الرئيسية / مقالات حول سوريا / ناقة الصمود، وجمل الديمقراطية

ناقة الصمود، وجمل الديمقراطية

سعيد لحدو
23 شباط 2011

++ ظل حمد لعقود وهو يعتقد أن لاناقة ولا جمل له في كل هذا الهراء الذي يدور حوله، وهو المواطن الذي رُكنَ ردحاً طويلاً من الزمن خارج التغطية. كان يُساق كما تُساق نوقه تارة في هذا الاتجاه وأخرى بذاك مدفوعاً بآماله الكبيرة والصغيرة والتي لا تلبث أن تتحول إلى سراب مخادع. ولقد تحمل حمد كل ذلك صابراً كبعيره الذي لايشتكي من جدب ولا يتأفف من خواء.

وفوق ذلك كان ومازال عليه أن يحمل كل أوزار الوطن وأثقاله على ظهره. وفي الوقت ذاته، كان يجري حلب ناقة الوطن صباح مساء وعلى أعين الأشهاد ولم يحصل حمد حتى ولو على لحسة من حليبها رغم المثل القائل: (إللي بيشتغل بالسم بيطلعلو لحسه منو). ومع ذلك لم يبدِ حمد وأمثاله من الرعايا، (وهي كلمة حديثة التمدن تعود بجذورها إلى كلمة رعاة) أي اعتراض رغم تأففهم بين الحين والآخر. ولكن حمد أُهينت كرامته حين اتُّهمَ بأنه لا يفهم الديمقراطية ويحتاج لأجيال لكي يتمكن من ممارستها. وهو الذي رضي أن يتنازل عن الكثير إلا عن كرامته. لأنه تعلم أن الموت عليه أهون من أن يخسرها.

من أجل صمود الوطن وممانعته تنازل حمد عن ناقته وحليبها ولم يطمع حتى بلحسة منه. كما تنازل راغباً أو مكرهاً أو مخدوعاً عن جَمَله العزيز إلى قلبه، كرمى لعيون الوطن، ولم يحصل منه حتى ولا على أذنه.. لكن أن يوصف بأنه مواطن لايفهم الديمقراطية، فتلك إهانة ما بعدها إهانة. فالديمقراطية التي يتحدثون عنها لم يتعلمها حمد في مدرسة أو جامعة. فهذه لا تعلم في وطنه إلا شعارات الصمود ومناظرات التحدي والممانعات اللفظية. أما الديمقراطية بمعناها الفطري فقد رضعها حمد مع حليب ناقته حين كان له أن يرضع من ذلك الحليب يوماً، قبل أن يتم الاستيلاء عليها لتتحول إلى شركة خاصة مملوكة لأبناء الخال والعم ومن شابههم من ورثة ناقة حمد الجدد. أما حمد وإخوته وأبناء عمومته وأخواله ومن شابههم من الرعايا، فلهم شرف وقوفهم في خط المواجهة الأول في كل الحروب ومعارك الصمود والتصدي التي خسرها وخسر معها كل النوق والجمال التي وُعِدَ حمد بها.

حمد الذي لم يتشرف في حياته بلقاء مسؤول رسمي أعلى من رتبة شرطي أو عنصر مخابرات ممن يثيرون الرهبة في نفسه لمجرد أطلالتهما من بعد، تكحلت عيناه أخيراً بمرأى وزير الداخلية السوري شخصياً بشحمه ولحمه وعن قرب يترجل من سيارته الفارهة وهو يترجى الجموع الغاضبة في سوق الحريقة أن تهدأ واعداً بمعاقبة الشرطي الذي غاب عن باله أن زمن الذل والخنوع بات من الماضي. وإن حمد لم يعد يقبل أن يهان مرة أخرى. وعندما أدرك القيمون على الأمور أن الظروف تغيرت، حاولوا رشوة حمد وأبناءه ببعض من حليب ناقته المستولى عليها وذلك على شكل زيادات ومنح وإعانات ومكرمات وماشابه. وهذه وإن جاءت متأخرة جداً، لكنها أفضل من ألا تأتي أبداً. لعل نفس حمد تهدأ بها قليلاً ريثما تمر العاصفة. لكن هيهات أن يسكت حمد بعد أن أدرك أن له ناقة وجمل في غزوة الكرامة هذه.

لكل أرض حمدها. وشعوب المنطقة العربية تزخر اليوم به وتولد بانتفاضته من جديد. ففي تونس مثلاً، استطاع حمد أن يسترجع ناقته رغم نضوب حليب ضرعها. وهاهو يدلل جمله المفقود بعد أن تمكن من زمامه أخيراً. وفي مصر أرادوا للناقة أن تكون وسيلة بيد البلطجية للرفس والدهس. إلا أن أبناء حمد المصريين استرجعوها لتكون عوناً للمصريين على متطلبات الحياة الصعبة. أما جمل الديمقراطية المأمول فمازال وعداً يأمل به حمد المصري بعد أن دخل القرضاوي (الثائر في قصور قطر) على الخط ليستثمر أرضاً لم يكن له أي فضل في إصلاحها.

وفي أماكن أخرى مثل ليبيا والبحرين واليمن والجزائر والمغرب، (والحبل على الجرار كما يقال)، رأى حَمَدُهم أنه ليس أقل نخوة ورجولة وشهامة وكرامة من إخوته في تونس ومصر ممن ثأروا لكرامتهم والناقة والجمل الذين افتقدوهما طويلاً. مدركين أن لهم بالفعل ناقة وجملاً في كل مايدور حولهم. وهاهم يسعون لاسترجاعهما.

ويبقى حمد السوري ينتظر نهاية سعيدة للتراجيديا التي عاشها قرابة نصف قرن. فمازال لدى النظام بعض الوقت ليتدارك الأسوأ وذلك بعدم الاكتفاء ببعض الرشاوى التي تقدم لحمد تحت ضغط الظروف التي تشهدها بعض بلدان المنطقة العربية ومن قبيل ذر الرماد في العيون. فحمد وإخوته وأبناء عمومته ماعادوا يقنعون من الجمل بإذنه أو بلحسة من حليب ناقتهم. فهم لن يقبلوا بأقل من إعادة ناقتهم وجملهم إليهم وامتلاكهم حق التقرير بشأنها وشأن مستقبلهم ومستقبل أولادهم أياً كان الحاكم الحالي أو القادم.

شاهد أيضاً

بمشاركة الرفيقين كبرئيل موشي وعبد الأحد اسطيفو: هيئة التفاوض السورية تنهي اجتماعاتها في جنيف وتصدر بياناً ختامياً

04-06-2023 شارك الرفيقان كبرئيل موشي مسؤول المنظمة الآثورية الديمقراطية، عضو هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة …