كميل الطويل
لندن- الحياة++ تكشف سلسلة من الوثائق التي رُفعت عنها السرية في بريطانيا بعد مرور 30 سنة عليها أن العاهل الأردني الراحل الملك حسين كان مشغولاً جداً بإيجاد حل للأزمة اللبنانية التي كانت تشهد في نهاية العام 1978 حرباً طاحنة بين ميليشيات مسيحية والقوات السورية المشاركة في قوة الردع العربية. وتروي الوثائق أن الملك حسين سعى لدى الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد إلى «وقف تدمير» العاصمة اللبنانية، في إشارة إلى القصف العنيف الذي دمّر أجزاء من المناطق المسيحية وخصوصاً ضاحية الأشرفية في «حرب المائة يوم» (تموز/يوليو إلى تشرين الأول/اكتوبر). وتنقل عن الملك حسين إنه كان مستعداً لدخول حرب مع سورية إذا بقي السوريون يتجاهلون مخاطر ما يقومون به في لبنان، في إشارة إلى أن تصرفات سورية – بما في ذلك إدخال قوات جيش التحرير الفلسطيني إلى بيروت – قد تجلب تدخلاً إسرائيلياً. وفي ما يأتي بعض الوثائق المتعلقة بتلك الحقبة من تاريخ الأزمة اللبنانية:
وثيقة دمشق
وفي مراسلة من دمشق تحمل عنوان «سري» مؤرخة في 13 تشرين الأول (اكتوبر) 1978، يكتب «كريغ» (السفير البريطاني في دمشق البرت جيمس ماكوين كريغ) ردّاً «على مراسلة من عمّان» أرسلها السفير هناك جون موبرلي وتتعلق بموقف الملك حسين من الأوضاع في لبنان:
«1- أتفق (مع موبرلي) على أن من المثير للإعجاب أن يُظهر الملك حسين اهتمامه الكبير بما يحصل في لبنان وأن يكون مستعداً لأن يُترجم قلقه إلى فعل، لكن الحل الذي يقترحه للبنان مفعم بالمشاكل. إن تدخل القوات الأردنية يمكن أن يؤثر في شكل كبير في الحساسيات لدى كل الأطراف المعنية، أي المسيحيين اللبنانيين، والمسلمين اللبنانيين، والسوريين، والفلسطينيين، ويؤثر فيهم بأشكال لا يمكن الآن تصورها، إذا لم يحصل تفكير معمّق في الأمر (مسبقاً).
2- بعض هذه الحساسيات قد يكون غير ذي قيمة أو غريباً، ولكنه جزء من الحقائق، والذين في الخارج عليهم أن يكونوا حذرين من إثارة مثل هذه الحساسيات، خصوصاً عندما لا يكون واضحاً – كما هو الأمر في هذه الحالة – كيف سيتم العمل بها (مقترحات الملك حسين).
3- اقتراح الملك هو واحد من اقتراحات عدة تم تقديمها في الأسبوع أو الأسبوعين الأخيرين. أفضّل أن أترك للأطراف أن يختاروا ما الذي يناسبهم من هذه الاقتراحات، بدل أن نُلزم أنفسنا من دون معرفة كافية بتفاصيل أي منها. وإذا ثبت لاحقاً أن أياً من هذه المقترحات عملي ويلقى دعماً من الأطراف، ساعتئذ يمكننا أن نُلقي بثقلنا وراءه. غريغ».
وثيقة عمّان: الملك حسين مستعد للحرب
وكان السفير كريغ يرد على مراسلة سرية بعث بها في اليوم ذاته (13 تشرين الأول) السفير موبرلي من عمّان إلى رئيس الوزراء جيمس كالاهان وجاء فيها:
«1- عندما كان سكرتيري الأول يقوم بزيارة روتينية للقصر مساء أمس، تحدث إليه الملك حسين عن خطورة الوضع في لبنان وقدّم شرحاً لاقتراحات قدّمها إلى الرئيسين (إلياس) سركيس و(حافظ) الأسد للتعامل معها. قال إنه كان قدّم هذه الاقتراحات إليّ مباشرة لو سنحت له الفرصة (قبل الآن) … عبّر عن تطلعه أن أنقلها اليكم (رئيس الوزراء) في أسرع وقت ممكن. قال إنه حذّر أيضاً الأميركيين والفرنسيين والروس من خطورة الأزمة اللبنانية الحالية – زميلي الأميركي (السفير في عمّان) قال لي الليلة الماضية إنه أبلغ واشنطن بأفكار الملك واقترح أن يُرسل السيد فانس (وزير الخارجية سايروس فانس) رسالة تأييد.
2- قال الملك إن الجميع يجب أن يعترف الآن بأن هناك أزمة في لبنان وانها على المستوى ذاته من الخطورة إذا لم تكن أسوأ من (كل) الأزمات السابقة بما فيها أزمة العام 1958. كان (الملك) على تواصل مستمر هاتفياً في الأسابيع الأخيرة مع كل من الرئيس الأسد والرئيس سركيس. سعى إلى أن يحصل من الأسد على فهم لما يريد أن يفعله في بيروت (في إشارة إلى القصف العنيف الذي كانت تتعرّض له المناطق الشرقية خلال «حرب المائة يوم»).
شدد (الملك) عليه (الأسد) على أن بيروت عاصمة عربية وهي عزيزة على قلب العرب بمثل معزّة دمشق أو عمّان، وإنه حضّه على وقف التدمير فيها. قال الملك إن انطباعه كان بأن الاسد لم يعد يعرف ماذا يجب أن يفعل وانه يحتاج إلى نصيحة غير منحازة من شخص ما – هو مثلاً (أي الملك) – يحظى بثقته ويمكن أن يجعله يعي الخطر الحقيقي. قال إنه يعتقد أن وساطته ساعدت في جلب الوقف الحالي لإطلاق النار.
3- تابع الملك قائلاً إنه خائب كيف أن الدول العربية الأخرى … رفضت أن تتحمل مسؤولياتها وتقوم بأي عمل. لم يحقق الرئيس سركيس (الذي زار عمّان في 11 تشرين الأول/اكتوبر في إطار جولة في السعودية ودول الخليج) سوى القليل خلال جولته ..
4- في لقائه مع الملك، طلب سركيس الآتي:
أ – أن يرسل الأردن في شكل عاجل كتيبة تنتشر في مناطق التماس المشتعلة في بيروت، وبذلك تساعد في تثبيت وقف النار.
ب – أن يقوم الملك نفسه بالعمل كوسيط بين الأفرقاء المعنيين المختلفين الذين له علاقات معهم (مثل): السوريون، الشمعونيون، الولايات المتحدة والغرب.
5- في رده، قال الملك إن الأزمة الآن يجب أن يتم التعامل معها في شكل جذري. المحاولات الجديدة لترقيعها لا يمكن أن تؤدي سوى إلى راحة موقتة، وفي الوقت ذاته يتواصل تدفق السلاح إلى العاصمة. لذلك فانه اقترح على سركيس أن كل العناصر اللبنانية (خط تحت كلمة «اللبنانية») في الأزمة يجب أن يتم جمعها في مؤتمر (يُمكن أن ينعقد – إذا دعت الحاجة – في عمان) حيث يقرر اللبنانيون مستقبلهم. وبذلك يمكن أن يتم الحصول على حل دائم مقبول لكافة الأطراف. إن الأطراف الأخرى المعنية حاليا بالأزمة، مثل السوريين ومنظمة التحرير، يمكن أن تنضم لاحقاً (ولكن) بعد أن يكون اللبنانيون قد قرروا بأنفسهم ما يريدون.
6- قال الملك لسركيس إنه إذا قبل هو والأسد هذا الاقتراح فإن الأردن يمكنه أن يساعد في كل ما هو ممكن. فهو مستعد لا إلى أن يُرسل كتيبة فقط بل لواء كاملاً يمكنه أن يكون قوة فصل حيادية، لكنها تقاتل أي طرف، بحسب ما شدد، سواء كان المسيحيين أو السوريين أو الفلسطينيين، إذا حاول إفشال مشروع السلام. وكان مستعدا أيضاً إلى أن يستخدم نفوذه في وساطة كاملة بين الأطراف المعنية المختلفة.
7- قال الملك إن سركيس نقل مقترحاته مباشرة من عمّان إلى دمشق في آخر يوم 11 تشرين الأول (اكتوبر). قال لسركيس انه إذا لم يقبل هو والأسد اقتراحه فإنه سيسحب كل مساعدة يقدّمها و «يغسل يديه من الموضوع كله». الأمر الآن في يد سركيس. من جانبه، سيتحدث الملك هاتفياً في شكل حازم مع الأسد ليقول له إنه إذا لم يعد إلى جادة الصواب فانه يمكن أن يجد نفسه يحارب الأردن. لقد أرسل في ذلك اليوم وزير البلاط، الشريف عبدالحميد شرف، إلى دمشق لينقل هذه النقاط في شكل مباشر. إنه يتوقع رداً من الأسد خلال يوم أو أكثر.
تعليق
8- الرد الحازم للملك حسين على التطورات الأخيرة في لبنان يمكن أن يكون مرتبطاً بكآبة الرئيس سركيس، لكنه تحدث منذ فترة طويلة عن المخاطر التي تواجهها المنطقة إذا بقيت الأزمة اللبنانية من دون حل. إنه يفكّر بلا شك في احتمال حصول صدام مباشر بين القوات السورية والإسرائيلية وهو ما يمكن أن يؤدي إلى موجة من التعاطف هنا (في الأردن) تجعل من المتعذر على الأردن أن يتنحى جانباً، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى عواقب كارثية على الاستقرار والازدهار في هذه الدولة وعلى نطاق أشمل. لا بد أنه شاهد إدخال قوات جيش التحرير الفلسطيني إلى بيروت بوصفه أخطر خطوة وأكبر استفزاز يمكن أن يجلب في شكل أكبر خطر التدخل الاسرائيلي، وهو أمر يُلقي بالشكوك على حكمة الأسد أيضاً، كما يلقي بالشكوك على أهدافه على المدى البعيد. في حين أن كلام الملك عن أنه في حال الضرورة يمكن أن يُحارب السوريين يعكس مزاجه الغاضب ويجب عدم أخذه بشكل حرفي، إلا أنه (بلا شك) قلق جداً مما يبدو أنه عدم تنبه الأسد للمخاطر ويجب أن يتم دفعه (الرئيس السوري) كي يعي خطورة ذلك.
9- لم يعط الملك أي اشارة إلى القواعد التي يمكن أن تنتشر فيها القوات الأردنية في بيروت. لكنه أظهر وعياً لخطورة نشرها في أماكن يُمكن أن تضعها أمام احتمال محاربة الفلسطينيين والميليشيات اليسارية، وبعض هؤلاء ما زال يحمل ضغينة لما حصل في 1970 و1971. لكنه بدا على اعتقاد بأن الخطر يجب أن يتم تحمله إذا ما أريد احتواء الوضع.
10 – كما تتم رؤية الوضع من هنا، فإن اقتراحات الملك حسين في شأن عقد لقاء ينحصر في الأطراف اللبنانية المعنية في المقام الأول يبدو أنها تحمل أملاً أكبر من الاقتراحات الأخرى المطروحة في الساحة، خصوصاً أن الملك اظهر استعداده كي يعالج بحيوية مشكلة تبدو الأطراف الأخرى في المنطقة تلعب فيها ببساطة – هو أمر يستحق التقدير (من الملك). إضافة إلى ذلك، الموقف الحذر للملك حسين من اتفاقات كامب ديفيد أعطاه قدراً أكبر من النفوذ في الدول العربية على كافة اختلافاتها، بعكس ما كان الوضع في السابق. وفي الوقت ذاته، هو يتمتع برابط قوي منذ سنوات طويلة مع الموارنة، خصوصا داني شمعون، وتدخله يمكن أن يكون أكثر قبولاً لديهم من بقية الاطراف العربية… موبرلي».
