الرئيسية / أخبار سوريا / مجلة قلمون تنشر بحثا حول نضال السريان الآشوريين في سوريا ضد القمع البعثي

مجلة قلمون تنشر بحثا حول نضال السريان الآشوريين في سوريا ضد القمع البعثي

07-10-2023

نشرت مجلة قلمون في عددها الأخير (٢٤) بحثا بعنوان “النضال السرياني الآشوري ضد القمع البعثي” بقلم الرفيق الأستاذ كبرييل موشي كورية مسوؤل المنظمة الآثورية الديمقراطية ننشره كاملاً:
أولاً: مقدمة تاريخية: من هم السريان الآشوريون؟
يعتبر الشعب السرياني الآشوري من أقدم الشعوب في منطقة بلاد ما بين النهرين وسوريا ببعدها الجغرافي الطبيعي، وهذه حقيقة يدركها القاصي والداني وتعززها باستمرار المكتشفات الأثرية التي ظهرت وتظهر في كل المواقع المكتشفة لحد الآن. وخلال مسيرته الإنسانية والحضارية الموغلة في القِدَم، عُرِف هذا الشعب بالعديد من الأسماء التي ورثها من أسلافه، ولقرونٍ طويلة أطلقت التسمية السريانية على كنائسه المتعددة وما تزال، فيما زاد الاسم الآشوري شيوعاً واستعمالاً مع نمو الوعي القومي عند شعوب المنطقة أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وترسّخ أكثر مع نشوء تنظيمات سياسية قومية تبنّت هذا الاسم بالمعنى القومي الشامل الذي يستوعب جميع التسميات الأخرى دون أن يزيحها من التداول، لاسيما الاسم السرياني الذي تمّ التعاطي معه كصنوٍ ومرادف للاسم الآشوري. تعدّد التسميات في واقع الأمر خلق حالة من الإرباك لدى الشركاء من الشعوب الأخرى، التي تولّد لديها انطباع بوجود شعوب أو هويات متعدّدة تتبع لهذه الكنيسة أو تلك، كما وفّر الذرائع لبعض أتباع هذه الكنائس وبعض رؤسائها للتقوقع على الذات من خلال تغليب التباينات اللاهوتية على حساب المشتركات اللغوية والثقافية والقومية، إمّا حفاظاً على امتيازات محدّدة أو خوفاً من الانخراط في مشاريع سياسية قد تستجّر نقمة الحكومات عليها، وإخراجها بالتالي من السكينة التي ألِفَتها بعد قرون من الذميّة المديدة.
على العموم فإنّ معظم الناطقين بالسريانية من سريان وكلدان وآثوريين ونخبهم درجوا على استخدام هذه الأسماء، تارة بشكلٍ ثلاثي، وأحياناً بشكلٍ ثنائي (سرياني آشوري) وأخرى بشكل منفرد (سرياني، آشوري، كلداني) للدلالة على وحدة الهوية والانتماء لشعب واحد يمتلك العديد من الخصائص والمزايا الثقافية والقومية التي تميزه عن غيره من الشعوب. وبِما يتجاوز التقسيمات الكنسية التي يتوزّع عليها أبناء هذا الشعب.
والاسم السرياني هو حصيلة لجميع الحقب الحضارية التي مرّت بها المنطقة، الاكادية والبابلية والآشورية والآرامية، وعرفت المنطقة منذ القرن الخامس قبل الميلاد باسم آسوريا المتأتية من اسم آثور، آشور، آسور، وآثوريا وآسوريا وتالياَ سوريا، وعرف شعبها تبعا لذلك باسم السريان كاشتقاق حرفي للاسم الآشوري أو كتنويع لفظي له. كما يؤكد العديد من المؤرخين والباحثين. والأهم من ذلك هو في كيفية تقديم وتعريف أبناء الشعب لأنفسهم، وكيفية تعاطي النخب الدينية على مختلف تسميات كنائسها مع هذه المسألة، و كذلك فإنّ الأحزاب والمؤسسات السريانية لا تفرّق بين الاسمين السرياني والآشوري . بناء على ذلك، فإنّ غالبية النخب المؤثِّرة في المجتمع باتت تنظر للاسم السرياني باعتباره خلاصة تاريخية لمجمل حضارة ما بين النهرين وسوريا، حيث تعزّزت هذه التسمية وتكرّست أكثر مع انتشار المسيحية واعتناق السريان لها والتبشير بها في معظم العالم القديم شرقا وغربا، وأصبحت اللغة السريانية بشقيها الشرقي والغربي والتي ظلّت لمدة تقارب الألف عام لغة رسمية منذ القرن السابع قبل الميلاد وحتى القرن السابع الميلادي، . وما تزال اللغة السريانية بلهجتيها الشرقية والغربية، حيّة في الليتورجيا والطقوس الكنسية لدى كل الكنائس السريانية (السريانية الأرثوذكسية والكاثوليكية، كنيسة بابل للكلدان، الكنيسة الآشورية الشرقية، كنيسة المشرق القديمة، الكنيسة المارونية).فقط الكنيسة الملكية (الروم الارثودوكس والكاثوليك) ا تخلت عن اللغة السريانية في طقوسها لصالح العربية واليونانية، رغم استمرار اللغة السريانية حيّة في الحياة اليومية لدى أبناء الكنيسة الملكية في مدينة معلولا، إلى جانب المتحدثين بها من المسلمين من أهالي قريتي جبعدين وبخعا المجاورتين لها في جبال القلمون.
بعيداً عن الغوص في أعماق التاريخ، ومن أجل تفادي الدخول في جدل التسميات الذي ما يزال يشغل الكثير من أبناء هذا المكوّن، فإنّ الاسم الآشوري في مرحلة النهوض القومي مطلع القرن العشرين، طغى استعماله على بقية الأسماء باعتباره اسماً قومياً شاملاً يتجاوز الطوائف ويستوعب التسميات الأخرى، وكذلك لأسبابٍ سياسية ونفسية تهدف إلى استنهاض المشاعر والمعنويات من خلال ربط الحاضر بأمجاد الدولة الاشورية القديمة. هذا السلوك لم يقتصر على السريان آنذاك، بل سارت عليه العديد من الشعوب وحركاتها القومية في الشرق والغرب من أجل شدّ العصب القومي من خلال ربط الحاضر بماضٍ مجيد بأحداثه وأبطاله (العرب، الكرد، وغيرهم). لهذا فإنّ روّاد النهضة القومية الأوائل من أمثال آشور يوسف ونعوم فائق ويوحنا دولباني (وجلّهم من كنيسة السريان الأرثوذوكس) غلب في كتاباتهم وأشعارهم (التي تحولّت لاحقاً لأناشيد قومية تناقلتها الأجيال) استخدام الاسم الآشوري دون إغفال التسميات الأخرى (السرياني، الآرامي، الكلداني) باعتبارها جزء من إرثهم الحضاري الواحد والذي ما تزال كنائسهم تتباهى باستخدامها مع إضفاء شيء من الخصوصية عليها. نسجت الأحزاب القومية التي تأسّست لاحقاً، على هذا المنوال، وتبنّت الاسم الآشوري باعتباره اسماً قومياً شاملاً كرّسه روّاد النهضة القومية. في البداية تأسّست المنظمة الآثورية الديمقراطية في سوريا عام 1957 (الاسم الآثوري هو اللفظ السرياني للاسم الآشوري)، ثمّ تأسّست الحركة الديمقراطية الآشورية في العراق عام 1979، وبعدها الاتحاد الآشوري العالمي في باريس عام 1968. بعد ذلك نشأت أحزاب حملت التسميات (السريانية، الآرامية، الكلدانية)، والملفت أنّ جميع هذه الأحزاب وعلى مختلف تسمياتها تتوجّه بخطابها السياسي إلى نفس الحاضنة الشعبية، وتكاد مطالبها تتشابه إلى حد التطابق تبعاً لظروف كل دولة تنشط داخلها.
