظهار حرصها على التعدد والتنوع فقط، وإنما رعايته واحتضانه في دولها حتى يتم ترسيخه وتجذيره في التربة الوطنية، كي لا تستدرج إلى ما يسمى صراع الحضارات، أو تنزلق إلى نموذج الدول ذات القومية الواحدة، والدين الواحد، واللغة الواحدة الذي تهدف إسرائيل إلى تكريسه وتعميمه في دول المنطقة. فهل تنجح النخب والحكومات في هذا الاختبار؟ إننا نتطلع ونعمل على تحقيق ذلك…
– سوريا 1اذار 2010م 6759 آ
المكتب الاعلامي
للمنظمة الاثورية الديمقراطية