بقلم : الدكتور جميل حنا
مذابح الشعب الآشوري بكل تسمياتهم أصبح جزء لا يتجزء من حياة هذا الشعب منذ قرون طويلة حتى يومنا هذا.وهذه المذابح تتخذ أشكالا وأساليب عديدة ضمن ظروف ووقائع سياسية وصراعات مختلفة تعيشها بلدان الشرق الآوسط والعالم.وهذه العوامل التي تحيط بهم محليا وعالميا تأثر سلبا وبشكل كارثي على كيان أبناءهذه الأمة.والهدف الرئيسي الوحيد من إرتكاب المجازرهو إنهاء الكيان القومي لأبناء الأمة الآشورية كشعب أصيل صاحب الأرض والتاريخ والحضارة,والقضاء على الوجود المسيحي في بلاد آشوروالشام وبلدان الشرق الآوسط بشكل عام.
ووفقا لمبادىء مجازر إبادة التطهير العرقي التي أقرتها الأمم المتحدة"اتفاقية منع جريمة إبادة الجنس البشري" ،نجد أن كافة البنود الواردة في هذه الوثيقة الهامة تنطبق جميعها على أبناء الأمة الآشورية بمختلف مذاهبهم الكنسية من الكلدان والسريان وأبناء كنيسة المشرق والكاثوليك والبروتستانت.
أ . قتل أفراد أو أعضاء الجماعة.
ب . إلحاق أذى أو ضرر جسدي أو عقلي خطير أو جسيم بأعضاء الجماعة.
ج . إخضاع الجماعة لظروف وأحوال معيشية قاسية يقصد منها إهلاكها أو تدميرها الفعلي كليا أو جزئيا.
د.فرض تدابير ترمي إلى منع أو إعاقة النسل داخل الجماعة.
هـ- نقل أطفال أو صغار الجماعة قهرا وعنوة من جماعتهم إلى جماعة أخرى.
لا شك أنه لكل جريمة ترتكب دوافع محددة تكون سببا للمجرمين بتنفيذها,وإذا كانت مجازر إبادة التطهير العرقي وفقا لمختلف التعاريف المتداولة تعد جريمة بحق الإنسانية, بل هي من أخطر الجرائم التي تتعرض لها البشرية ,لأنها ترتكب بدوافع دينية أو عرقية أو سياسية أو اجتماعية.
ولذا يتوجب على الأمم المتحدة وكافة المؤسسات التابعة لها, ومنظمات حقوق الإنسان وكافة الدول التي تحترم شرعة الأمم المتحدة ومواثيقها, وحكومات الدول واتحاد الدول الأوربية بكافة هيئاته ومؤسسات المجتمع المدني أن تعمل على فضح وإيقاف المجازر التي ترتكب في العالم وتقديم الجناة إلى المحاكم الدولية, من أجل صيانة السلم الأهلي والعالمي.
ولو ألقينا نظرة سريعة ولكن بتحليل موضوعي وعلمي على المذابح التي تعرض لها الشعب الآشوري سنجد أن كل البنود المذكوره أعلاه تنطبق عليه تماما.فإذا مذابح أبناء الأمة الآشورية أتخذت كافة هذه الأساليب بدأ من القتل الفردي والجماعي على اسس عرقية ودينية,ألحق به الأذى العقلي والنفسي جراء السياسات القومية الشوفينية التي مارسها حزب البعث في كلا من سوريا والعراق وسياسة التعريب وعدم الأعتراف بالهوية الأثنية لهذا الشعب وعدم الاعتراف به دستوريا كمكون اساسي وأصيل من النسيج الوطني وحرمانه من تعلم لغته الأم في المدارس, وفرض عليه الثقافة والتفكير والسلوكية العربية الاسلامية.خلق ظروف إقتصادية دمرت عماد الحياة المعيشية للمجتمع الآشوري كفئة مؤثرة ومساهمة في بناء الوطن,من خلال الاستيلاء ومصادرة الأملاك,حرمانه من حقوقه القومية والسياسية والثقافية.إضافة إلى ذلك ممارسة الأضطهاد والتمييز العنصري القومي,وممارسة الضغوط بالتهديد والتخويف والأعتداءات الفردية والجماعية والتخوين والملاحقة من قبل الأجهزة الأمنية والإعتقالات والسجون ,والهجرة القسرية بسبب هذه الظروف.كما يتعرض الشعب الآشوري إلى حملة شرسه بألغاء دوره التاريخي وتزوير الحقائق التاريخية. وفرض واقع جديد على الأرض من خلال التغيير الديمغرافي التي تمارسه السلطات الرجعية المسيطرة على آشور في شمال العراق على ما تبقى من الأراضي وممتلكات هذا الشعب بتسمياتهم المختلفة من الكلدان والسريان الآشوريين.وكذلك ما يحصل في الجزيرة السورية لفرض مشروع قومي شوفيني بالتنسيق والتعاون الكامل مع سلطة الاستبادا الأسدية في سوريا للقضاء نهائيا على الهوية القومية لهذا الشعب وتكريدهم في بوتقة الأكراد كما يحصل في العراق.
