الرئيسية / آراء / النظام السوري بين حليفيه الروسي والإيراني

النظام السوري بين حليفيه الروسي والإيراني

النظام السوري بين حليفيه الروسي والإيراني
يصعب الحديث، ضمن تعقيدات الوضع السوري، عن القوى الإقليمية أو الدولية الفاعلة في الحالة السورية بشكل منفصل، دون النظر في تشابكاتها السياسة والعسكرية والاقتصادية داخل الحالة السورية، ودون النظر في علاقات القوة والسيطرة بين هذه القوى. لذلك، وإن كانت هذه المحاولة ستركز على حلفاء النظام السوري الروس والإيرانيين، فإنها ستلقي نظرة سريعة على علاقات القوة والسيطرة مع الأطراف الأخرى كالولايات المتحدة وتركيا.
تلقى النظام السوري خلال العقد الأخير الكثير من المساعدات من حليفيه الإيراني والروسي، وبالرغم من أنها كانت كبيرة جداً فإن هذا النظام يعاني الآن من إفلاس سياسي واقتصادي عام، فالبلد معطل والمساعدات الخارجية متوقفة تقريباً بحكم الإفقار المتزايد للحلفاء الإيرانيين والأزمة العامة للحليف الروسي. وصحيح أن الروس لا يقدمون المساعدات المالية مثل الإيرانيين، لكن هذه المساعدات- العسكرية والسياسية- لها كلفتها الكبيرة على الاقتصاد الروسي أيضاً.
كانت كلفة الحل العسكري الذي انتهجه النظام ضخمة على جميع المستويات، الاقتصادية والسياسية والإنسانية، وقد تقاسم النظام هذه الكلف مع حلفائه الإيرانيين بدون حساب واضح، حتى الآن، للربح والخسارة من قبل الطرفين. على المقلب الآخر للتحالف، قدم الروس للنظام جميع أشكال الدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري، أولاً من أجل عدم سقوطه كخطوة أولى وثانياً لتعويمه وتقديمه كسلطة “أفضل الموجود”، إن أمكن، للمرحلة القادمة.
الدور الأمريكي
منذ اليوم الأول للثورة السورية، حددت إدارة الرئيس باراك أوباما موقفها من الصراع الدائر بأربع محددات أساسية؛ يمكن إيجازها بعدم التدخل العسكري في سوريا وعدم انتصار النظام أو المعارضة عسكرياً وعدم وصول الإسلاميين إلى السلطة والانتقال الديمقراطي عبر الحل السياسي. وقد استمرت هذه السياسة حتى سنة 2014 حيث غيرت تلك الإدارة أسلوب تعاطيها مع الحالة السورية خصوصاُ مع تصاعد نجم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” ومساحة سيطرتها المخيفة في الدولتين. وقد غير مصطلح “مكافحة الإرهاب” شكل التدخل الأمريكي في سوريا، حيث تحول الثالوث الأمريكي إلى محاربة الإرهاب وإخراج إيران من سوريا والحلّ السياسي كما وردت تفصيلاته في “اللاورقة” الصادرة عن مجموعة السبعة. ولأول مرة تدخل قوات عسكرية أمريكية محدودة- تقدر بـ 2200 جندي بقي منها 1200 حتى الآن- منطقة الجزيرة السورية وتدعم قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في مواجهة داعش، ومازالت موجودة حتى الآن. ومن الجدير الإشارة إلى أن مكافحة الإرهاب قد غيرت الكثير في المعادلة الداخلية حيث ظهرت قسد كقوة ثالثة موازية لقوة النظام والمعارضة المدعومة تركياً بعد القضاء التام على الفصائل الأخرى التي ظهرت مع بداية التسلح والانتقال إلى العمل العسكري. وبدون شكّ، ينتظر الجميع قانون قيصر في حزيران القادم، وينتظره خصوم القانون قبل مؤيديه لأنه سيعني الضغط على اقتصاد جميع الأطراف التي تساعد النظام السوري اقتصادياً ومالياً أو تحاول البدء بمشاريع إعادة الإعمار، بما يعنيه كل ذلك من إفشال للمساعي الروسية في القفز عن جنيف وقراراتها المتعلقة بالحل السياسي.
الدور التركي
