مضى على نكبةِ المسيحييّن والايزيديين والشبك العراقييّن شهرٌ كاملٌ، وكأن الامرَ كان مقضيٌّا، فالمسرحيّة – الدراما أسدل عليها الستار، 120000مسيحيّ اقتلعوا من أرضهم التاريخيّة لان الإسلام السياسي لا يُريدهم فيها، والعالم صامت لا يتحرك، إمّا لأنه راضٍ أو لأنه عاجزٌ عن القيام بفعل ما؟ وهذا يشجع داعش ISIS الذي لا علاقة له بايزيس الالهة المصريّة، للمضيّ قُدمًا في حربه على الثقافة والتنوع، وتهديد الأمن الفكري والاجتماعي. معاناة المسيحيين النازحين تتفاقم، وعوزهم يتعمق، ويؤرقهم هاجس مستقبلهم ومستقبل اولادهم وبلداتهم وبيوتهم المسلوبة! هؤلاء البشر كانوا يعيشون في بلداتهم برخاء وعزّة وكرامة. فجأةً داهمهم مقاتلو داعش وطردوهم خارج بيوتهم في العراء مرعوبين وبملابسهم، يبحثون سيراً على الاقدام عن مأمن. مشهدُ يُعيدنا الى القرون الغابرة، وكأنه اصبح جزءاً من حضارتنا الحاليّة!
ما يعيشه المسيحيون المسالمون والملتزمون بوطنيّتهم، نهاية مرّة واجتثاث حقيقي genocide ، ودليل ضياعِ القيَم الدينيّة والانسانيّة والاخلاقيّة والوطنيّة، فهو بالتالي وصمة عار على جبينِ المجتمع الدولي، وليعلم ان خطر الارهاب يهدد الجميع!
قبل ايام شاهدنا صبيّة بعمر 13 سنة على شاشة عشتار تصرخ: أريد ان أعود الى بلدتي قره قوش، لقد سئمت الحياة هنا، أريد ان أعود. افضل ان اموت فيها ومن أجلها ولا ان اذّل هنا انا وأهلي. انها صراخة مدويّة امام ضمير العالم!
عجز الدولة العراقية. ما يؤلمنا أكثر هو عجز أجهزة الدولة في فرض النظام والقانون امام التدهور الامني المتفاقم، مما يُنمّي ثقافة التكفيريين ويهيأ لهم الحاضنات! ففي بغداد تحصل على المسيحين وغيرهم اعمال خطف بسيارات مظلله ومصفحة وسط النهار، وتهديد لترك دورهم ليستحوذوا عليها، وتمارس مضايقات عليهم في بعض المدارس والدوائر بإسماعهم كلاما جارحا. هل يجوز أن تبقى هذه السلوكيات شائعة دون رادعٍ أو آلية تثقيف؟
الشعب يتعذب والسياسيون يتصارعون على المناصب عوض ان يتكاتفوا ويتضامنوا لتشخيص الاسباب التي تقود الى العنف والظلم والبحث عن معالجات جذرية قبل فوات الاوان! نتمنى من رئيس الوزراء الجديد والحكومة الجديدة ان تعي مسؤولياتها التاريخيّة والوطنية والاخلاقية!
نزيف الهجرة: امام سرقة كلِّ ما يملكون حتى مستمسكاتهم الرسميّة، وغياب نهاية وشيكة لمأساتهم، وانعدام الثقة، بات المسيحيون النازحون غير قادرين على الانتظار الى ما لا نهاية، فراح العديد منهم يبحث عن مستقبل في بلد آمن في الغرب لأن بلده، بلد المن والسلوى باعتقاده لا مستقبل له فيه! انهم يهاجرون تركين خلفهم كلَّ شيء، لكن الهجرة في اعتقادي ليست حلاّ!
ولكي لا ينقرض مسيحيّو العراق ويبقوا شرارة الحياة فيه: ينبغي ان يواجه المسيحيون الحياة كما هي، ويتحملوا المسؤولية التاريخية، خصوصًا وهم يحملون رسالة رجاء. لتتحرك مجموعة حيَّة متفاعلة داخل مكونهم لإعداد المستقبل، فالحياة هي للأقوياء وليست للضعفاء أو للانتهازيين! عليهم اتخاذ خطوات حازمة للضغط على اصحاب القرار في الداخل والخارج لتأمين حياة حرّة وامنة لهم في العراق.