كانت المرّة الأولى التي جرى فيها استعمال التسمية المركّبة في مؤتمر السلم في باريس عام 1919 عندما قدّم وفد تكوّن من معظم كنائس هذا الشعب وترأسّه المطران أفرام برصوم (لاحقاً أصبح بطريركاً للكنيسة السريانية الأرثوذكسية) مطالبه باسم الشعب الكلدو آشوري . وفي مؤتمر بغداد عام 2003 جرى تبنّي الاسم الثلاثي (الكلداني السرياني الآشوري).
إنّ التسمية المركّبة (ثنائية أو ثلاثية) قطعاً لا وجود تاريخي لها، وإنّ استعمالها بالتأكيد ينطلق من دوافع سياسية تبنّتها معظم النخب والأحزاب السريانية الاشورية في سوريا والعراق، وفرضتها الحاجة إلى اعتماد وحدة الانتماء القومي لهذا الشعب بمختلف تسمياته، وضمان حقوقه في الدستور والتشريعات والقوانين الوطنية، وكذلك الهروب من معضلة تعدّد التسميات ومنع استخدامها كذريعة للانقسام.
وجدنا هذه المقدمة ضرورية لمنع حصول أي التباس لدى القارئ، وسنحاول في هذا البحث التزاماً بالمحاور التي وضعتها إدارة مجلة قلمون استخدام الاسم السرياني بمفرده ولكن بمعناه الواسع والشامل.
المطران أفرام برصوم وأعضاء الوفد الآشوري الى مؤتمر الصلح باريس 1919
ثانياً: السريان في سوريا:
يشمل الوجود السرياني معظم دول المشرق: في سوريا، العراق، تركيا، لبنان، الاردن، إيران. ولكن لسوريا مكانة خاصة لدى عموم السريان في كل مكان لأنها حملت أسمهم وحملوا اسمها كما قال قداسة البطريرك مار اغناطيوس زكا الأول عيواص بطريرك انطاكيا وسائر المشرق والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الارثودكسية في العالم في معرض كلمته في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر التراث السرياني التاسع المقام في مكتبة الأسد بدمشق تحت رعاية وزارة الثقافة السورية بالتعاون مع مركز الدراسات السريانية التابع للرهبانية المارونية الانطونية في لبنان.
يرتبط السريان أيّاً كانت جنسياتهم الحالية والبلدان التي يعيشون فيها، برباط عاطفي متين بسوريا، وينظرون إليها بوصفها وطن الآباء والأجداد. وفي الحقيقة فإن الوجود السرياني في سوريا يمتد لآلاف السنين، وهناك مئات من المواقع الأثرية في الجزيرة وعلى امتداد رقعة الوطن السوري، تدلّ على آثارهم، وتشير بوضوح إلى عراقة الوجود الإنساني والحضاري السرياني وقِدَمِه في هذه المنطقة، حيث تزدان المتاحف الوطنية السورية والمتاحف العالمية بكنوز هذه المواقع. لهذا يعدّ السريان أنفسهم جزءاً أساسياً وأصيلاً من النسيج الوطني الاجتماعي في سوريا. ما يزال الموروث الثقافي واللغوي والميافيزيقي للثقافة واللغة السريانية حاضراً في وقتنا الحاضر في الموسيقى والغناء الشعبي وعدد من التعابير في اللهجة المحكية وفي أسماء مئات المدن والقرى التي لا يمكن فهم معانيها إلا باللغة السريانية.
يعيش السريان في العديد من المدن السورية كحلب وحمص ودمشق، وتعتبر الجزيرة السورية من أهم معاقلهم. كما وتعتبر من مراكز النهضة القومية التي شهدها القرن العشرين. وبالقياس إلى عمرها القصير، فإنها عرفت واحدة من أكثر المراحل حيوية في التاريخ السرياني المعاصر وبمختلف المجالات الفكرية والثقافية واللغوية والاجتماعية. ولعب السريان في الجزيرة دوراً أساسياً في بناء العديد من المدن والبلدات في الجزيرة مثل القامشلي وقبور البيض وديريك وعامودا والدرباسية وأعادوا إعمار رأس العين والحسكة، وذلك بالتعاون مع شركائهم العرب والأكراد والأرمن. وما إن استقرت الدفعة الأخيرة من السريان (الآشوريين النساطرة) على ضفاف نهر الخابور، حتى بدأ هذا الشعب بإرساء دعائم حياته ومؤسساته وعمل على بناء علاقات متينة مع شركائه وفق أسس تقوم على الاحترام المتبادل، بعيداً عن نوازع الشك والارتياب، من أجل خلق واقع أكثر إيجابية. فتعاون الجميع على تثبيت قواعد الثقة والتعاون قبل الاستقلال وبعده، من خلال المشاركة في الأحزاب والمؤسسات الوطنية.
منذ تأسيس الدولة السورية، شارك السريان في الحياة العامة سواء في حقبة الانتداب الفرنسي، أو بعد نيل الاستقلال، وذلك بالتوازي مع انصرافهم إلى إنشاء مؤسساتهم الخاصة كالمدارس والأندية الرياضية والجمعيات الثقافية والاجتماعية والفرق الكشفية، وعملوا بالتعاون مع شركائهم على تثبيت قواعد الثقة والتفاهم وترسيخ أسس العيش المشترك. كما قاموا بدور فعّال في صنع النهضة الاقتصادية التي شهدتها الجزيرة على الصعيد الزراعي والصناعي والتجاري، وكانوا أوّل من أخضع الطبيعة القاسية والأراضي البور عبر استخدام العلم والآلة، ففي أقل من عشرة سنوات تحوّلت أراضي حوض الخابور الجرداء إلى قرى عامرة وواحات غنّاء، كما نقلت مزارع عائلتي أصفر ونجار الرائدة والشهيرة في منطقة رأس العين سوريا إلى مصاف الدول المتقدمة زراعياً. وكان لهم دور بارز في تفويت الفرصة على فرنسا في فصل الجزيرة عن سوريا عام 1937، حيث كان لموقف قداسة البطريرك مار أفرام برصوم الأول بطريرك الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية والمطران قرياقس تنورجي مع القوى والشخصيات الوطنية الأخرى دور هام في إفشال هذه الخطة، وفي إفشال الفتنة الأهلية التي دبرتها بعض الفئات في مدينة عامودا والدرباسية والحسكة في عام 1937 في سياق الخطة المذكورة أعلاه. كما شارك السريان بمختلف طوائفهم بفاعلية في مجمل الحياة السياسية، وفي الانتخابات البرلمانية ومن السياسيين المعروفين في تلك المرحلة سعيد اسحق والياس نجار.
تنطوي البيئة الاجتماعية للسريان الآشوريين على تنوّع في الانتماءات والمواقف السياسية مثلهم مثل بقية أطياف الشعب السوري. ومنذ تأسيس الدولة السورية انخرطوا في الأحزاب السورية بتنوعها قبل الاستقلال وبعده، حيث أقبلوا على الانتساب إلى الأحزاب السورية التقليدية التي نشأت في كنف الانتداب واستمرت في مرحلة الاستقلال مثل الكتلة الوطنية وغيرها. وبعد استيلاء البعث على السلطة، انضم الكثيرين منهم إلى الأحزاب الإيديولوجية التي اتسعت رقعة انتشارها وتأثيرها في المشهد السياسي السوري أملاً في نيل الاعتراف بوجودهم وهويتهم القومية، وضمان حقوقهم كمواطنين بالتساوي مع بقية السوريين. فكان منهم الشيوعي والبعثي والسوري القومي. وتجربتهم في هذا المجال لا تختلف كثيراً عن تجربة السوريين في بقية المحافظات ومن بقية ألوان الطيف السوري. إلا أنهم، بفعل العوامل الموضوعية التي لم تعد تخفى على أحد، فشلوا في النفوذ إلى عمق المجتمع والتأثير في الحياة السياسية كما يجب بسبب بعدهم عن المركز الذي احتكر الفعالية السياسية والاقتصادية بعيداً عن الأطراف.
إلّا أنّ تصاعد الخطاب القومي العربي الناصري والبعثي الذي مثّل نهجاً وفكراً أحادياً شمولياً تنكّر لحقيقة التنوع القومي والثقافي في البلاد، وسعى لصهر الآخر ضمن البوتقة العربية، إضافة إلى فشل الحكومات والأحزاب الوطنية الأخرى في إنجاز عملية التحوّل الديمقراطي وتحقيق العدالة والمساواة لجميع المواطنين، وتنامي النزعة القومية وصعودها لدى الشعوب الأخرى في الوطن. دفعت الشباب المثقف إلى التفكير بتشكيل حركة سياسية خاصة بالسريان الآشوريين، قادرة على تجسيد طموحاتهم وتطلعاتهم القومية والوطنية. فجاء تأسيس المنظمة الآثورية الديمقراطية في الخامس عشر من تموز عام 1957 بصفتها أول تنظيم سياسي في تاريخ هذا الشعب، على يد مجموعة من الطلاب المتحمسين، ولم تكن مصادفة أن يأتي ذلك بعد شهر واحد من تأسيس أول حزب كردي في سوريا على الرغم من عدم وجود أي علاقات سياسية في حينها، وهذا يؤشّر على تشكّل متغير موضوعي ودخول عامل جديد يتجسّد بمطالبة الأقليات بحقوقها داخل المجتمع السوري في حينها.
معظم المخاوف والهواجس التي انتابت أبناء الأقلّيات من تصاعد المد القومي العربي قد تحقّقت بعد سنة مع قيام دولة الوحدة بين سوريا ومصر محمولة على موجة ناصرية طاغية، مهدّت لقيام الحكم العسكري الشمولي المرتكز على منظومة أمنية صارمة، ألغت الحقبة الليبرالية القصيرة التي عرفتها البلاد بعد الاستقلال، ووضعت الأحزاب والتنظيمات القومية التي أنشأتها للتو نخب الأقليات أمام اختبار وجودي قاسٍ، زادت وطأته مع استيلاء حزب البعث على السلطة في سوريا عام 1963.
ثالثاً: دور السريان في مقاومة القمع البعثي
أحدث انقلاب العسكر الذين امتطوا إيديولوجيا البعث عام 1963 صدعاً عميقاً في الحياة السياسية في سوريا، وقطع كليّاً مع المرحلة القصيرة التي شهدت البلاد فيها إرهاصات الانتقال إلى دولة وطنية حديثة كان يتطلّع لها السوريون، وأجهض محاولات صياغة هوية وطنية جامعة تضم السوريين على مختلف انتماءاتهم القومية والدينية. وجرى تنحية قضايا التحوّل الديمقراطي، وحلّ مسألة التعدّد القومي، وبناء دولة القانون والمؤسسات جانباً وسحبها من التداول نهائياً، وهي قضايا لم تكن من أولويات الحكم الجديد ولم تحظَ باهتمامه أصلاً. على العكس اعتبرها قضايا ثانوية، وفي أحسن الأحوال مؤجّلة، لحين تحقيق الوحدة العربية ودحر الاستعمار والصهيونية، وحسم الصراع العربي – الإسرائيلي الذي احتلّ موقعاً مركزياً في خطاب وفكر الحكومات التي شكّلًها البعث، وما يزال (هذا الصراع) يُتَخَذ كذريعة من قبل البعث للإحجام عن إجراء أيّة إصلاحات ديمقراطية.
في هذه الأثناء، واصل البعث تأميم الشركات ومصادرة الأراضي والأملاك مكمّلاً ما بدأه عبد الناصر في دولة الوحدة، ما دفع الكثير من الصناعيين والمزارعين الكبار من السريان وغيرهم إلى مغادرة البلاد، في حين استفادت شرائح من الفلاحين السريان من توزيع الأراضي عليهم مثلهم مثل الكثير من السوريين في الأرياف ومن كافة المحافظات وقاد هذا الكثير من السريان إلى الانتساب لحزب البعث ليس قناعةً بإيديولوجيا البعث، وإنّما درئا من اتهامهم بمناهضة أهداف الثورة، وأملاً في الحصول على مناصب ووظائف وامتيازات حُجِبَت عن غير البعثيين، ونتيجة لذلك تحصّل البعث على خزّان بشري استخدمه بدهاء في إجهاض مختلف التوجّهات السياسية في المجتمع. وبعد أن استتبّت الأمور للحكم إثر انقلابات عسكرية متتالية ضد رفاق السلاح والعقيدة، وبعد قمع التحرّكات المناهضة له، وإثر هزيمة حزيران 1967 لم يكن من المستغرب أن تتدافع بعض القوى اليسارية والقومية العربية لدعمه وصولاً للتحالف معه باعتباره نظاماً تقدّمياً تجمعها معه الكثير من المشتركات ليس من بينها الديمقراطية بالتأكيد. وضمن هذه القوى كان هناك الكثير من الناشطين السريان من مختلف الطوائف والذين عملوا في صفوف الأحزاب الشيوعية والحزب السوري القومي ليس بدلالة انتمائهم القومي أملاً بقيام دولة علمانية تقوم على أسس المواطنة المتساوية، ومن انتسب على البعث آثر تبديل انتماءه والتدثّر بالعباءة الواسعة للقومية العربية، طمعاً في مكاسب وامتيازات موعودة لا يمكن بلوغها عبر انتمائه القومي والديني الضيق، ومن هؤلاء برزت بعض الشخصيات السريانية انحازت إلى بعث العراق ضد البعث السوري، البعض منهم تراجع عن موقفه، ومَن واصل عناده منهم، تمّ البطش به لاحقاً وبكلّ قسوة.
في تلك الفترة لم يكن في صفوف السريان من يجرؤ على تقديم نفسه بدلالة هويته القومية سوى المنظمة الآثورية الديمقراطية. التي تأسّست قبل سنوات قليلة من أجل الحفاظ على الوجود القومي السرياني وضمان حقوق السريان، وكانت التنظيم السياسي الوحيد الذي يعمل في صفوفهم. وبسبب الافتقار إلى الخبرة والتجربة السياسية لدى الجيل الأوّل والثاني من أعضائها، وأمام اشتداد القبضة الأمنية، وارتفاع ضجيج الشعارات التي تبشّر بقرب الوحدة العربية وفق النمط البعثي والذي صنّف كافة التعبيرات السياسية الممثلة للقوميات غير العربية باعتبارها تعبيرات سياسية مشبوهة (رجعية، انعزالية، شعوبية..الخ) تعادي تطلّعات الجماهير وتشغلها عن معاركها المصيرية. في هذا الجو المحموم والموتور، اضطرّت المنظمة (رغم نهجها السلمي المطلبي) إلى الانكفاء على الذات، واعتماد نهج السريّة الصارمة في نشاطها، حفاظاً على هيكلها التنظيمي وكوادرها من البطش، وركّزت عملها على الحيز الثقافي والاجتماعي والتبشير بالفكر في إطار مجتمعها القومي الخاص، ومن خلال المؤسسات والجمعيات التابعة للكنائس.
بدورها لم تسلم الكنائس ومؤسساتها من المضايقات، والمراقبة، حيث تمّ إغلاق نادي الرافدين الشهير عام 1962، ولم تسمح سلطة البعث بإعادة افتتاحه، بل على العكس أجبرت رياضييه على الانضمام لنادي الحرس القومي التابع لها، وعام 1969 أغلقت المدارس السريانية الخاصة التابعة للكنائس والتي تمّ تأسيسها في ثلاثينيات القرن الماضي. كما دفعت منتسبي البعث من السريان للتغلغل في المؤسسات السريانية من أجل تدجين هذه المؤسسات والتحكّم بها، وهذا النهج ما زال مستمرّا دون انقطاع. كل هذا خلق حالة من النفور والاستياء وحالة من عدم الاستقرار دفعت بالعديد من الناشطين والوجهاء وأصحاب الكفاءات إلى مغادرة البلاد ليشكّلوا أولى طلائع الهجرة عند السريان والتي لم تتوقف منذ ذلك الوقت، وإنّما تواصلت بتواتر تبعاً للأوضع السياسية والاقتصادية والأمنية التي سادت في البلاد.