وثيقة من لبنان
وكان السفير البريطاني في بيروت بيتر ويكفيلد بعث برسالة سرية في 11 تشرين الأول (اكتوبر) 1978 إلى رئيس الوزراء البريطاني في 10 داونينغ ستريت أبلغه فيها بأن قوات جيش التحرير الفلسطيني دخلت العاصمة اللبنانية. وجاء في رسالة ويكفيلد:
«لبنان 1- عجلة الدولاب تلف دورة كاملة. القصص عن إدخال وحدات جيش التحرير الفلسطيني إلى لبنان من قبل السوريين تم تأكيدها الآن من خلال بعض تقاريرنا على الأرض. لقد أخبرني للتو طبيب يعمل لدى الأمم المتحدة إن قائد جيش التحرير الفلسطيني – كولونيل يدعى مزوق (قد يكون المقصود هو المقدم محمود أبو مرزوق القائد في جيش التحرير الفلسطيني) – أكد له إن كتيبتين موجودتان هنا. في الحقيقة، تقوم آليات مسلحة لجيش التحرير بدوريات على الكورنيش … الأمر الذي يذكّرني بما كان عليه الوضع قبل عامين ونصف العام. لماذا أخذ السوريون هذه الخطوة التي تُعقّد، مثلما هو واضح، الأوضاع؟ سيزيد ذلك شعور المسيحيين بأنهم مهددون، وكان سيلقى حتى وقت قريب معارضة المساهمين الآخرين في قوات الردع العربية.
2- هناك تغيير في التحالفات وآراء الحكومات العربية في الفترة التي تلت توقيع اتفاقات كامب ديفيد (أيلول/سبتمبر 1978). إن إصرار مصر على السير في سلام منفصل يُرغم الحكومات العربية الأخرى على أخذ آراء متشددة، مثلما توقّع الملك حسين. كان من المتوقع أن يعترض على ذلك وزراء خارجية الدول المساهمة في قوات الردع (سيجتمعون يوم الأحد) – يعترضون على إضافة جيش التحرير (الفلسطيني) إلى هذه القوة (الردع). لكن في ظل هذه الأجواء، هل يمكن أن يتم الإفصاح عن (مثل) هذا الاعتراض؟
3- السبب العسكري لاستحداث قوات جيش التحرير قد يكون متعلقا بأن وحدات الجيش السوري مرهقة. لكن من الصعب التصديق انه لا يمكن توفير وحدات أخرى من الجيش السوري للحلول محلها. هل الأمر هو للتحضير لانسحاب جزئي للقوات السورية، إذا ما تعرّضت لضغط لتفعل ذلك؟ إن وحدات جيش التحرير الفلسطيني، إضافة إلى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية – والصاعقة، والميليشيات المسلمة التي تسلحها سورية وتدربها، يمكنها أن تصد هجوماً يشنّه الموارنة، ووصول قوات جيش التحرير هو تحذير للموارنة من أن الأمر لن يكون كما يحلو لهم إذا انسحب السوريون. هل الاتفاق على استخدام قوات جيش التحرير يمثل تغييراً في الموقف الفلسطيني القاضي بعدم الانخراط مجدداً في الفخ اللبناني؟
4- من الطبيعي أن يتابع الإسرائيليون باهتمام وصول جيش التحرير الفلسطيني. إذا اندلع القتال مجدداً بمشاركة الفلسطينيين، هل يمكن أن يكون الإسرائيليون أقل قدرة على غضّ النظر؟ كلام الرئيس (أنور) السادات أمس عن سورية ولبنان يمكن أن يعني أنه مصمم على أن الإنفجار في لبنان لن يحيده عن مسار السلام.
5- وصل زميلي الأميركي (جون غونثر دين). أخبرني الليلة الماضية أنه قضى معظم وقته للتحضير لمهمته في «الكابيتول هيل» بدل وزارة الخارجية لأن اللوبي الماروني بمساعدة اسرائيل بدأ يؤثر في موقف الكونغرس. ولكن، في حين قال له أعضاء الكونغرس في شكل قوي إن شيئاً ما يجب القيام به من أجل المسيحيين في لبنان، إلا أنه لم يكن هناك أي طرح لتدخل مادي مباشر. المساهمة المالية والسياسية نعم، ولكن قوات لا… ويكفيلد».
– الخميس 31 كانون الأول 2009