الرئيسية / مقالات آشورية / الدكتور حنين قدّو علموا شعبكم ثقافة قبول الآخر والتعايش معه
حبيب تومي

الدكتور حنين قدّو علموا شعبكم ثقافة قبول الآخر والتعايش معه

بقلم : حبيب تومي / اوسلو
habeebtomi@yahoo.no

++ مضى سبع اعوام عجاف على الشعب العراقي، وهو يدور في دوامة العنف والقتل والتهجير، وتناغم هذا العنف مع الزخم والأندفاع للتيار الديني الذي انطلق بعد سقوط النظام ، حيث كان هاجعاً في ظلمات كهوفه الخلاف المذهبي الذي كان في دور السبات ومن ثم انطلاقه بعد سخونته في حرارة النهضة او الصحوة الدينية التي شهدت إرهاصات العنف الطائفي الذي نزل في العراق كوباء قاتل مدمّر والى اليوم امامنا هذا المشهد الذي يتكرر كل يوم .

لكن يبقى ما يطال التكوينات غير المسلمة من الأزيدية والصابئة المندائيين والمسيحيين من ظلم وقهر وابتزار وتشريد وقتل وإرهاب وهتك الأعراض والاستيلاء على بيوتهم وحلالهم .. تبقى هذه الحالة وصمة عار في جبين المجتمع العراقي ، فليس من المعقول ان يطال كل هذا الظلم تلك المكونات وبشكل اكثر ايلاماً ما يطال المسيحيين السكان الأصليين في الوطن العراقي والمجتمع العراقي يتفرج على الفلم المقرف.

نعم اخليت مناطق عديدة في بغداد والموصل والبصرة من المكون المسيحي واليوم تنتقل الحملة نحو المسيحيين في بلداتهم وقراهم بقصد تهجيرهم وتبديل البنية الديموغرافية في هذه المناطق لاسيما في سهل نينيوى الذي يجري الزحف نحوه لقلع المكون المسيحي او إغراقهم في المكونات الأسلامية ذات الأغلبية الساحقة في عدد السكان. وفي هذا المقال الذي نتناول فيه المشكلة الأخيرة بين الشبك والمسيحيين في برطلة ، نقرأ عن الكاتب والقاضي العراقي زهير كاظم عبود فيقول حول الشبك: "أن الشبك مزيج من عشائر كردية وعشيرة الباجلان، وكل عشيرة من هذه العشائر تعتز بأنتسابها وأصلها ونجد بينهم من ينتسب للتركمان والعرب سكنوا مناطق الشبك منذ القدم، غير أنها تعتز بأنتسابها للشبك الذين يفتخر المرء حقاً بانتسابه لهم لما خطوه من معالم الخلق والألتزام الديني والقيم التي لم يزل يتحدث عنها المجتمع الموصلي بأعجاب وتقدير".

ويقول الكاتب حسن عكلة " أ ن جل ألشبك هم أقرب من الناحية العرقية واللغوية إلي الكرد منه إلي القوميات الأخرى المجاورة ، ضمن منظومة التوزيع العرقي والقومي في المنطقة ألتي يقطنها الشبك ، لكن نقرأ من يقول عن قومية الشبك ونحن لا دخل لنا في كل هذا فنحن في زمن الديمقراطية ونحن نحترم الآخر كما هو وكما يعتقد وليس كما نريده نحن هذا هو معنى قبول الآخر.

في هذه السنة كانت اعياد الميلاد قد تزامت مع إحياء الشيعة لذكرى مقتل الإمام الحسين، فاحترمت الكنائس المسيحية هذه المناسبة لتلغي معظم الأحتفالات والأقتصار على الأحتفال الديني لاسيما في المناطق التي يشكل فيها شعبنا الكلداني اقلية دينية ومحافظة البصرة واحدة من الأمثلة ، إن هذا الموقف هو احترام مشاعر الأخرين من اخوانهم المسلمين لا سيما الشيعة منهم، لكن هل عامل المسلمون اخوانهم المسيحيين نفس المعاملة ؟ إن الواقع الأليم الماثل امامنا من قتل وتشريد وتفجير الكنائس الى آخره لا يمكن ان نضعها في مستوى واحد.

فيما يخص المشكلة التي اثيرت في برطلة نقرأ الأخبار في موقع عنكاوا وغيرها من المواقع ان الدكتور حنين قدو يقول بأن المسيحيين في برطلة أعاقوا الأحتفال بمسيرة عاشوراء.
لكن في تصريح للسيد عبد الرحيم الجربا، رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة نينوى. يقول:
إن مجموعة من سكان الشبك من المسلمين الشيعة هاجموا حرس الكنائس بعدما وجدوا بعض اللافتات والأعلام، التي يستخدمونها في شعائرهم بمناسبة عاشوراء قد سقطت على الأرض، فيما رفعت لافتة تطالب المسيحيين بالتوقف عن احتفالات أعياد الميلاد احتراما لهذه الشعائر.

اقول:
لقد طال الشبك في العقود السابقة المظالم والتهميش وكغيرهم من الأقليات ، ولكن بعد نيسان 2003 كانت الرياح تداعب اشرعتهم وتسير بما تشتهي نفوسهم وتبسمت لهم الحياة، ومن أقلية مهملة مضطهدة انتقلوا الى أكثرية شيعية وفتحت امامهم الدروب والفرص ، لكن هذا لا يعني ان يتحول الشبك الى موقع الظالم بعد ان كانوا مظلومين، وأن لا يصبحوا ورقة مساومة ، فلهم شخصيتهم ومكانتهم التاريخية في المنطقة وعليهم ان يتفاعلوا مع الأخرين ومنهم شعبنا المسيحي بمنطق قبول الآخر وقبول الأخر يكون كما هو وليس كما يريدونه . على الشبك واهل الموصل من المسلمين ان يتعاملوا مع المسيحيين وغيرهم من المكونات الدينية غير المسلمة بمنطق المواطنة العراقية وليس بمفاهيم اهل الذمة ، فنحن نعيش في وطننا العراقي ولسنا اهل الذمة ولا نقبل به ، إن مبادئ ولوائح حقوق الأنسان وحفظ الأقليات واحترام معتقداتهم هي التي يجب تسود في الوطن العراقي.

على النخبة المثقفة للشبك وفي مقدمتهم الدكتور حنين قدو ان يكونوا مثال يحتذى به شعبهم ، وهو يعرف جيداً ان التعبئة الغريزية للبسطاء الطيبين وشحن العواطف الدينية تزيد من عوامل التأليب والتحريض ودوافع الثأر والأنتقام كل ذلك سيزيد في الطين بلة ، وعلى العقلاء والحكماء ان يكونوا قدوة لشعبهم فمثلاً نقرأ في موقع عنكاوا : (( تفيد المعلومات الواردة من برطلة، بأن مجاميع كبيرة من الشيعة الشبك، الذين يقطنون القرى المجاورة، قاموا صباح اليوم، أولى أيام عيد الميلاد المجيد، بتنظيم مظاهرة مفاجئة حاشدة في شوارع برطلة، رافقتها أداء مراسيم عاشوراء، وسط البلدة المسيحية.)) ويضيف (( هذا وقد وصل الى برطلة عضو مجلس محافظة نينوى عن الشبك قصي عباس الذي شارك مع المتظاهرين في اداء قسم من شعائر المظاهرة، ووصف شهود عيان ان قصي قد طمئن الشباب المتظاهرين بقوله انه سيعمل على استراد الحق لهم بالقانون)).

إن عضو مجلس محافظة نينوى ينبغي ان يكون عامل خير ويرشد شعبه الى افضلية التعايش والتسامح وليس صب الزيت على النار.
جملة تساؤلات:
لماذا ينبغي ان تجرى مراسيم العاشوراء في برطلة ؟
ما علاقة هذه المدينة بهذه المناسبة ؟
ولماذا يجب ان تعلق لافتات هذه المناسبة في برطلة ؟
إن كان الشيعة يلطمون في هذه المناسبة فليس مطلوباً من الجميع ان يقوموا بهذه الشعيرة، كل دين وكل مذهب لهم شعائرهم وليس مطلوباً من غيرهم ان يساهم في هذه الشعائر، وإذا اراد اهل برطلة ان يعلقوا لافتة معينة، لكن ان يتم ذلك دون ان تفرض عليهم بالقوة .
ما علاقة الناس الآخرين بهذه المناسبة ؟
لماذا يجبر اهل برطلة وغيرهم على شئ لا يخصهم ؟

إنكم ايها السادة ببساطة مطلوب منكم ان تحترموا للناس خصوصياتهم الدينية والقومية والمذهبية ، إن النخبة المثقفة في الشبك مطلوب منهم ان يثقفوا شعبهم الطيب على ضرورة التعايش مع الآخر، والتعايش مع الآخر لا يعني ان يكون هذا الآخر خاضعاً لك، وهذا الآخر هو المسيحي والأزيدي والمندائي .. على العقلاء في المنطقة والتي يعيش عليها خليط سكاني متداخل ومتنوع من العرب والأكراد والتركمان والشبك والآشوريين والكلدانيين والسريان والأرمن والمندائيين والأزيدية والتركمان .. وغيرهم، عليهم العمل جميعاً لاجتثاث جذور الكراهية والحقد والعنصرية الدينية والمذهبية والقومية، وقبل كل ذلك نبذ سياسة الأستعلاء والهيمنة بحجة الأكثرية، فينبغي التأسيس لسياسة التعايش الأخوي وبمنطق المواطنة العراقية وباننا شعب عراقي واحد تجمعنا الهوية الوطنية العراقية ولنا تاريخ مشترك ومصير واحد ونحن جميعاً مواطنون من الدرجة الأولى، ولا يوجد من هو مواطن من الدرجة الثانية او الثالثة .. وإننا قد تعايشنا لالاف السنين على هذه الارض المباركة.

وينبغي قبل كل شئ احترام معتقد الآخر ودينه وخصوصيته واحترام مشاعره وكما هو عليه وليس كما نريده، هذا هو مبدأ قبول الآخر . وبارك الله كل الجهود الخيّرة التي تعمل على تلاحم ووحدة الشعب العراقي بكل مكوناته الصغيرة والكبيرة.

– 30 كانون الأول 2009      

شاهد أيضاً

عندما يغادرنا مبدعٌ كالموسيقار جورج جاجان

14-05-2021 بقلم سعيد لحدو تعود الموسيقا السريانية بجذورها إلى حضارة مابين النهرين وطقوسها الدينية والمهرجانات …