في سردنا لأشكال مقاومة السريان لقمع البعث، اعتمدنا مبدأ التحقيب الزمني في كل عقد منذ سيطرة البعث على الحكم في سوريا، ولا سيما بعد استيلاء حافظ الأسد على السلطة. حيث اتخّذت الممارسات السلطوية أشكالاً شتّى تراوحت بين تشديد القبضة الأمنية وإرخاؤها أحياناً. ومعها تأرجحت ردود أفعال السريان وغيرهم من السوريين بين الاعتراض أو الانكفاء تبعاً للظروف التي عاشوها في ظل هذا الحكم.
في السبعينيات، وبعد انقلاب حافظ الأسد عام 1970 وسيطرته على مقاليد الحكم. انتهج في السنوات الأولى سياسة مختلفة نسبيّاً عن شركائه الذين انقلب عليهم، تمثّلت بالانفتاح على الأحزاب السورية بمختلف طيفها الإيديولوجي، وكذلك على البرجوازية المدينية في كلٍ من دمشق وحلب التي تضرّرت مصالحها بشدّة في السنوات السابقة، وأعطاها أملاً في إمكانية استعادة مكانتها ودورها في حال تأييده وإظهار الولاء له. كما نجح باستقطاب وجذب رجال الدين من كافة الأديان والطوائف ومنهم رؤساء الكنائس السريانية. وبالنسبة للسريان وتحديداً السريان الأرثوذكس، فإنّ الأسد الأب سمح بالبث المباشر للاحتفالات الدينية بالطقس السرياني والتي تقام بمناسبات الأعياد عبر الإذاعة السورية والتلفزيون الرسمي، وعلى جري العادة التي ألِفها السوريون في استغلال النظام للمناسبات الدينية، فإنّ حافظ الأسد كان يوفِد ممثلاً (غالباً وزير الدولة لشؤون الرئاسة) عنه لتقديم التهاني بالأعياد لرؤساء الطوائف. في ذات السياق كان يحرص على استقبال رؤساء الكنائس بين الفترة والأخرى مثلما كان يستقبل المشايخ من المؤسسة الدينية الرسمية للاستماع إلى مطالبهم وإسماعهم كلاماً يطيب لهم، وهو تقليد استمرّ مع وريثه. ثمّ أعاد تدريجياً فتح المدارس السريانية الخاصة التابعة للكنائس مع إخضاعها للرقابة الكاملة وتعيين مدراء بعثيين لها.
في بداية عهده عيّن الأسد الأب وزراء ومحافظين من البعثيين السريان وكذلك أعضاء في مجلس الشعب وفي مجالس المحافظات والبلديات وخاصة من محافظة الحسكة. ثمّ أصبح هذا نهجاً راسخاً في معظم الحكومات التي تشكّلت في عهده وتواصلت في عهد ابنه.
مع توقيع ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية والذي وافقت بموجبه مجموعة من الأحزاب اليسارية والقومية والناصرية على دخول الجبهة وعلى تكريس حزب البعث قائداً للدولة والمجتمع، بدأت تظهر ملامح معارضة سورية نتجت عن الانشقاقات التي حصلت داخل الأحزاب الإيديولوجية، تمظهرت على شكل تيّارات، سرعان ما تحوّلت إلى أحزاب حملت نفس الأسماء، حيث رفضت هذه التيارات التنازلات المقدّمة من قيادات أحزابها لحزب البعث. وبعد إقرار دستور الأسد عام 1973 ودخول الجيش السوري إلى لبنان، وتصاعد العنف المسلّح على خلفية الصراع الدموي بين النظام والطليعة المقاتلة المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين والذي اتّخذ أبعاداً طائفية، ازدادت حدّة الانتقادات لسياسات النظام، بالتوازي مع سعي هذه الأحزاب إلى تنظيم نفسها وتشكيل جبهة مضادة. واجه النظام هذه التحركات بشدّة وصرامة من خلال الأجهزة الأمنية وأطلق حملات اعتقال بدأت في منتصف السبعينيات واقتصرت بدايةً على المنتسبين لبعث العراق، لِتبلغ هذه الحملات ذروتها في مطلع الثمانينيات، ولم تستثنِ أيّاً من أحزاب المعارضة ولا حتى منتسبي النقابات المستقلة. وشملت هذه الاعتقالات العديد من الشخصيات السريانية التي كانت تنشط في صفوف حزب بعث العراق، والحزب الشيوعي- المكتب السياسي وحزب العمل الشيوعي، ومن لم يطالهم الاعتقال أجبروا على التخفّي والتواري أو الهروب إلى خارج البلاد.
في ظل هذه الأجواء واظبت المنظمة الآثورية الديمقراطية على السرية حفاظاً على هيكلها التنظيمي، واقتصرت نشاطاتها على العمل التوعوي التبشيري، وإقامة بعض النشاطات الحزبية مثل إحياء المناسبات القومية (كرأس السنة البابلية الآشورية الأكيتو وغيرها) على نطاقٍ ضيّق ومحدود، وإصدار بيانات ونشرات تتضمن انتقادات ذات نبرة هادئة للممارسات السلطوية والتنديد باستشراء الفساد الإداري والاجتماعي، والدعوة لإجراء إصلاحات، وتوسيع هامش الحرّيات وإفساح المجال أمام القوى الوطنية لممارسة دورها في خدمة البلد وتحقيق مصالح أبناء المجتمع. كما عبّرت عن مخاوف السريان من مآلات الصراع الدموي بين النظام وجماعة الإخوان المسلمين، وخشيتهم من قيام نظام حكم ديني، ونظرت لهذا الصراع باعتباره امتداداً للحرب الطائفية التي كانت تشتدّ استعاراً في لبنان، ورأت أنّ استمرار هذا الصراع من شأنه أن يطيح باستقرار المجتمع واستثارة الفتن الطائفية وما لذلك من تداعيات سلبية على كافة مكونات المجتمع ومن ضمنهم السريان.
في ثمانينيات القرن الماضي، وبعد القضاء على تمرّد الطليعة المقاتلة، وسحق كلّ أشكال المعارضة، وإيداع آلاف المعارضين في السجون والمعتقلات. دبّ الخوف في النفوس، والتزم الناس بالهدوء والسكينة جرّاء تضخّم حجم ودور الأجهزة الأمنية، وتدخلّها في أدّق تفاصيل حياة الناس. وبات الناس يخشون إدراجهم في لوائح المشبوهين وفق التصنيفات التي اعتمدتها أجهزة المخابرات لشرائح المجتمع والتي اشتغل عليها المخبرون الذين تضاعفت أعدادهم. في الجزيرة السورية كان يُشك بكل متديّن بأنّه من الإخوان المسلمين، وكل عربي غير بعثي يوصم بالصدّامية (موالي لصدّام حسين)، وكل كردي بأنّه بارزاني، وكل سرياني بأنّه كتائبي (نسبة لحزب الكتائب اللبناني)، ونتيجة لهذا التصنيف، وبناء على تقارير الوُشاة زُجّ بعشرات الشباب السريان في السجون بعد أن جاءوا من لبنان للالتحاق بخدمة العَلَم مستفيدين من قرارات العفو الصادرة آنذاك. معظمهم قضى عشرات السنين في السجون وبعضهم لم يُعرَف مصيره إلى اليوم.