وبعد هذه المقدمة عن أشكال الإبادة وبشكل مختصر جدا نعود إلى عنوان المقالة والمذابح التي تعرض لها الآشوريون في السلطنة العثمانية بين أعوام 1914-1918والتي ذهب ضحيتها أكثر من نصف مليون شهيد على يد السلطات العثمانية المتحالفة مع الغالبية الساحقة من العشائر الكردية وتحديدا في هكاري قلعة الآشوريين على مدى قرون طويلة من الزمن.
وكما قلنا في المقدمة وفي مقالاتنا السابقة هناك تاريخ طويل من المذابح التي تعرض لها أبناء الأمة الآشورية. ومنها مجازرعام 1895-1898م التي نظمتها السلطات العثمانية ضد السريان الآشوريين القاطنين في مدن آورهوي( أورفه أو الرها) وآميد(ديار بكر) وماردين وغيرها من القصبات التابعة لهذه المدن الرئيسية.( وسقط نتيجة هذه المذابح الهمجية الآلاف من الشهداء,والشعب الآشوري يحمًل المسؤولية الأولى في مأساتهم على الأتراك,لذلك نرى انه عندما قامت تحت تأثير الثورة الروسية البرجوازية الأولى 1905-1907 الثورة التركية البرجوازية (تركيا الفتاة) ساندها المواطنون الآشوريون في البلاد, وكان ذلك طبيعيا أذ ان جزءا من قيادة الثورة وقف إلى جانب حل المسألة القومية بواسطة تأسيس مقاطعات ذات حكم ذاتي ومن أجل لا مركزية للأمبراطورية العثمانية(بتروسيان يو.أ- حركة تركيا الفتاة ,النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين,1971م).ولكن سرعان ما أعلن الأتراك الفتيان عن سياسة التتريك الشوفينية,أي توحيد جميع الشعوب التركية تحت قيادة تركيا.وكما كانت قبيل الحرب العالمية الأولى كذلك ابانها كانت القيادة التركية الفتية ترى حل المسألة القومية في تركيا عن طريق الإبادة الجسدية للشعوب المسيحية أو تهجينها بالقوة.وقد أكد على ذلك الكثير من قادتهم ومنهم الدكتور ناظم منظر واحد اقطاب السياسيين الأتراك الشبان بقوله:"فقط لويقف المحرضون من صوفيا واثينا عن التدخل في شؤوننا عندها سنحقق الحرية الحقيقية وحينها سيرى الجميع كيف سنذوب بسهولة جميع اليونانيين والعرب والالبان ونصنع منهم شعبا واحدا ذو لغة ام واحدة" وكررمواقفه الشفينية هذه حينما أكد في احدى أجتماعات حزب فتاة تركيا"اريد بان يعيش على هذه الأرض التركية,فقط التركي, ويسيطر دون منازع,فليغيب جميع العناصر الغير التركية من أية قومية أودين كانوا,يجب تنظيف بلادنا من العناصر غير التركية" وقد كرر ناظم زميله في الحزب شاكر الذي اعتبر"انه في ثقافتنا القومية يمكن ان نسمح بالازدهار للبذور التركية فقط.