11-10-2023
نشرت منصة “فكرة” على صفحتها على فيسبوك مقالاً حول خطاب الكراهية بقلم الرفيق أريو أدور موسى مسؤول المكتب الإعلامي في المنظمة الآثورية الديمقراطية ننشره كاملاً هنا:
رغم أن القانون الدولي لحقوق الإنسان لم يقدم تعريفا واضحا ودقيقا لمفهوم خطاب الكراهية إلا أن إجماعا غير رسمي من قبل المنظمات الحقوقية المعنية يعرفه بأنه “ذلك الخطاب الذي يزدري محددات الهوية لدى مجموعة من الأفراد او الجماعات الاثنية أو الدينية”.
ومع الانتشار الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي وتعاظم تأثيرها، ومع ما توفره هذه المنابر المفتوحة من منصات للتعبير دون رقابة على المحتوى المقدم، مع إمكانية التخفي وراء أسماء وصور مزيفة، أصبح من السهل على مرتكبي جريمة نشر خطاب الكراهية التمادي في جرائمهم والتهرب من المساءلة القانونية.
فقد ازدادت – وبشكل غير مسبوق – وتيرة التحريض على العنف والكراهية ضد الآخر المختلف دينيا واثنيا ولغويا وقومياً في الأعوام الأخيرة، وذلك بحسب تقارير الأمم المتحدة التي ما انفك أمينها العام يحذر من إمكانية تسبب هذا النوع من الخطاب بانقسامات مجتمعية ودولية من شأن استمراراها أن يهدد السلم العالمي. ولعل صعود اليمين المتطرف في عدد من دول العالم، يقابله في المقلب الآخر صعود الاسلام السياسي المترافق بممارسات عنفية، لعله المؤشر الأوضح على وجهة العالم المتحضر إن لم يضع حداً لهذا المنحدر الأخلاقي الخطير.
ويمكن لخطاب الكراهية أن يتخذ أنماطاً مختلفة، بحسب الجهة التي تقف وراءه وبحسب المجموعة التي يوجه اليها الخطاب، إلا أن أبشع أشكال الكراهية على الإطلاق هي تلك القائمة على مزيج مقيت من كراهية الآخر على أساس دينه وقوميته أو إثنيته ولغته وثقافته.
وقد وقع السريان الاشوريون ضحية خطاب الكراهية المزدوج هذا على مر التاريخ مرات عديدة، في ظروف مختلفة، على يد مرتكبين مختلفين ولأسباب متعددة.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، ألم يكن خطاب الكراهية الذي تبنته الدولة العثمانية، والذي ألب مواطني السلطنة على الاقليات المسيحية (ارمن ويونان وآشوريين) المحرك الأساس لمجاز سيفو العام ١٩١٥؟ وأيضاً ألم يكن خطاب الكراهية والتخوين الموجه من قبل السلطات العراقية ضد المكون الآشوري هو ما قاد الى مجزرة سيميل العام ١٩٣٣؟ وفي تاريخنا المعاصر، ألم يقدم الخطاب الطائفي وممارسات التكفير السياسي والديني للجماعات الإرهابية المسلحة ضد مسيحيي العراق وسوريا مسوغات عقدية لتنظيم داعش لشن حملاته على البلدات والمناطق المسيحية في سهل الخابور وسهل نينوى، الوطن التاريخي للمكون السرياني الكلداني الآشوري، ليتم اقتلاع سكانها وإخراجهم من الجغرافيا بعد أن تم إخراجهم من التاريخ؟
لا شك أن أبناء مكونات إثنية ودينية أخرى كانوا ضحايا خطاب الكراهية، مثل الكورد والعلويين والايزيديين والدروز وغيرهم. إلا أن خطاب الكراهية الموجه ضد المكون السرياني الآشوري (المسيحي) بلغ حدودا من العنف والأذى غير مسبوقة، لكون الخطاب الموجه ضدهم ثلاثي الرؤوس. فهو من جهة خطاب كراهية إثنية أو عرقية، وكراهية لغوية وكراهية دينية لأقلية تعيش وسط بحر من الأكثريات. وبالتالي فإن عملية فهم وتشخيص ومعالجة هذه الكراهية المركّبة بالذات هي من التعقيد بمكان، أنها تستلزم جهودا دولية مكثفة ومستدامة لمحو الآثار والارتدادات المدمرة التي خلفتها في المنطقة خلال العقدين الأخيرين.
بعد كل هذا، متى ستتعلم الانسانية أن الكراهية لم تجلب للبشرية على مر تجارب التاريخ سوى الدمار والمزيد من الدمار والقتل والتخلف، وأن الأرض، بمساحات العقل والحوار والتلاقي التي فيها، تتسع لجميع شعوب العالم وأديانه وقومياته ولغاته وأعراقه ؟!
اليوم، وفي أزمنة سباق التسلح بالتكنلوجيا، يطرح مستخدمو وسائل التواصل ومرتادو الانترنت على روبوت الذكاء الاصطناعي أسئلة ضخمة ومعقدة من قبيل “ما هو حجم الكون”، و “من هو الله” وغيرها، لكنهم لا يكلفون انفسهم عناء طرح السؤال الأبسط على أنفسهم مستعينين على الإجابة بذكائهم الفطري: لماذا يكره الانسان أخيه الإنسان، ومتى سنضع جميعاً حداً نهائيا للكراهية، كي نمحي هذه المفردة من قواميس جميع اللغات والأديان والأعراق، ونحيا معاً بشراكة المحبة لا بشرك الكراهية.