رغمَ أنّ المنظمة الآثورية الديمقراطية في تلك الفترة اعتمدت خطاباً هادئاً وعقلانياً، أعطت فيه الأولوية للأوضاع الداخلية للسريان، ولم تسعَ للتصادم مع النظام، ولم تحاول أن تتجاوز خطوطه الحمراء في تعاطيها مع الشأن العام السوري. فإنّ النظام كعادته عمل على خلق شروخ وانقسامات بين المكوّنات وداخل كل مكوّن على حدة. وفي هذا السياق، فقد لجأت الأجهزة الأمنية عام 1984إلى استخدام بعض رجال الدين في الكنيسة السريانية ومعهم بعض الرعاع والزعران من عملائها، في شن حملة شرسة على المنظمة وتشويه سمعتها ومواقفها بذريعة الارتباط مع جهات خارجية مشبوهة، بهدف إبعاد كل من يُشتبه بأنّه آثوري من المدارس والمؤسسات السريانية. لكن المنظمة لم تنجّر لمثل هذه المهاترات، وتحاشت الدخول في مثل هذا الصراع العبثي، ولم يسلم من هذه الحملة حتّى رئيس أبرشية السريان في الجزيرة المطران قرياقس تنورجي الذي اتهم بالتعاطف مع الآثوريين. وقد أصدرت المنظمة بياناً بتاريخ 10/9/1984 فضحت فيه مخططات الأجهزة الأمنية الرامية إلى ضرب فئات المجتمع ببعضها البعض. وتمّ إفشال هذا المخطط من خلال التعاطي العقلاني والمسؤول للمنظمة، وعدم رضوخ رئيس الأبرشية لابتزاز هؤلاء، وبسبب التفاف وجهاء وشرائح المجتمع حول المنظمة ما أدّى إلى رفض هؤلاء ونبذهم اجتماعياً. إنّ هذا النهج الذي مارسه البعث في استخدام البعثيين وعملاء المخابرات في التضييق على المنظمة استمرّ إلى يومنا هذا، وتجلّى في أبشع صوره بعد انطلاق الثورة عام 2011عندما هاجم هؤلاء مقرّ المنظمة في القامشلي بسبب مشاركتها في المظاهرات السمية، ولم يتورّع هؤلاء عن وصمها بالإرهاب كعادة النظام باتهام كل معارض له بأنّه إرهابي وعميل للخارج. هذه البيئة المعادية للمنظمة والتي رعاها النظام، شكّلت واحداً من أبرز التحديات التي واجهت المنظمة وما تزال، لكنّها بنفس الوقت زادت صلابة وإصراراً معتمدة على تماسكها التنظيمي وسمعتها الطيبة بين شرائح واسعة من السريان، رغم اختلاف بعضهم معها بالتوجّهات السياسية.
عقدت المنظمة مؤتمرها العام السادس عام 1985 وأكّد المؤتمر على التلازم بين النضال القومي والوطني، ودعا إلى الانفتاح على القوى الوطنية وبناء علاقات تعاون معها.
وبعد أشهر من هذا المؤتمر، قامت المخابرات الجوية بشن حملة اعتقالات ضد المنظمة، جرت على دفعات، وطالت العشرات (22 شخص) من قياداتها وكوادرها خلال عامي 1986- 1987 هذه الاعتقالات لنخبة من الناشطين السريان من مختلف الطوائف السريانية الآشورية، أثّرت في المجتمع بشكلٍ كبير، وأثارت مخاوف في المجتمع بأنّ هناك استهداف للسريان، وبالتزامن، انتشرت حمّى الهجرة بشكلٍ متسارع بين السريان، حيث ترافق هذا الاعتقال مع تدهور متزايد في الأوضاع الاقتصادية والمعاشية، ودفع هذا الواقع بالعديد من الجهات والمؤسسات الكنسية والمدنية في الداخل والخارج إلى تكثيف الجهود وممارسة الضغوط والوساطات للإفراج عنهم. واستجاب النظام لهذه الوساطات وأفرج عن جميع المعتقلين بتاريخ 22/3/1987، ويمكن تفسير سرعة الإفراج عنهم إلى أنّ النظام ينظر نظرة مختلفة لأحزاب الأقليات، وتقييم خطرها لديه يختلف عن تقييم وخطر بقية أحزاب المعارضة. جاء الإفراج قبل أيّام من عيد رأس السنة البابلية الآشورية (الأكيتو) الذي أقيم في الأوّل من نيسان في إحدى القرى السريانية القريبة من مدينة القامشلي (الوطوطية)، حيث توافد الآلاف إلى المكان للمشاركة في الاحتفال، والتعبير عن التضامن والالتفاف حول المنظمة وقيادتها. ومنذ ذلك الوقت تحوّل عيد الأكيتو إلى احتفال شعبي في كافة الأوساط السريانية في الوطن والمهجر واكتسب هذا العيد بعداً قومياً شاملاً يتعدّى الحالة الحزبية كتعبير عن الوجود والتمسك بالبقاء في الوطن. إثرَ هذا الاختبار القاسي، اكتسبت المنظمة المزيد من الصلابة والثقة بالنقس، وشرعت باتخاذ خطوات باتجاه العمل العلني والتخلّي تدريجياً عن السرّية. وأقامت العديد من النشاطات والفعاليات مثل إقامة احتفالات سنوية بذكرى تأسيسها ومناسبات قومية متعدّدة والمشاركة في الاحتفالات التي تدعو لها الأحزاب الأخرى مستفيدة من سياسة غض النظر التي اتبعتها السلطة أحياناً حيال الأحزاب الخاصة بالأقليات، وشهدت تلك الحقبة انفتاحاً على بعض الأحزاب الوطنية وأحزاب الحركة الكردية، وزاد انخراطها في الشأن العام وتناوُل القضايا الداخلية بجرأة أكثر من ذي قبل.
شهد عقد التسعينيات تحوّلاتٍ دولية كبيرة تمثلّت بانهيار الاتحاد السوفييتي، وانتهاء الحرب الباردة، وظهور نُذُر حرب تحرير الكويت. سعى النظام لملاقاة هذه التحوّلات، واتخذ الأسد الأب بعض الخطوات توحي بالرغبة بالتكيّف مع هذه التحوّلات من خلال إحداث بعض الانفراجات الشكلية، وبدأت بالإفراج على دفعات عن بعض شخصيات المعارضة التي أمضت سنوات طويلة في السجون، ثمّ إجراء انتخابات مجلس الشعب عام 1990، والتي أعطى فيها لأوّل مرّة هامشاً للمستقلين وسمح لهم بالتنافس على بعض المقاعد دون أن يؤثّر ذلك على هيمنة حزب البعث وحلفائه في الجبهة واستحواذه على غالبية مقاعد المجلس. مع ذلك تدافع الكثير من الشخصيات ورؤساء العشائر ورجال الأعمال ومن مختلف الشرائح على خوض هذه الانتخابات. ومن القوى السياسية شاركت فيها أحزاب الحركة الوطنية الكردية، والمنظمة الآثورية الديمقراطية، فيما قاطعتها أحزاب المعارضة المعروفة والتي أنهكها النظام. مثّلت هذه الانتخابات تحدّياً حقيقياً للمنظمة لاختبار شعبيتها وقدرتها التمثيلية في أوساط السريان بمختلف طوائفهم، رغم وجود قناعة مسبقة بأنّ النظام سيتدخّل في توجيه العملية الانتخابية لصالح أزلامه في نهاية المطاف. وعلى عكس التوقّعات، أسفرت النتائج في محافظة الحسكة عن نجاح مرشّح المنظمة الأستاذ بشير سعدي وثلاث شخصيات من قيادات الأحزاب الكردية. وفي هذه المشاركة، برهنت المنظمة على قدرة تمثيلية تفوق بمراحل شعبية كل المنافسين في المجتمع السرياني بما في ذلك المرشحين الذين ساندتهم الكنائس والطوائف. كما شاركت المنظمة وبالتحالف مع أحزاب الحركة الكردية في بعض انتخابات الإدارة المحلية والنقابات المهنية وحقّقا معاً بعض النجاحات والاختراقات ضد مرشّحي البعث وأحزاب الجبهة. في الدورات اللاحقة لانتخابات مجلس الشعب، تدارك النظام خطأه، وعاد إلى سيرته الأولى في التلاعب بالانتخابات وتزويرها لصالح الموالين وقطع الطريق على التعبيرات السياسية المعارضة من الوصول لمجلس الشعب مجدّداً. ورغم يقين المنظمة بناء على تجربتها، بأنّ الانتخابات سوف تكون معلّبة ومزوّرة وبأنّه لن تتوفّر أمامها فرص للنجاح مهما حصّلت من أصوات. مع ذلك فإنّها واظبت على المشاركة في الدورات اللاحقة، من خلال اتّباع تكتيك يرمي إلى الاستفادة من الفترة القانونية للدعاية الانتخابية التي تمتد لحوالي الشهر، بهدف تحريك وتنشيط قواعدها وتطوير خبراتهم في التعاطي مع الشأن العام، واستمالة شباب جدد وجذبهم لصفوفها، وتعزيز ثقة المؤازرين، وإمكانية الوصول إلى أوسع الشرائح من خلال التجمّعات والندوات لشرح رؤيتها وبرنامجها الذي عرض خطاباً مختلفاً عن الخطاب السائد من خلال التركيز على الإصلاح وأهمية الانتقال التدريجي نحو الديمقراطية، وقد حقّقت الكثير من هذه الأهداف رغم تعرّض المندوبين والناشطين الذين عملوا معها للمضايقات والاستدعاءات الأمنية المتكررة والتي وصلت إلى فصل البعض من وظائفهم.
