عبدالله علي
كلنا شركاء
قد يبدو من المفارقة أن يجري الحديث عن رفع حالة الطوارئ في ظل ظروف استثنائية تمر بها بعض المناطق السورية كانت تستحق في الأحوال العادية أن تفرض حالة الطوارئ لمعالجتها. فالفقرة (آ) من المادة الأولى من قانون الطوارئ تنص على أنه: ((يجوز إعلان حالة الطوارئ في حالة الحرب أو قيام حالة تهدد بوقوعها أو في حالة تعرض الأمن أو النظام العام في أراضي الجمهورية أو في جزء منها للخطر، بسبب حدوث اضطرابات داخلية أو وقوع كوارث عامة)). ومن الواضح أن الأحداث الدامية التي تشهدها مدينة درعا أو بانياس ينطبق عليها الشطر الأخير من هذه الفقرة الذي يتحدث عن تعرض الأمن أو النظام العام في جزء من الجمهورية للخطر بسبب اضطرابات داخلية.
لكنَّ وجه المفارقة قد يزول إذا أدركنا أن فرض حالة الطوارئ التي مضى عليها أكثر من أربعين عاماً طوالاً، كانت المطالبة الشعبية برفعها واحدةًً من الأسباب التي شكلت مع غيرها منظومة العوامل التي فجرت تلك الأحداث الدامية، لذلك كان القرار القاضي برفع حالة الطوارئ، رغم الظروف الاستثنائية الخطيرة، أمراً مطلوباً ومتسقاً مع المنطق وخالياً بالتالي من أي مفارقة. غير أن ما يجب التنبّه إليه هو أن المشرع السوري قرن قرار رفع حالة الطوارئ مع قرار آخر يقضي بإصدار قانون لمكافحة الإرهاب، وقد يعني هذا أن المشرع يعتبر أن رفع حالة الطوارئ وما يستلزمه هذا الرفع من وقف مفاعيل قانون الطوارئ وتجميد أحكامه، من شأنه أن يوقعنا في فراغ تشريعي علينا سدَّه بقانون آخر.
وهذا الرأي من حيث المبدأ غير صحيح ويتناقض مع الصفة الاستثنائية والمؤقتة التي يفترض أن يتصف بها تطبيق قانون الطوارئ، بمعنى أن قانون الطوارئ إنما يطبق لمواجهة حالات استثنائية ومؤقتة، وإن انتهاء هذه الحالات يلغي حتماً الحاجة إلى هذا القانون، مما يعني أن وقف العمل به بعد انتهاء الحالة التي أوجبته لن يترك أي فراغ تشريعي خلفه. وعليه نؤكد على عدم منطقية الربط بين رفع حالة الطوارئ وبين ضرورة إصدار قانون لمكافحة الإرهاب لأن هذا الربط يعني أن المشرع قرر رفع حالة الطوارئ دون أن تتوافر موجبات هذا الرفع ودون أن ينتهي الخطر الذي فرضت لمواجهته، مما دفع بالمشرع إلى التفكير بمواجهة هذا الخطر بقانون آخر هو قانون مكافحة الارهاب.
وإذا كان الأمر كذلك، فإننا نعتقد أن حسن السياسة التشريعية يقتضي وفق المنطق السابق الإبقاء على حالة الطوارئ وعدم رفعها قبل انتهاء الأسباب التي أوجبتها. وإلا كيف نفسِّر قيامنا برفع حالة الطوارئ ونعلن في نفس الوقت عن حاجتنا إلى قانون آخر لسد الفراغ الذي تركه رفعها؟ أليس هذا من قبيل العبث الذي ننزه المشرع عن مثله؟ ننتقل مما سبق إلى نقطة أخرى، وهي أن نية المشرع إصدار قانون لمكافحة الارهاب عقب الإعلان عن رفع حالة الطوارئ، يدل بشكل ضمني على أن خشية المشرع بخصوص الفراغ التشريعي الممكن حصوله تنصبُّ على نوع خاص من الجرائم هو الجرائم الارهابية، أي أن المشرع يخشى حدوث فراغ في الأحكام الناظمة لهذه الجرائم دون غيرها من الجرائم الأخرى كالجرائم التي من شأنها المساس بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي.
