الرئيسية / مقالات آشورية / أسئلة إلى الله (2).. السادية

أسئلة إلى الله (2).. السادية

بقلم. سامي ابراهيم

++ يقول البعض دفاعا عن المعتقد الديني بأن الدين _حتى ولو كان وهماً_ فإنه قد قدم خدمات جليلة للبشر وأسهم في ترويض غرائزهم ونظم شؤون حياتهم بل ووعدهم بحياة أخرى جميلة أبدية لايوجد فيها موت ولا ألم بل سعادة أبدية، وأن الله والدين حتى لو كانا من اختراع البشر لكنهما بالفعل قد نجحا إلى حد ما في إدخال السكينة والاطمئنان في قلوب معتنقيهما وهدئ من روعهم حيال قسوة الموت وقسوة القدر وملأ حيزاً نفسياً عاطفياً كبيراً كان البشر في أمد الحاجة إليه وهم يعانون ويقاسون أهوال الحياة ونوائب الدهر.

قد يبدو هذا الطرح صحيحا للوهلة الأولى لكن لو أمعنا النظر ولو دققنا في حيثيات الموضوع لرأينا كم هم مخطئون ولرأينا أن المعتقد الديني كحالة اجتماعية أو فكرية أو نفسية فشل في إيصال السعادة للبشر، ولشاهدنا أن هناك عدداً هائلاً من البشر يعانون بسبب هذا الدين. ولو وضعنا نتائجه بمقياسٍ ومنطقٍ رياضي لرأينا سلبياته أكبر من ايجابياته والخسارة، الناجمة عنه كمشروع حضاري أكبر من الربح، وخاصة أنه أخذ وقتاً عظيماً في الدفاع عن فكرته لم يأخذها أي فكر أيديولوجي آخر.

إن ما يقلق الإنسان فعلا اتجاه المعتقد الديني وما يجعل نظريته الإلهية تفشل في تحقيق السعادة للبشر هو أن الله لم يعِد الإنسان بالحياة الأبدية في الجنة فقط بل وعده بالحياة في الجحيم الأبدي مع النيران المستعرة حيث الألم والبكاء والعويل والعذاب إلى الأبد! في موضوع السادية لن أتطرق إلى الفجائع والأهوال والمصائب التي أنزلها الله على البشر فالكتب السماوية مليئة بالحوادث والقصص التي تحدثنا عن تفنن الله بأنواع العقاب والعذاب بحق الذين استوجبوا غضبه الذي وصل إلى درجة لم يتحمل فيها الله _الكلي الرحمة_ ولم يستطع الانتظار حتى يموت هؤلاء المخطئون ميتة طبيعية عندها يحاسبهم في يوم القيامة كما ذكر هو نفسه في كتبه السماوية! فأمطر عليهم وابلاًَ من النيران واللعنات والأوبئة من السماء!

فالله لم يعاقبهم فقط في الأرض، بل قتلهم وجعلهم يعيشون الحياة الثانية الأبدية أيضا في جحيم لا يمكن لأحد أن يتخيل مدى العذاب الموجود فيه! السادي هو الشخص الذي يتبنى فى سلوكه عند التعامل مع الناس حب التعذيب والسيطرة والتحكم والإذلال. إن ما يجعل السادية سلوكا مميزا لله هو ارتباط الله بفكرة الجحيم الأبدي. إن الله بارتباطه بفكرة الجحيم يكون قد أصبح أقسى القساة وأكثر الأشياء تعذيباً، وهذا الجحيم الذي صوره الله في كتبه السماوية وشرعه عقابا للبشر لا يمكن إلا أن يعبر عن مستويات نفسية وعقلية تصل للمستوى السيكولوجي السادي الأخلاقي والمرضي.

فرؤية إنسان يتعذب بنيران الجحيم وسماع صرخاته لمجرد أن الإنسان لم يؤمن بوجود الله هو تجسيدٌ للسادية بعينها! كيف يمكن لله أن يسمع صراخ أولئك الذين يشوون بتلك النيران ويكون قادرا على إيقاف هذه العذابات ولا يوقفها؟! كيف يمكن لله أن يكون سعيدًا وهو يسمع صراخ أولئك الذين يحرقون بتلك النيران إلى اللانهاية؟!

كيف يمكن لله أن يقول على من يقاسي هذه الويلات "إلى الأبد" أنه خلق الإنسان على صورته على مثاله؟! كيف يستطيع أن يقول الله عن نفسه أنه يحب الإنسان وهو يصور له عذاب الجحيم. يحبه ومن محبته العظيمة خلق له الجحيم! الجحيم لكل من لا يكون كما يريده الله أن يكون. والذين يجرؤون على مناقشة هذا الموضوع فإنهم يقاسون الويلات على الأرض من قبل ممثلي الله على الأرض! ويعانون النبذ الاجتماعي ويعانون الاضطهاد من قبل الذين يؤمنون بالله ويحملون على عاتقهم مهمة تنفيذ ساديته. أليس هذا الله هو معلمهم؟!

إذا كنتَ إنساناً صادقاً ومحباً وعطوفاً وعادلاً وطبقتَ التعاليم التي أمر الله بتطبيقها فإن هذه الأمور لن تشفع لك إن لم تؤمن بوجود الله! لا يمكن أن تتخيل وحشيةً أقسى من هذه الوحشية. لا يمكن أن تتخيل ساديةً أكثر إيلاماً من هذه السادية. أي ذنب يستحقه الإنسان على هذا العذاب من قبل أعدل العادلين وارحم الراحمين؟!

كيف يمكن لإله عادل ورحيم أن يعتقد أن الخلود في الجحيم جزاء عادل بل ورحمة للإنسان الذي لم يكن غير ما أراده الله؟! إن الله بخلقه لفكرة الجحيم هو أقسى الظالمين والطغاة إذلالا وإرهابا وتحطيما للمغلوبين. لو أخذنا الأب الجسدي للإنسان والذي يحوي الخطايا والشهوات والشرور وبالتأكيد غير الكلي الرحمة لرأينا أنه لا يستطيع أن يحرق فلذة كبده مهما فعل هذا الابن من شرور وخطايا، فكيف يمكن لله الذي يقول أن محبته لا متناهية للذين خلقهم أن يحرقهم ويعذبهم بنار الجحيم الأبدية؟!

ثم لماذا يذكرنا الله بأفعال إبليس؟! ولماذا يحذرنا من حبائل الشيطان؟! مع أنه الكلي القدرة! ويستطيع سحقه ببساطة كما يسحق الإنسان حشرة مزعجة!. أليس لأن الشيطان على الأقل يضاهي الله قوة؟!
أليس لأن فكرة الله مرتبطة بفكرة الشرير بالأصل وبالتالي سينتفي وجود الله إذا انتفى وجود هذا الشرير؟!.
لنضرب مثالاً: الإنسان يحذر أبناء جلدته من خطر الفيضانات ويحاول درء أخطارها ولا يستطيع منعها لأن الفيضانات مدمرة وقاتلة وأقوى من الإنسان ولا يستطيع الإنسان السيطرة على سيولها الجارفة التي تقتلع البيوت والنباتات من جذورها، والله عندما يحذرنا من الشرير فهذا معناها أن هذا الشرير أقوى من هذا الله!. وإذا كان الله أقوى من الشيطان _وهذا هو المفروض_ فهل خلق الله الشيطان للتسلية؟!

هل خلق الله الشيطان لكي يوقع بالبشر ويراهم يتعذبون؟! هل يقامر الله مع الشيطان ليوقع البشر في التجربة؟!
أم أنه خلق الشر ليتفاخر بالخير؟!.
إذا الله أحبنا بصدق كما يدعي، لكان الشيطان ميتا الآن، أما أن يترك الشيطان يصول ويجول ويضع الله الشهوات في نفس الإنسان وفي الوقت عينه يقول له أنا أحبك لكنني لن أقتل الشرير الذي سوف يهلككَ ويذهب بكَ إلى الجحيم الأبدي! فأيّ حب هذا؟!.

ثم إذا كانت الروح لا تموت كما يقول لنا الله معناه أن الشيطان أبدي أيضا لأنه روح، صحيح أنها روح شريرة ولكنها تبقى روح، إذاً هي خالدة مثلها مثل الله! وخاصة أن هذه الروح لها القدرة على أن تفعل، والذي يستطيع أن يفعل شيئاً إلى الأبد معناه أن له سلطانا وقوة أبدية تحاكي قوة الله الأبدي.

نحن نصلي ونمجد الله، هل محبة فيه أم خوفاً من جحيمه؟! وهناك فرق عظيم بين الحالتين، فالله يفرق بين الصلاتين وهو يحاسب البشر بناءً على ما يحملون في قلوبهم. ألا يعلم الله أن البشر يصلون من أجل أن يتحاشوا بطشه وعذاب جحيمه؟! فإذا كان يعلم وهو العليم، أليست هذه صلاة باطلة لأنها غير نابعة من القلب وليست تعبيراً عن شكرٍ إلهي؟! وإذا كانت مرفوضة أليس هذا ظلماً من قبل الكلي الرحمة بحق من يصلون؟!

لماذا يفرض الله على الإنسان أن يحبه بتهديده له بالجحيم والحياة الأبدية في النار؟! هل يكذب الله على نفسه أم أنه يكذب على البشر عندما يشاهد البشر يمجدون اسمه ويسجدون خنوعاً وإذلالاً له وخوفا من بطشه وليس محبة فيه؟! ألا يعبّر هذا الخنوع وهذا التمجيد والتسبيح من قبل البشر عن ساديةٍ من قبل الله؟!

هل يشبع الله نرجسيته وحب الذات لديه برؤية هذا الكم الهائل من التمجيد والتأليه؟! يقولون: "من قال للظالم: سلام فقد اشترك معه في ظلمه" فماذا يكون من يمجد الله صباح مساء؟! قد أقام الله عرشا من النار والدماء.. فهل يستطيع الجلوس عليه؟! ما أضعف الله إذا لم يستطع أن يرفع من قيمة نفسه إلا بالتهديد والوعيد والجحيم!. وإذا كان الله جباراً.. عظيماً.. فليسع لكي يشعر الناس نحوه بالحب لا بالخوف.

الايميل:
 sami198420@hotmail.com

شاهد أيضاً

عندما يغادرنا مبدعٌ كالموسيقار جورج جاجان

14-05-2021 بقلم سعيد لحدو تعود الموسيقا السريانية بجذورها إلى حضارة مابين النهرين وطقوسها الدينية والمهرجانات …