مطلع تسعينيات القرن المنصرم، أصدر حافظ الأسد مرسوم الاستثمار رقم (10)، من أجل التمهيد لعملية التوريث، وانتشال الاقتصاد من الأزمات التي يتخبّط بها. وللاستفادة من ذلك فإنّ المنظمة الآثورية الديمقراطية استخدمت نفوذها وتأثيرها لدى الجاليات السريانية في دول المهجر من أجل جلب بعض الاستثمارات وتوطينها في الجزيرة السورية على شكل مشاريع اقتصادية بهدف تثبيت السريان في وطنهم، والتخفيف من الهجرة التي مثّلت خطراً وجودياً بالنسبة للسريان وما تزال. للأسف فإنّ هذا المسعى وإن حقّق بعض النجاح النسبي، لكنّه لم يستمر بسبب تفشّي الفساد والمحسوبية وتخلّف القوانين التي تشجّع على الاستثمار.
أواسط التسعينيات ظهرت النتائج الكارثية للارتجال وسوء التخطيط المقترنة بالفساد في منطقة الخابور، وتجلّى ذلك بجفاف نهر الخابور، وانقطاع مياه الشرب، وأدّى ذلك إلى تضرّر الزراعة ودمار البساتين التي شكّلت مورد الرزق الأساسي لأبناء المنطقة الذين أخذوا يفكرون بالهجرة. وبسبب تهرّب الحكومة من القيام بمسؤولياتها، أخذت المنظمة على عاتقها مسؤولية تأمين مياه الشرب من خلال شراء صهاريج توزّع مياه الشرب مجاناً على أبناء (34) قرية في الخابور وذلك بالتعاون مع بعض المؤّسسات في المهجر.، وأثار هذا الفعل الإنساني والخدمي والبعيد كل البعد عن السياسة نقمة واستياء النظام وعملائه، فسارع إلى اعتقال ثلاثة قياديين من المنظمة هم: (عزيز آحي، بشير سعدي ويونان طليا) وأحالهم إلى محكمة أمن الدولة العليا بالتهم المعروفة، ثمّ أفرج عنهم بعد أشهر بفعل الضغط الشعبي والجهود المبذولة من بعض المؤسسات السريانية في الخارج وكذلك بعض رؤساء الكنائس السريانية.
ا
استقبال القياديين الثلاثة الذين اعتقلوا على خلفية توزيع المنظمة المياه في قرى الخابور1997
في مطلع الألفية الجديدة، وبعد وفاة حافظ الأسد، جرت عملية التوريث لابنه بشار الأسد بسلاسة وبموافقة إقليمية ودولية، واستبشر السريان مثل غيرهم من السوريين خيراً بالعهد الجديد بعد إغداق الوعود بالإصلاح والتحديث، حيث لاحت مؤشّرات توحي بحصول انفتاح، يمكن تلمّس معالمه في صدور بيانات المثقفين، وتشكيل المنتديات ولجان إحياء المجتمع المدني التي بشّرت بقدوم الربيع الذي سمِّي بربيع دمشق. لكن سرعان ما انقض النظام على هذا الحراك الوطني مستخدماً قبضته الأمنية الثقيلة التي لم تتراخَ قط.
رغم ظهور أحزاب أخرى مثل الحزب الآشوري الديمقراطي، وحزب الاتحاد السرياني في الأوساط السريانية، إلاّ أنّ المنظمة الآثورية الديمقراطية بقيت وحدها في معترك العمل السياسي المعارض الذي اتخذ مساراً تصاعدياً وتراكمياً في تلك الفترة وصولاً إلى بداية الثورة السورية عام 2011 حيث كانت جاهزة للانخراط فيها.
في بداية الحراك أي منذ استلام بشار الأسد للسلطة عام 2000، قامت وفود قيادية من المنظمة بالتعاون والتنسيق مع بعض الشخصيات السريانية التي كانت تعمل في صفوف أحزاب المعارضة بعقد لقاءات عديدة مع أحزاب المعارضة ورموزها، ومع العديد من الشخصيات الوطنية ولجان إحياء المجتمع المدني وكذلك منظمات حقوق الإنسان، وتبيّن أنّ هؤلاء لا يعرفون الكثير عن المنظمة ولا عن السريان وقضيتهم، وأنّهم لا يملكون تصورات واضحة وعمليّة لحل مسألة التنوّع القومي في البلاد، وأنّ جلّ معرفتهم وخبرتهم تكاد تقتصر على القضية الكردية، ويُعزى سبب ذلك إلى انشغال معظم أحزاب المعارضة (قبل إجراء المراجعات لاحقاً) بالقضايا الكبرى آنذاك حيث كانت طموحات وبرامج البعض منها تتجاوز الكيان السوري، وبعضها بقي أسيراً لاصطفافات الحرب الباردة التي تصغر وتتضاءل أمامها القضايا الداخلية ومنها قضايا التنوّع القومي. هذه اللقاءات خلقت نوع من الفهم والتفهّم المتبادل، ومهّدت الطريق أمام المنظمة للانخراط في كافة الفعاليات التي أقامتها المعارضة في العديد من المدن السورية ولا سيما دمشق، حيث شاركت في المنتديات ولجان إحياء المجتمع المدني. كما أصدرت بيانات تستنكر الاعتقالات التي طالت شخصيات المعارضة والناشطين، وشاركت في جلسات المحاكمة والاعتصامات التي دعت لها المعارضة للمطالبة بإلغاء حالة الطوارئ في البلاد، ومثّلت المشاركة في الاعتصامات مع قوى وشخصيات المعارضة نقطة تحوّل في مسار المنظمة، أكّدت من خلالها قدرتها على حسم خياراته، واستعدادها لتحمّل تبعات ذلك من خلال التمرّن على تجاوز حالة الخوف والتردّد.
أثناء انتفاضة آذار الكردية في القامشلي عام 2004 ساهمت المنظمة بجهود الوساطة لتخفيف الاحتقان بين الأكراد والعرب، والسعي لمنع تحويل ما جرى إلى صراعٍ قومي، وذلك بالتعاون مع وفد لجان المجتمع المدني المطعّم ببعض شخصيات المعارضة الذي زار القامشلي آنذاك والتقى مع مختلف الفعاليات فيها. ، كما قامت بجهد مشترك مع مطران الجزيرة للسريان المطران متى روهم تمثّل بعقد لقاءات مع قيادات الحركة الكردية ومع شيوخ العشائر العربية وحثّهم على التزام الهدوء وضبط النفس والتمسّك بقيم العيش المشترك والحفاظ على السلم الأهلي. بعد انتفاضة آذار بأشهر، تظاهر المئات من الشباب السريان الغاضبين في مدينة الحسكة احتجاجاً على مقتل شابين سريانيين بدم بارد على يد ضابط من إحدى العائلات العربية، واحتجاجاً على تقاعس السلطات المحلية في إبعاد هذه العائلة عن الحي الذي وقعت فيه الجريمة كما تقضي الأعراف في مثل هذه الحالة، وخلال التظاهر اعتدى بعض الشباب على بعض ممتلكات هذه العائلة، وجرّاء ذلك اعتقلت السلطات العشرات من الشباب السريان وحوّلتهم إلى محكمة الجنايات العسكرية بحلب، وبعد أشهر تمّ الإفراج عنهم بجهود مشتركة من المنظمة والمطران يوحنا إبراهيم الذي خُطِف منذ نيسان عام 2013 وما يزال مصيره مجهولاً. وللأسف فإنّ محاولات النظام في ضرب فئات المجتمع ببعضهم البعض وإثارة الفتن بينهم استمرت، وظهرت بعد فترة قصيرة في الحادثة التي جرت بين أهالي السويداء والبدو، في ظل غياب القانون أو تطبيق انتقائي له.