وهذا التحديد له أهمية كبيرة بالنسبة لموضوع البحث، لأنه يعني أن المشرع لا يعتقد أن رفع حالة الطوارئ من شأنها الإنقاص من الضمانات القانونية الكفيلة بحماية أمن الدولة أو التقليل من فعاليتها في مكافحة الجرائم الماسة به، أي أن المشرع لا يرى ثمة ارتباط بين حالة الطوارئ وبين أمن الدولة وأن النصوص الواردة في قانون العقوبات واصول المحاكمات الجزائية كافية لحماية هذا الأمن ومكافحة الجرائم المتعلقة به، فلا خوف من حدوث نقص تشريعي في هذا المجال مع الإشارة إلى أنه المجال الذي تتكثف حوله حساسية السوريين نظراً إلى الدور الوطني والقومي الذي تقوم به سورية وما يفرضه هذا الدور من إجراءات وتدابير خاصة سواء على الصعيد الأمني أو التشريعي أو السياسي. إذاً فإن المشرع يربط بشكل خاص بين رفع حالة الطوارئ وبين الخشية من حدوث نقص أو فراغ تشريعي يتعلق بالجرائم الإرهابية.
وإذا أدركنا أن المشرع السوري قد سنَّ في قانون العقوبات أحكاماً تعاقب على الارهاب (المادة 304-306) وأن هذه المواد وردت في الفصل الخاص بالجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي التي تضم إضافة إلى جرائم الارهاب: الجنايات الواقعة على الدستور، واغتصاب سلطة، والفتنة، والجرائم التي تنال من الوحدة الوطنية، والنيل من مكانة الدولة المالية (المواد 291-311).
هذا يعني أن المشرع اختص جرائم الارهاب من بين جميع الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي والخارجي باهتمام خاص، وأثار لديه رفع حالة الطوارئ خشية من أن يسبب هذا الرفع حدوث نقص أو فراغ تشريعي بخصوصها. يفترض الآن أن تكون قد تولدت لدينا الدهشة من هذا الخشية التي تعتري المشرع بخصوص الجرائم الارهابية، وإصراره على ضرورة إصدار قانون لمكافحتها تزامناً مع رفع حالة الطوارئ!!
وتأتي الدهشة من:
أولاً- لماذا اكتفى المشرع بالأحكام الواردة في قانون العقوبات بخصوص جميع الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي، ولم يفعل نفس الأمر بخصوص الارهاب، رغم أن الدور المقاوم والممانع الذي تضطلع به سورية وما يستلزمه من اتخاذ جميع الضمانات الأمنية والتشريعية لحماية حدودها وأمنها، يفترض العكس أو على الأقل أن تعامل جميع الجرائم المتعلقة بأمن الدولة بما فيها الارهاب على نحو متشابه؟.
ثانياً- أن سورية لا تعاني من ظاهرة إرهاب كبيرة، وإن ما يصيبنا من جرائم إرهابية بين فترة وأخرى لا يتطلب كل هذا الالحاح في ضرورة الاستعجال في إصدار قانون لمكافحتها بالتزامن مع رفع حالة الطوارئ.
ثالثاً- أن يكون بالإمكان الاستغناء عن كافة التدابير الاستثنائية المنصوص عنها في قانون الطوارئ بخصوص الجرائم المتعلقة بأمن الدولة ولا يكون ذلك ممكناً بخصوص الارهاب الذي يصنفه المشرع نفسه على أنه جريمة متعلقة بأمن الدولة.
ننتهي مما سبق، إلى التأكيد على عدم وجود أي تلازم منطقي أو تشريعي بين رفع حالة الطوارئ وبين إصدار قانون لمكافحة الارهاب، وإن الإصرار على وجود مثل هذا التلازم هو من قبيل التعسف الذي ليس له ما يبرره. لأن المشرع اعتبر جرائم الارهاب من قبيل الجرائم الماسة بأمن الدولة كالجرائم الأخرى المذكورة في فصل الجرائم الواقعة على أمن الدولة من قانون العقوبات السوري، وليس هناك أي سبب تشريعي أو واقعي يدفعنا إلى تمييز جرائم الارهاب عن غيرها من جرائم أمن الدولة، والمنطق يقتضي معاملة جميع الجرائم وفق سياسة تشريعية موحدة.
لذلك من الأفضل في اعتقادنا أن يقوم المشرع برفع حالة الطوارئ، ويعمد من ثمَّ إلى تطبيق القوانين سارية المفعول. فإذا ثبت له بعد التطبيق العملي أن بعض النصوص تحتاج إلى تعديل ما لمواكبة بعض التطورات التي طرأت على مفاهيم بعض الجرائم يقوم بذلك استناداً إلى المعطيات الواقعية التي توافرت له الأمر الذي من شأنه أن يسبغ على هذه التعديلات صفة من المصداقية العملانية. وننجو إضافة إلى ذلك من التسرع الذي نجد أنفسنا مدفوعين إليه دون مبرر.