مع بدايات الثورة وبحكم العلاقة الجيدة بين تركيا والنظام حاولت الحكومة التركية عبر وزير خارجيتها داوود أوغلو الوساطة مع النظام، لكن جميع تلك الجهود ذهبت سدى. ثم انتقلت تركيا إلى صف داعمي الثورة، لكن الدور التركي عانى من الكثير من التقلبات وخاصة لجهة دعم الفصائل الإسلامية المتطرفة، وتحييد المنشقين عن جيش السلطة، ومن ثم التفاهم مع المحور الروسي، فمنذ تشرين الثاني 2016 انتقلت تركيا من صف الناتو في مواجهة الحالة السورية إلى التفاهم مع الروس وقد عبر هذا التفاهم عن تغير كبير في السياسة التركية تجاه سوريا، فبدأت محاولات التقارب الروسي التركي في أستانا التي تُوجت باتفاقات التسليم في حلب الشرقية وريف ادلب الجنوبي والتي أعطت السلطة الطغمة فرصة توسيع رقعة سيطرتها الجغرافية وتزويد ميليشياتها المقاتلة بعدد كبير من عناصر المصالحات. وبالمحصلة تحقيق انتصار معنوي كبير على المعارضة بكل أطيافها الإسلامية والديمقراطية. ثم انتقلت إلى خطوة قد تكون الأخطر على الحل السياسي في سوريا عبر مسار سوتشي والذي يمثل تصفية جهود المجتمع الدولي عبر مسار جنيف واستبدال الانتقال السياسي عبر جنيف بمسار سوتشي الخاضع كلية لتحكم روسيا وإيران.
تتمة المشهد المتعلق بالتدخل التركي يتصادم مع الهوية الوطنية السورية ونقصد به هنا جميع الاجتياحات التركية لمناطق سيطرة قسد في عفرين والشمال السوري باستخدام ما يسمى “الجيش الوطني” في مواجهة أبناء جلدتهم من السوريين الكرد، وبالنتيجة تعميق الانشقاق الوطني السوري الذي ساهمت به قسد على أساس قومي ليضاف إلى الانقسام العمودي على أساس طائفي وليزيد في تفتت الهوية الوطنية السورية.
الدور الإيراني
من الملاحظ الآن أن الحل السياسي، الذي يفضي إلى انتقال سياسي، معطل بسبب مقاومة الروس والإيرانيين حتى الآن، ومن المفيد القول: أن هناك فوارق مهمة بين مقاومة الروس ومقاومة الإيرانيين؛ فالإيرانيون لهم مصلحة مباشرة مع النظام القائم في إتمام مشروع السيطرة على المنطقة من طهران إلى بيروت إلى صنعاء، بالتالي يريد الإيرانيون سوريا كما هي سلطة ودولة بدون أي تغيير جوهري قد يؤثر سلباً مستقبلاً أو راهناً على سياساتهم في المنطقة، ويبدو أن الإيرانيين لديهم كامل القناعة بأن أي نظام آخر في سوريا سيكون عثرة أمام مشاريع إيران في المنطقة ومناهضاً لهذه السياسة. ورغم هذا السعي الإيراني المحموم لتأبيد هذه السلطة ورغم أن إيران هي الحليف الأفضل للسلطة السورية والداعم الأهم مالياً وعسكرياً، فإن إيران نفسها الآن تعاني من أزمة داخلية حادة سببتها أربعة عقود من الإنفاق العسكري المكلف والسياسات الإقليمية المغامرة وتعثر التنمية الوطنية.
الدور الروسي
مقابل معارضة إيران للحل السياسي في سوريا تبرز المعارضة الروسية لهذا الحل من منطلق عدم توفر البدائل الملائمة للمطالب الروسية خاصة في منصب رئيس الجمهورية. والبدائل الملائمة للروس- حسب تصريحات المسؤولين الكبار- تتركز على شخصية المرشح القادم القادرة على ضبط مؤسستي الجيش والأمن وصاحبة النفوذ في الدولة والمجتمع والمطواعة أمام المطالب الروسية في استقرار سوريا وبقائها كمجال نفوذ روسي طويل الأمد على البحر المتوسط، وحتى لو قبلنا الفكرة الروسية القائلة “إن ما يهمنا هو سوريا وليس الرئيس الأسد”، فإن من الصعب تقبل تعطيل الحلّ السياسي بانتظار أن تجد روسيا مرشحها المطابق “لمقاييس” المصالح الروسية في سوريا والمنطقة. أيضاً، ما يبدو منطقياً في المقاربة الروسية، خاصة لجهة الحرص على وحدة سوريا وفك الاشتباك العسكري والوصول إلى تسويات مع المعارضة، ينفي بالمقابل جدية السياسات الروسية في إيجاد حل للكارثة الإنسانية ولمستقبل سوريا كدولة ومجتمع، فقد عملت دوماً مع الإيرانيين والسلطة على إخراج مناطق سيطرة المعارضة من قبضتها إلى قبضة السلطة السورية حيث يكون ممكناً، ومحاولاتها الدؤوبة لتضييق هذه المناطق حتى تصبح جزراً منعزلة ومخنوقة وساقطة تالياً. وحتى في إدلب والجزيرة السورية، تحاول روسيا الآن تضييق هذه المناطق لصالح السلطة السورية، ويبدو أن مسعاها الحقيقي هو إخراج الأمريكان والأوربيين من المعادلة السورية حتى تجد الحلّ المناسب لمصالحها ولمصلحة النظام القائم سلطة ودولة.