بعد اغتيال رفيق الحريري عام 2005، وقّع مسؤول المنظمة الأستاذ بشير سعدي على عريضة مع 250 شخصية وطنية تطالب بشار الأسد بسحب الجيش السوري من لبنان وصياغة علاقة صحية وندية مع لبنان وتخفيف الضغوط الخارجية على سوريا.
خلال تلك الفترة فإنّ المنظمة ركّزت في خطابها على إلغاء المادتين الثالثة والثامنة من الدستور السوري، إقامة نظام ديمقراطي علماني، وإطلاق الحريات العامة، وتوسيع نطاق المشاركة السياسية، وإلغاء كل أشكال الاحتكار والاستئثار، وتغليب المصلحة الوطنية العليا على كل الاعتبارات الأخرى. ونادت باعتبار سوريا وطناً نهائياً لكل أبنائها. واعتبار الهوية الوطنية السورية بما تحمله من تنوع حضاري وقومي وثقافي وديني، هوية وطنية جامعة لكل السوريين، أيّاً كانت انتماءاتهم. ويتساوى في ظلها الجميع وفقاً لمبدأ المواطنة. وربطت قضية الديمقراطية ربطاً جدلياً باحترام حقوق الإنسان، وحل مسألة التعدد القومي في الإطار الوطني، وعدّت ذلك معياراً لمصداقية أي نظام ديمقراطي. كما طالبت بإجراء إصلاحات عميقة وحقيقية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والإدارية والتعليمية. ورأت أن عملية الإصلاح هي حاجة مجتمعية دائمة ومستمرة، وتستجيب لمصلحة الوطن والمواطن، ولا يجوز ربطها مطلقاً بالضغوط والمصالح الخارجية، أو بانتهاء الصراعات الإقليمية. وركزت على أولوية الإصلاح السياسي باعتباره المدخل الأساسي لأية عملية إصلاحية لتجنيب المجتمع أية فوضى أو هزات محتملة قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار والسلم الأهلي. وعلى هذا الأساس شاركت في العديد من المؤتمرات التي دعت إليها أطراف المعارضة وقدّمت أوراق تعبّر عن رؤيتها ومواقفها، كان أبرزها الورقة التي قدمها مسؤول المنظمة الأستاذ بشير سعدي في المؤتمر الذي نظمه منتدى الأتاسي عام 2005 حيث تضمنت الورقة عدّة مطالب يمكن إجمالها بما يلي:
1- وقف العمل بقانون الطوارئ والأحكام العرفية.
2- إلغاء كافة المحاكم الاستثنائية وجميع الأحكام التي صدرت عنها، كمحكمة أمن الدولة.
3- الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي من السجون السورية، وطي ملف الاعتقال السياسي بشكل نهائي.
4- منح الجنسية للمحرومين منها من الأخوة الأكراد وغيرهم كنتيجة لإحصاء عام 1962، وإعادة جميع المنفيين لأسباب سياسية إلى الوطن.
5- إصدار قانون ديمقراطي وعصري للأحزاب يأخذ بالاعتبار التنوع السياسي والثقافي والقومي في سوريا.
6- إصدار قانون ديمقراطي عصري للانتخابات التشريعية والمحلية يحقق ويضمن التمثيل الصحيح لكل مكونات الطيف السوري.
7- الاعتراف بالشعب السرياني الآشوري كشعب أصيل في سوريا، وبلغته وثقافته السريانية كلغة وثقافة وطنية سورية أصيلة، والعمل على حمايتها وإحيائها.
8- سن قوانين تحمي المجتمع من كل أنواع التعصب والتمييز الديني والقومي.
9- وضع برامج وطنية على أسس علمانية، للتنشئة الاجتماعية والثقافية والتربوية في المدارس السورية، تقوم على نشر ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان.
10- أن يحفظ الدستور ويضمن الحقوق الثقافية والسياسية لجميع الأقليات القومية في سوريا.
11- المساواة الكاملة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق والواجبات وإلغاء كافة أشكال التمييز ضدها.
12- أن يشمل الإصلاح كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والإدارية، والقضاء، ومكافحة ظاهرة الفساد بمعالجة جميع أسبابها.
13- استقلال القضاء والفصل بين السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية.
14- إبعاد الجيش عن السياسة وتحييده لتبقى مهمته الدفاع عن الوطن وحمايته.
بعد إجهاض ربيع دمشق وتشديد القبضة الأمنية، استمرت المنظمة في تعزيز علاقاتها مع المعارضة السورية، وتوّج ذلك بانضمامها لإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي. وهذا الموقف قوبل بتوجس وحذر وعدم ارتياح من قبل بعض شرائح المجتمع السرياني وحتى من بعض أعضاء المنظمة التي حسمت خيارها بالانضمام إلى المعارضة، حالة عدم الارتياح نجمت عند البعض من وجود جماعة الإخوان المسلمين في الإعلان، وعند البعض الآخر نابعة من خشيتهم على المنظمة انطلاقاً من معرفتهم ببنية وطبيعة النظام القمعية، وليس خافياً على أحد بأنّ معظم السوريون في تلك الفترة كانوا يُحاذرون من الاقتراب من المعارضة بسبب عقدة الخوف المتجذّرة في النفوس منذ عقود خبروا فيها قمع النظام وبطشه.
رابعاً: رؤية السريان المستقبلية لبناء الدولة السورية الوطنية والديمقراطية.
بعد قيام الثورة السورية في آذار عام 2011، فإنّ الأحزاب والقوى السريانية الآشورية في سوريا وهي (المنظمة الآثورية الديمقراطية، حزب الاتحاد السرياني، والحزب الآشوري الديمقراطي)، أطلقت ورشات حوار فيما بينها رغم وجودها في أطرٍ مختلفة، فالمنظمة الآثورية تنضوي في أطر المعارضة الرسمية، بينما ينشط حزبا الاتحاد السرياني والآشوري الديمقراطي تحت مظلّة مجلس سوريا الديمقراطية (مسد). وذلك بهدف توحيد المطالب القومية، وبلورة رؤية مشتركة لسوريا المستقبل. ومؤخرّاً توصّلت المنظمة إلى تفاهم ثنائي مع حزب الاتحاد السرياني، بينما تحفّظ الحزب الآشوري الديمقراطي على الانضمام لهذا التفاهم بسبب تحفظّه على التسمية رغم قبوله بكل البنود والمطالب السياسية التي تضمنها التفاهم. والحوار مع هذا الحزب مستمر من خلال لجنة التنسيق والتشاور التي تضم الأحزاب الثلاثة.
ويمكن تلخيص الرؤية السريانية المستقبلية بالنقاط التالية:
على الصعيد القومي:
– الاعتراف الدستوري بالوجود والهوية القومية للسريان الآشوريين، وضمان حقوقهم القومية والسياسية والثقافية.
– الاعتراف باللغة السريانية كلغة وطنية باعتبارها لغة سوريا القديمة، إضافة إلى اعتمادها كلغة رسمية في سوريا الى جانب لغات أخرى.
– تعزيز دور المكون السرياني الآشوري، وضمان تمثيل عادل لقواه السياسية في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة.