هذه بعض مقترحات عملية نتمنى من ابناء شعبنا في كلّ مكان العمل على تحقيقها.
* اعداد كوادر مسيحية من الاحزاب والبرلمانيين والمستقلين ذوي كفاءة، للدراسة والتحليل والمعالجة ووضع خطة واضحة لمساعدة المسيحيين للخروج من مأساتهم الإنسانية ذات أبعاد غير متوقعة، ويفضل ان تبقى اللجنة في اجتماع دائم.
* تشكيل خليّة ازمة لإعداد احصائيات دقيقة وتسجيل خسائر العائلات النازحة بهدف المطالبة بالتعويض، ومتابعة الحالات الخاصة وتقديم حلول وتوصيات.
* تشكيل لجنة لمتابعة عدد الطلاب ومراحلهم وكليّاتهم ومطالبة حكومة اقليم كوردستان بقبولهم في مدارسها وجامعاتها لئلا يضيع مستقبلهم، سيما وان اعدادهم ليست كبيرة!
* مطالبة مجلس الأمن بإنشاء قوّة سلام تابعة للأمم المتحدة من أجل تحرير بلدات سهل نينوى بالتعاون الوثيق مع حكومة إقليم كردستان في شمال العراق ومع الحكومة العراقية المركزية في بغداد، وتوفير حماية دوليّة لها تسمح بعودة النازحين الى مناطقهم الاصيلة التي كانوا يعيشون فيها منذ الاف السنين.
* تشكيل حرس محلي من مكونات سهل نينوى لحماية البلدات كما جاء في ورقة الحقوق المقدمة الى الحكومة الجديدة مما يُعزز التفاعل الاجتماعي بين المسيحيين وشركائهم في هذه الأرض.
* انشاء مجمعات سكنيّة لائقة لمن يرغب البقاء في مدن اقليم كوردستان ولا يريد العودة الى بلدته، وهذا الاجراء قد يحدّ من نزيف الهجرة، ومطالبة الدول المانحة والامم المتحدة المساعدة على أنشائها.
* مطالبة مجلس حقوق الإنسان بدراسة حالة حقوق الإنسان في العراق، بهدف إنشاء لجنة تحقيق عن اسباب وجرائم ما يسمى بـ"الدولة الاسلامية" وتقديم المسؤولين عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانيّة الى القضاء ومعاقبتهم.
* يجب الا نستسلم للواقع، بل علينا ان نُسمع صوتنا بشجاعة عكس التيار وأن نعمل لخلق عقلية جديدة للعيش السلمي والاخوي بين الشيعة والسنة والاكراد والتركمان والمسيحيين والايزيديين والشبك والصابئة. من هنا الحاجة إلى العمل على المستوى الأيديولوجي لتفكيك الفكر المتشدد ووقف تدفق المقاتلين والتمويل، ومطالبة العالم الاسلامي والحكومة المركزية وحكومة اقليم كوردستان بأهمية نشر ثقافة منفتحة، ثقافة التنوع والتعدد والمساواة امام ثقافة التكفير والإلغاء والتخلف الاجتماعي وضعف الوعي الفردي والجماعي، من خلال تغيير مناهج التدريس. والتغيير يبدا بالتربية والتعليم حتى لا يبقى هناك مواطنون بدرجات مختلفة! ولربما يكون من الافضل تبني نظام مدني يحترم الدين ولا يُسيّسه، مِمّا يُعزز العيش المشترك.
ملاحظة:
نود ان يدرك الجميع ان الكنيسة لا تريد جرّ البساط من تحت اقدام التنظيمات السياسية والمدنية، ولا زعامة شعبنا سياسيّا وقوميّا، ولا خلق تنظيمٍ سياسيٍّ بديلٍ، انما من واجبها ان تقول كلمة حق وترفع صوتها امام الظلم الذي طال شعبنا واناساً آخرين. وان طرح بعض افكار للحلّ تعبيرٌ عن حرصها الشديد على بقاء الوجود المسيحي وتواصله في العراق.