مما سبق، ومن منطق إيجاد التقاطعات والاختلافات في سياسات ومصالح حلفاء النظام السوري، يمكن اختصار السياسة الإيرانية بمحاولة دعم السلطة المطلق مقابل بقائها وبقاء مشروعها في المنطقة، بينما تحاول السياسات الروسية الالتفاف على سياسات الخصوم الغربيين حيث يمكنها ذلك رغم معرفتها باستحالة الحل بدون رضاهم، ومحاولة فرض حلول توفيقية مع الأتراك ومن خارج الأمم المتحدة بغرض تصنيع حلّ ترقيعي يرضي الأتراك ويرضي السلطة عبر بقائها. ويبدو أن الاتفاقات الأخيرة بين الروس والأتراك قد أخرجت إيران من هذه الاتفاقات، كما يمكن استنتاج وجود خلاف روسي تركي من جهة وايراني من جهة اخرى في محاولة الأخيرة دعم النظام في متابعة الهجوم في إدلب وريف حلب بما يعنيه من إخراج تركيا من المنطقة وما قد يسبب صداماً روسياً تركياً وانتقال تركيا إلى الطرف الأمريكي والناتو ومغادرة التفاهمات مع روسيا نهائياً. وقد كان من الحكمة أن تسعى روسيا إلى تثبيت الهدنة والإبقاء على الأتراك في الصف الروسي، على الأقل في المرحلة الحالية التي تشهد انتظاراً للخطوة الأمريكية القادمة لتنفيذ قانون قيصر.
الحل السياسي
يتفق الروس والإيرانيون والأتراك والنظام على أن المشكلة الآن هو الوجود الأمريكي في سوريا، ويحاولون كل من جهته إضعاف هذا الوجود، كما يدركون مجتمعين أن لا حل- أي حل- في سوريا ما لم توافق عليه الإدارة الأمريكية. ويدركون تمام الإدراك أن إعادة الإعمار مرتبط تماماً بالحل السياسي المقبول أمريكياً وبالتالي أوربياً، بالنتيجة ستظل أمانيهم مؤجلة بسبب الموقف الأمريكي وحلفائه الأوربيين، إن كان لجهة الاستثمارات أو لجهة الاستقرار العام في سوريا التي يريدون.
تبقى السلطة السورية الطرف الأهم في قبول التسوية على الطريقة الروسية والتي تقتضي بعض التنازلات من قبلها، ويبدو أن الروس قد فشلوا حتى الآن في إقناعها بتقديم مثل هذه التنازلات، وقد تكون الحملات الإعلامية التي تشنها بعض المنابر الإعلامية الروسية جزءاً من حملة ضغط على السلطة السورية، فالوقت يمر والأزمات السياسية والاقتصادية تتسع وتتعمق في سوريا وروسيا وإيران، خصوصاً بعد جائحة كوفيد 19 وما سببه من أذى اقتصادي على اقتصادات إيران وروسيا.
نختم بالقول، لن تقبل السلطة بمشاركة سياسية حتى على طريقة الحل الروسي إلا مرغمة، وجلّ ما تقبل به مشاركة هزيلة للمعارضة مشروطة ببقاء رأس السلطة وحاشيته واستمرار النظام كما كان في السابق مع بعض التحسينات الشكلية ومع تغيير بعض الواجهات التي لا تمس بجوهر النظام ولا بسلطة الطغمة الحاكمة.
من جهتنا، في اللقاء السوري الديمقراطي، نشدد على ضرورة البدء بالحل السياسي وفق مرجعية جنيف والقرار2254 ومتمماته، كما نشدد على ضرورة الإسراع في تنفيذ هذه القرارات الدولية، فالسوريون يموتون بكل أشكال الموت والتعذيب ولم يعد لديهم ترف انتظار تفاهمات الأعداء ولا رفاهية الموت الرحيم.

اللقاء السوري الديمقراطي 28 أيار/ مايو 2020

شاهد أيضاً

المنظمة تهنئ بمناسبة الذكرى 175 ليوم الصحافة الآشورية

31-10-2024 بمناسبة حلول الأول من تشرين الثاني، يوم الصحافة الآشورية، والمتمثل بالذكرى الخامسة والسبعين بعد …