آدو نيوز
فيما يلي نص الكلمة التأبينية التي ألقاها الرفيق عيسى حنا عضو قيادة فرع أوروبا الوسطى للمنظمة الآثورية الديمقراطية خلال الحفل التأبيني الذي اقامته المنظمة أول أمس السبت 4 شباط 2017 في صالة نادي بيث نهرين بمدينة غوترسلوه – ألمانيا:
نحيي جميعا اليوم الذكرى السنوية الأولى لفقيدنا وفقيدكم أبو مردوخ، مرت سنة كاملة كلمحة بصر، لم نشعر للحظة بغيابه عنا، فهو حاضر معنا بروحه وذكراه في كل لقاء وحوار وورشة عمل أو سهرة سمر، هو معنا بحضوره المميز ووداعته ومودته وفيض عاطفته ومصداقيته، فقدنا بفقده صديقا ورفيقا ومناضلا تماهت بشخصه كلُّ سمات المناضل الحقيقي من صدق الإيمان بالقضيّة والإخلاص لها والتفاني من أجلها وارتباط القول بالفعل والعطاء والبذل دون حساب للأخطار والخسائر. كان بيته بيتنا وبيتكم جميعا وبيت كل من عرفه وكسب صداقته، يجذبه إليه وده وكرمه وحسن ضيافته ورحابة صدره وتواضعه ومصداقيته، هو وشريكة حياته وأولاده. رحل عنا باكرا وهو في قمة عطائه قبل أن يكمل كامل مشواره ويحقق كامل أحلامه، ولكن هكذا قانون الحياة بداية ونهاية، وكأس مرارة لابد أن نشرب منه نحن الأحياء كل بدوره وبيومه وبساعته التي حددها له القدر. الموت بالنسبة للكثيرين فناء ونسيان ورحيل كرحيل أوراق الخريف. ولكنه بالنسبة لقلائل ممن طبعوا مشوار حياتهم بصمات حب ومآثر وتضحيات وعطاء هو بداية جديدة لحياة جديدة، حياة لا موت فيها هذه المرة، لأنهم يبقون أحياء خالدين في ذاكرة شعبهم، هكذا سيبقى رفيقنا نعمان حيا خالدا في وجداننا وذاكرتنا ما حيينا.
كان لقاؤنا الأول به قبل (أربعين عاما)، جمعتنا خلال تلك السنين الطويلة مسيرة حياة ونضال مشترك في صفوف المنظمة الآثورية الديمقراطية، من أجل قضية شعبنا الآشوري السرياني ونيل حقوقه القومية المشروعة في الوجود والحرية كشعب أصيل، ضمن إطار نظام ديمقراطي علماني قائم على أسس العدل والمساواة وشرعة حقوق الانسان، كان خلالها مثالا حيا للالتزام والعطاء والتضحية والثبات على المبادئ والمواقف، شهدنا بأم العين ومن خلال من رافقوه تجربة اعتقاله الأولى في 23-12-1986 (كل من الرفيق بشير سعدي والرفيق لحدو كوركيس) صلابته وثباته حيث جمعتهم زنزانة مشتركة في أقبية الأمن بالقامشلي، وشبكت أيديهم سوية سلسلة حديدية في طريق نقلهم لسجن المزة بدمشق. لم تضعف من صلابته وصموده تلك التجربة المريرة الصعبة وفنون التعذيب القاسية في أقبية التحقيق، بل زادته ثباتا في قناعاته وتشبثا في أرضه ووطنه وبقضية شعبه، واستعدادا لمواجهة ما قد يترتب من استحقاقات لمخاطر قادمة. وهكذا لم تقوَ على كسر إرادته تجربة اعتقاله الثانية بعد عدة شهور، حيث تعرض مرة أخرى للاعتقال التعسفي والتعذيب باقبية المخابرات بالقامشلي كادت تودي سلاسل الزنزانة الصدأة التي ربطوا بها رجليه إلى بترهما بل كادت تودي بحياته.
وعندما اشتد عليه المرض قبل عام من وفاته وساءت صحته ونصحه الأطباء بالعلاج خارج البلاد فوجئ بقرار أمني يقضي بمنعه من السفر مع مذكرة توقيف، أصرَّ على البقاء وعدم السفر إلا عبر المعابر الرسمية النظامية، حتى تنتهي محنة الوطن ويعم فيه الأمن والسلام ولو كلفه ذلك حياته، وهكذا فعل المرض والقدر فعلته، وحق فيه قول المتنبّي: “وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الاجسام”.
كانت المنظمة الآثورية الديمقراطية بالنسبة له ذاته وكيانه، بيته وأسرته، نشر مبادئها بين أبنائه وبناته مكونا نموذجا حيا لأسرة قومية مثالية، شاركته في مهمته ورسالته وبكل تفاصيل حياته ونضاله لحظة بلحظة زوجته الفاضلة الرفيقة الدكتورة غزالة ملكي، التي كانت ولازالت نموذجا حيا للزوجة والمرأة المثالية المناضلة، التي رتب عليها هذا الفراق الأليم أياما صعبة مريرة، وأعباء ثقيلة، ومسؤوليات إضافية جسيمة تحملتها وستتحملها بقوة وصبر وإرادة صلبة.
رحل عنا الرفيق والصديق والأخ نعمان حنا (أبو مردوخ) جسدا ولكن روحه ستبقى حية في ذاكرة أهله وشعبه وأبناء وطنه، وبه يصدق قول ملفاننا نعوم فائق: “كل من عمل وناضل من أجل شعبه وإن وارى جشمانه الثرى سيبقى حيا في الذاكرة من جيل إلى جيل”. وما قاله مار أفرام “عولمو كوله عوبار واشمو طوبو لو عوبار.” العالم كلّه يزول والاسم الصالح لا يزول”.
في هذه المناسبة، المناسبة السنويه الأولى لرحيلك يا أبو مردوخ، نذكرك وسنبقى نذكرك، يا من كنت رفيقا وصديقا وأخا، بمشاعر طافحة بالأسى والحزن والمرارة.
وعزاؤنا الذي سيعوض رحيلك أن شريكتك وثمارك اليانعة أبناؤك وبناتك، أهل ثقة ووقار، وهم عازمون على إكمال مشوارك والسير في دربك رافعين رايتك شامخة عالية خفاقة، حتى تحقيق حلمك وحلمنا جميعا في الوجود والحرية.