امام العدد الكبير جدا من العائلات النازحة من بلدات وقرى سهل نينوى وفقدان بيوتهم واموالهم وامالهم وأراضيهم ومصالحهم، وجلوسهم على الحضيض تماما، وامام المماطلة الدولية والأقليمية في اتخاذ عمل يوقف محاربي " الدولة الاسلامية" من التوسع والسيطرة على المدن والأراضي، والبطء الغريب في ورود المعونات الإنسانية من المنظمات الدولية والحكومة العراقية بدأ الموت والمرض يحصدان شيوخهم واطفالهم وقد سجلت عدة وفيات واصابات بالإسهال في الحدائق العامة حيث يأوي معظم النازحين!
في عينكاوة – اربيل وحدها يوجد أكثر من خمس وسبعين الف نسمة من الأسر المسيحية النازحة من الموصل وقره قوش وبرطلة وكرمليس وبعشيقة وبحزاني.. الى جانب عائلات من مكونات اخرى، فضلا عن سكان المدينة البالغ أكثر من خمسة وعشرين الف شخص. قلة من هذه العائلات وجدت لها مأوى لدى أقارب حيث تكدست عدة عائلات في بيوت ضيقة، بينما الغالبية الساحقة من العائلات النازحة محشورة في احسن الاحوال داخل الكنائس والمدارس والحدائق العامة والساحات المكشوفة في العراء، وليس امامها الا ان تفرش الأرض وأحيانا كثيرة من دون اية فرش أو أغطية وتقيم فيها ..
وفي دهوك يربو عدد النازحين ستين ألف مسيحيي من بلدات تلكيف وباطنايا وباقوفا وتللسقف والشرفية والقوش وفي أوضاع أسوأ من حالة اقرانهم في اربيل. وهناك مئات العائلات نزحت الى كركوك والسليمانية وعقرة وزاخو وحتى في العاصمة بغداد .
أما الكنائس في خمسة عشرة بلدة من نينوى قد خلت وخمسة اساقفة خارج ابرشياتهم، والعديد من الكهنة تشردوا وعدد كبير من الراهبات تركن مدارسهن ومؤسساتهن ومياتمهن، والكل لاجئ، أطفالا ونساء ومرضى مزمنين. ! حجم الكارثة كبير. فما الأمر اذا ما تفشت الأوبئة المعديّة بينهم؟! كارثة انسانية على الابواب….
الحاجة الانسانية: هناك نقص هائل في الطعام والماء والدواء وغياب الإعانات المالية من الدولة للعوائل المتضررة لحاجاتها المباشرة وكسوتها .. الجهد الدولي بطيء ومحدود، بسبب فقدان التنسيق الدولي. والكنائس تقدم ما في وسعها، ولكن الكارثة أكبر من طاقتها ومن كوادرها.
تصريحات الرئيس الامريكي محبِّطة: التلويح بالتقسيم، والقيام بتوجيه ضربات محددة للحفاظ على اربيل وغياب عمل دولي منسق مما لا يبشر بحل سريع وشامل، خصوصا ان امريكا لا تسعى لضرب داعش في الموصل وحواليها. وما يبدو بالتأكيد ان الوضع سيطول وقد يستغرق سنين قبل أن يتمكن الجيش العراقي والبيشمركة لمحاربة داعش؟ رئيس اقليم كوردستان صرح بوضوح ان الاقليم يحارب دولة ارهابية وليس مجموعات صغيرة!! اما الحكومة المركزية فلم تتشكل حتى اليوم والكتل النيابية لا زالت في صراع على السلطة، والبلد يحترق!
بالنتيجة: الموصل قد لا تطهر ممن استحلها واستباح مقاماتها التاريخية والدينية وفجر مساجدها ومراقدها المقدسة وكذلك قرى وبلدات سهل نينوى المسيحية وأديرتها التاريخية؟
ولا خطة في الافق لا لمحاسبة الدول الساندة لداعش، ولا لتجفيف ينابيع تمويل المقاتلين الاسلامين وتدريبهم وتزوديهم بالسلاح. انهم استولوا على منابع النفط في مدينتي الزُمَّار وعين زالة في العراق والرقة ودير زور في سوريا، ومقاتلون جدد يصلون من دول عديدة من الشرق وحتى من الدول الغربية. والحواضن المحلية والإقليمية لم يتم كسبها أو تطمينها والخطاب الطائفي يتنامى والفرقة المذهبيّة تتعمق؟
خيارات العائلات النازحة:
الهجرة : ولكن الى اين وكيف، وهم لا يملكون اوراقاً ثبوتيّة ولا مالا!
البقاء: ولكن اين؟: وقد فقدوا بيوتهم وبلداتهم. أيبقون في العراء والساحات والقاعات والكنائس وكأنهم قطعان بشرية هائمة على وجهها؟ والى متى، فالصيف في أواخره والشتاء قادم والمدارس عليهم أن يغادروها حين تفتح ابوابها. ويتسألون: اولادنا اين سيدرسون: مدارس ابتدائية ومتوسطة واعدادية وجامعات ؟ لا توجد امكانية احتوائهم في اربيل ودهوك والسليمانية؟ اشغالهم وبيوتهم واملاكهم ما مصيرها؟
اسئلة نوجهها بألم وحزن الى ضمير الإنسانية، الى مسؤولية الأمم المتحدة، الى الدول العربية، الى الدول الكبرى، الى كل انسان ومنظمة لإنقاذ شعب يعود تاريخه الى بداية التاريخ؟ شعب صار يشعر بالمذلة والنسيان، وتركه لتسوية الحسابات والموازنات الدولية؟
البطريرك لويس روفائل الأول ساكو
بطريك بابل على الكلدان
9 آب 2014