– إلغاء كل القوانين المجحفة بحق مكونات أو فئات معينة في المجتمع السوري ومنها السريان الآشوريين. وإعادة الأراضي والممتلكات التي تم الاستيلاء عليها في المرحلة الماضية، وتعويض المتضررين بشكل عادل.
على الصعيد الوطني:
– الجمهورية السورية، دولة مستقلة ذات سيادة، السيادة فيها للشعب، وهو مصدر كل السلطات، وتقوم على مبدأ المواطنة المتساوية وفصل السلطات، واستقلال القضاء ومبدأ سيادة القانون والتداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة.
– الإقرار الدستوري بأنّ سورية دولة متعددة القوميات والثقافات والأديان، والشعب السوري يتكون من عرب وكرد وسريان اشوريين وتركمان وغيرهم، ويضمن الدستور حقوقهم القومية.
-التأكيد على وحدة سوريا أرضا وشعبا، والعمل على استعادة أراضيها المحتلة بالطرق السلمية ووفق قرارات الشرعية الدولية.
– نؤمن بأنّ الحلّ السياسي للأزمة السورية وفق قرارات الشرعية الدولية وأهمها القرار 2254،هو السبيل الأمثل لإنهاء الأزمة السورية بالشكل الذي تتحقق فيه أهداف وتطلعات الشعب السوري في تحقيق التغيير الديمقراطي.
– نرى في اللامركزية النظام الأمثل في إدارة البلاد مع الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، لحماية التعدد القومي والثقافي, وضمان أوسع مشاركة شعبية في الإدارة والتوزيع العادل للسلطة والموارد وتحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة لكافة المناطق في سوريا.
– أنّ بناء الهوية الوطنية السورية الجامعة، يحتاج بالضرورة إلى قيام دولة وطنية تتبنّى قيم الحداثة والديمقراطية، عمادها مبدأ المواطنة الكاملة والمتساوية التي تقتضي عدم تعريف الدولة بهوية أحد مكوّناتها القومية أو الدينية. إن الهوية الوطنية الجامعة التي يجب ان تعبّر عن جميع السوريين، هي الهوية التي تنهل من حالة التنوّع القومي والديني والثقافي وتجسيده في الرموز السيادية للدولة كالعلم والنشيد الوطني والعملة وكذلك في الإعلام والتعليم ومختلف الجوانب الثقافية.
– جميع ديانات الشعوب والأمم، والأفكار والمعتقدات الفلسفية هي تراث إنساني عام يجب احترامه، وندعو إلى حيادية الدولة تجاه الأديان والقوميات وضمان حرية الاعتقاد والايمان وممارسة الشعائر وتجريم التمييز على اساسه، وتدعو الى الاعتراف الدستوري بالديانة الإيزيدية.
– نتبنّى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق والعهود الدولية المكملة له، وتلك المتعلقة بحقوق المرأة والقوميات والشعوب الأصلية، باعتبارها أرقى منجز حضاري توصّلت إليه البشرية. وندعو إلى تثبيتها في الدستور السوري الجديد.
– تتمثل مهمة الجيش والأجهزة الأمنية في الدفاع عن الوطن وحماية أمنه واستقلاله وسلامة أراضيه، وحماية المواطن والمؤسسات، ويُمنع على منتسبيهم ممارسة النشاط السياسي أو الانتماء لأحزاب وتيارات سياسية ما داموا في الخدمة.
– تضمن سوريا المساواة التامة بين المرأة والرجل، كما تضمن أيضاً تمثيل المرأة ومشاركتها بصنع القرار في جميع مؤسسات الدولة السورية. وتعزيز دور الفئات الشابة، وتمكينها على المشاركة بفعالية في الشأن العام.
– إلغاء كافة القوانين والمحاكم الاستثنائية وقراراتها، ورفض عمليات التغيير الديمغرافي التي جرت وتجري في سوريا.
– يضمن الدستور حقوقا متساوية لجميع السوريات والسوريين في تقلّد جميع المناصب في الدولة بما فيها منصب الرئاسة بغض النظر عن الدين او المذهب او المعتقد او القومية او الجنس.
– حث المجتمع الدولي والامم المتحدة بالعمل الفوري والجاد من أجل إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين والكشف عن مصير المفقودين والمغيبين قسرا، والسماح بوصول المساعدات الانسانية الى الأهالي في كافة المناطق، وتمكين اللاجئين والنازحين من العودة الطوعية الى مناطقهم الأصلية بأمان وسلام.
– اعتماد وتطبيق مبدأ العدالة الانتقالية.
– ضمان الحفاظ على مصالح المكونات القومية والدينية في البلاد على أساس التمييز الإيجابي لهم ، ومنع أي غبن بحقهم سياسيا واقتصاديا وخدميا، وضمان الحقوق التشريعية لهم عبر برلمان ذي غرفتين، تخصص الغرفة الأولى لممثلي الشعب المنتخبين ، والغرفة الثانية لممثلي المناطق والقوميات والأديان ،يتم تحديد مهام الغرفتين من قبل مختصين والاستفادة من تجارب الدول الأخرى في هذا المجال.
خامساً: خاتمة:
عانى السوريون بمختلف انتماءاتهم ومنهم السريان، من القمع البعثي، ومن تسلّط العائلة الأسدية وأذرعها الأمنية على مدى خمسة عقود، أُهدرت خلالها كرامة الإنسان، وانتُهِكت حقوق الإنسان على نطاق واسع بأحطِّ الأساليب والممارسات، وعمّ الخراب والدمار في أرجاء البلاد التي دُفِعَت إلى مشارف التقسيم، فيما تشرّد أبناؤها في أصقاع العالم، ومن بقي فيها، أصبح هاجسهم الحصول على لقمة العيش بعد أن دفعتهم هذه السلطة إلى حافة الجوع.
السريان مثل بقية السوريين، تباينت ردود أفعالهم تجاه هذه السلطة الغاشمة، فمنهم من تماهى معها وربط وجوده ومصلحته باستمرارها، ومنهم من اختار التقوقع والانعزال عن شركائه وعن التعاطي بالشأن العام ضماناً لسلامته، والكثيرون فضّلوا الهجرة على دفعات بحثاً عن الحرية والكرامة وحياة أفضل بعد أن ضاقت سُبُل العيش في وطنهم، والبعض امتلك قدراً من الشجاعة لينضم إلى السوريين المطالبين بالحرية والتغيير رغم علمهم بفداحة هذا الخيار، والفئة الأخيرة تجسّدت في الشخصيات السريانية المنضوية في أحزاب المعارضة وببعض رجال الدين الذين صدحوا بكلمة الحق ووقفوا مع مطالب الشعب فجرى تغييبهم، وتجلّت أكثر في أحزاب الحركة القومية السريانية وفي مقدمتها المنظمة الديمقراطية، التي تعمل من خلال أطر المعارضة الرسمية ومع جبهة السلام والحرية وغيرها من القوى الوطني الديمقراطية، على مواصلة عملية التغيير الديمقراطي، إلى أن تتحقّق تطلعات السوريين ببناء دولة وطنية ديمقراطية حديثة تقوم على أسس العدالة والمساواة والشراكة بين كافة السوريين.
مراجع البحث:
ابراهيم يوحنا، دولباني ناسك ماردين – مار فيلكسينوس يوحنا دولباني- حياته ومؤلفاته، سوريا – حلب، دار ماردين للنشر، الطبعة الأولى 1999.
آحي عزيز، موجز تاريخ المنظمة الآثورية الديمقراطية من عام 1957- 1999 ، القامشلي ، سوريا، 2001 اصدار خاص.
بيث شموئيل روبين، كراس “الآشوريون في مؤتمر الصلح في باريس 1919″، ط1 دهوك – العراق لعام 2000.
زيتون عبود، نعوم فائق والنهضة السريانية الآشورية، الطبعة الأولى، المانيا – فيزبادن، عام 2000.

شاهد أيضاً

المنظمة الآثورية الديمقراطية تنعي الدكتور يوسف سلامة

05-03-2024 رحل في مدينة مالمو السويدية أمس الاثنين الرابع من آذار المفكر الفلسطيني السوري الدكتور …