ربما هذه "النقيصة"، التي من غرائب السلوك أنني أتباهى بها أحياناً، هي التي لا تؤهلني لأكون ذلك الداعشي المنشود بالرغم أن شجاعتي في الميادين الأخرى قد لاتقل عن شجاعة أي مجاهد داعشي بما فيهم أبو بكر البغدادي والجولاني صاحب النصرة إياه.
إضافة إلى هذه النقيصة، لدي نقيصة أخرى فاقعة الوضوح وهي أنني لاأجد متعة ولا الرغبة حتى في الحدود الدنيا في ولوج أياً من حوريات الجنة (بعد الاستشهاد طبعاً، إذا كُتِبَ لي أن استشهد بعملية انتحارية لاتتكرر مثلاً). تلك الحوريات التي أسهب في وصفها أبو حامد الغزالي في مجلده الثاني في الصفحات 151 وحتى 154من موسوعته إحياء علوم الدين. والتي لم يجرب أي قائد من أولئك المجاهدين، بما فيهم بن لادن نفسه،على فعلها (أقصد الانتحار طبعاً) للصعود في ذات الليلة والجلوس مع الرسول على مائدة العشاء قبل الدخول على الحورية التي يختارها لتلك الليلة!!!
داعشي أنا حتى العظم لولا أنني أفهم الحياة بشكل مختلف وأعتبر حياة الإنسان هي قيمة بحد ذاتها وهي أثمن مافي الوجود. وبناء على هذا الفهم القاصر في المنظور الداعشي لن أتسامح مع نفسي بأي حال إن ساهمت بأي شكل من الأشكال، من قريب أو بعيد في طرد وتهجير مئات الآلاف من المسيحيين واليزيديين وغيرهم من بيوتهم وسلب كل ممتلكاتهم لصالح دولة الخلافة. وإن أضفت إلى كل ذلك أخذ نسائهم واعتبارهن سبايا تعرضن للبيع أو تعتبرن ملك يمين للمجاهد يفعل بهن مايشاء، فهذا أمر أكبر من طاقتي كإنسان على تحمل رؤيته يحدث في القرن الحادي والعشرين. ولا تنسى أنني ذات الذي عبر قبل قليل عن التعفف في التعاطي مع حواري الجنة إياها التي تحدث عنها الإمام الغزالي، فكيف بإنسيِّة على الأرض مهما بلغت من الجمال والفتنة والإغراء؟
نقائص أخرى كثيرة أتصف بها تجعل تحقيق رغبتي في الداعشية شيئاً أقرب إلى المستحيل. فمثلاً لا أرى أن الصوم ذات معنى إذا كنتَ في آخر النهار ستعد مائدة هي أقرب إلى الولائم العامرة منها إلى نهج إيماني يقربك من إحساس الآخرين بالجوع والحاجة. كما إن السَوق بعصا هيئة الأمر بالمعروف إلى الجامع وقت الصلاة لاتجعلك بالضرورة مؤمناً، وربما العكس.
نقيصة أخرى لدي وهي أنني أحب أن أحلق ذقني كل صباح لقناعتي أن هذا أنظف وأجمل. وكما يعلم الداعشيون أكثر مني، فقد حض الرسول على النظافة. لكن مفهوم النظافة قد نختلف عليه لأنني أعتقد جازماً أن الإنسان لن يكون نظيفاً بمجرد أن يبلل يديد ورجليه بالماء تحت مسمى الوضوء، في حين رائحة فمه تقتل حيواناً بحجم وحيد القرن. كما أظن أن كبار زعماء المسلمين الأوائل كانوا سيتباهون بذقونهم الناعمة لو توفرت لهم حينها شفرات حلاقة من نوع ناسيت أو جيليت. أما الذقون الطويلة المنفوشة المعشعشة بكل قارصة متنعمة، فكانت ستكون سمة لازمة لعامة الناس وفقرائهم ممن لايملكون ثمن تلك الماركات الغربية من شفرات الحلاقة، ولا حتى الصينية منها.
بوجود هذه النقائص والكثير الكثير غيرها مجتمعة في شخصي ، يتولد لدي إحساس بأن الداعشيين الحقيقيين لن يكونوا سعداء برؤيتي بينهم، ناهيك عن تنصيبي أميراً أو خليفة عليهم، وبخاصة إذا علموا أنني ذمي من أهل الكتاب يتوجب عليَّ دفع الجزية عن يدٍ وأنا صاغر. وهذا ما لا أحتمله لأنني ببساطة أظن بأنني على الأقل إنسان مثلهم (هذا إذا كان أولئك الداعشيون يتميزون بسمات البشر الحقيقيين).
وهنا قد يحشرني قارئ مشاغب في (خانة اليك) إذا عنَّ له السؤال عن سبب توقي لأكون داعشياً إذا كانت لدي كل تلك النقائص، وكانت لهم كل تلك الفضائل التي أنعم الله بها عليهم وحرمني منها. ولكي لا أقع في الإحراج سأقول له: توقي هذا ليس طمعاً بفضائلهم تلك، ولكن أنظر مايجري حولك وستجد الجواب الشافي.
وحتى اليوم الذي أجد فيه العالم وقد صحا ضميره وحسَّن سلوكه تجاهي كإنسان عالمثالثي، سأبقى داعشياً مع وقف التنفيذ!!!
داعشي حتى العظم مع وقف التنفيذ
بقلم : سعيد لحدو. هولندا
مشكلتي أنني لا أملك الشجاعة الكافية التي تمكنني من النظر إلى إنسان ميت لأن صورته ستظل تلاحقني ليل نهار وتؤرق لي نومي. وحتى أخبار القتل ومشاهد الموت في التلفزيون ومقاطع الفيديو في شبكة الإنترنت أتحاشى أن أشاهدها كي لا تلازمني عقدة الذنب وكأنني مشارك بارتكاب ذلك الفعل الشنيع. فكيف سيكون الحال إذا تطلب مني الأمر نحر الرقاب وتعليق الرؤوس على عمود في الشارع أو رجم امرأة حتى الموت مهما كان ذنبها، وذلك أمام جمهرة من الناس على هدير صيحات الله أكبر!!!.ولو استطعت التغلب على هذه المشكلة النفسية العويصة التي يسميها البعض بالمشاعر الإنسانية، لربما كنت اليوم داعشياً بامتياز. أو ربما أميراً على إحدى الولايات التي بدأ خليفة الدولة الإسلامية يؤسسها في العراق والشام بعد الفتح والنصرالمبين على الكفرة والمشركين، والمرتدين من أدعياء الإسلام ممن لايحسنون التمثل بالرسول ولا بسيرته ولا بثيابه، ظناً منهم بأنهم تمدنوا لمجرد أن سايروا الغرب الكافر المتحلل من كل فضيلة علمنا إياها النبي. وهم بذلك يمالئون الأعداء، ويشاركون بالقضاء على الدين الحنيف. أو ربما سأكون الخليفة نفسه، إذا توفر لي الحماس المطلوب والإقدام اللازم، بعد أن أربط نسبي بنسب الرسول كما فعل كل الخلفاء المسلمين من المماليك إلى العثمانيين إلى السلاجقة والصفويين. علماً أني الأقرب من كل هؤلاء إلى مكة، تاريخياً وجغرافياً وإرثاً لغوياً وثقافياً.