نحن ملزمون بتنظيف وطننا من جميع الشعوب غير القريبة المتبقية واقتلاعهم من جذورهم كما تقتلع الاعشاب الضارة هذا هوهدف وشعار ثورتنا" وصرح انور احد الحكام الثلاثة القائدين للبلادبقوله:"انا غير ناوي فيما بعد على تحمل المسيحيين في تركيا". وبعد فترة من ذلك(أي في صيف 1915)اعلن وزير الداخلية طلعت عن نوايا الباب العالي:"باستغلال الحرب العالمية من أجلالتخلص نهائيا من الأعداء الداخليين الذين هم كون ذلك لا يستدعي حينئذ تدخلا دبلوماسيا من الخارج"(المسيحيين المحليين).وانطلاقا من توجيهات القيادة التركية الفتية بدأت الاوساط الحاكمة في الامبراطورية العثمانية بتكبيق برنامج مدروس بدقة خاص بإبادة المسيحيين القاطنين في تركيا بما في ذلك الشعب الآشوري.وطبيعي في مثل هذا الوضع القائم والخطير للغاية ان ينتظر الآشوريون المساعدة والانقاذ من جارتهم روسيا فقط,التي وصلت علاقاتها مع تركيا إلى المرحلة الحرجة ثانية.ومن جانبها اخذت روسيا ولاسباب مفهومة جدا)مرتبطة بتوتر الوضع في الشرق الأوسط) تبدي اهتماما كبيرا في كسب الاقليات العرقية والدينية في تركيا وايران إلى جانبها بما في ذلك الآشوريون ايضا.) وفي صيف 1914 بدأ الأتراك بعمليات الإبادة ضد الآشوريين في آورمي وهكاري , وخاصة بعد ابرام اتفاقية التحالف في 2 آب 1914 بين ألمانيا وتركيا.وحتى قبل هذه الموعد كان الأتراك قد دخلوا قرية بقره خاتون في مقاطعة قارص واعدموا جميع رجالها الذين حاولوا النجاة غير أنهم قطعوهم بسيوفهم.(كما تحدث شاهد عيان.س.مرقصوف).كما تحثت شاهدة عيان مريم عن فرار عشيرتها كاور من مدينة اورمي من أمام الاكراد.كما انه في منطقة آلباق في تركيا تم سلب ثمان قرى آشورية هي:كوزي,آرجي,اطيس,منكيلاوا,اوزن,بوروك,باليس,كالانيس, قتل قسم من سكانها اما القسم الأخر فقد هرب إلى ايران والى سالمصار. وفي نهاية تموز 1914م بدأ الأتراك بسحب الاحتياطي العسكري إلى الحدود الايرانية واخذوا يسلحون القبائل الكردية. ..فقد قام الضباط والجنود الأتراك بالتعاون مع الفصائل الكردية بإرتكاب المجازر ضد الآشوريين على الأراضي التركية وعلى جزء من الأراضي الايرانية…وفي 28حزيران1915 م قامت القوات التركية مدعومة بفصائل كردية بهجوم من الموصل وباتجاه تياري السفلى,بقيادة والي الموصل حيدر بك….وفي 12 حزيران 1915م تحرك الشيخ الكردي اسماعيل آغا من آرتوش نحو تياري العليا…وبعد المجازر الفظيعة التي تعرض لها الآشوريون في هكاري قررت القيادة الروحية بزعامة مار شمعون مع ملوكه أخراج جميع السكان الآشوريين من ولاية هكاري إلى الجبال,حيث بلغ عدد ضحايا المجازر إلى ذلك الحين بنحو 50 الف شهيد.وبكل آسف وحزن عميق ما زال لتلك المجازر الفظيعة استمرارية من ذات الجهات ولكن باشكال واساليب مختلفة تنفذ ضد أبناء الأمة الآشورية أمام صمت العالم المخز.
للموضوع تتمة
المصدر: الآشوريون والمسألة الآشورية, في العصر الحديث
قسطنطين بيتروفيج ماتفيف بارمتى
ترجمة:ح.د.آ
2014.06.02