عادل موسى ـ آدو الإخباري :
هل تشارك موسكو في مشروع "رئيس توافقي" لسوريا المستقبل عادل موسى ليس مصادفة ان يكون قدري جميل أول من يكشف من موسكو عن الموعد المحدد لمؤتمرجنيف 2 المفترض عقده يوم 23 تشرين الثاني نوفمبر الحالي ، بعد اجتماعه مع مسؤولين بوزارة الخارجية الروسية في موسكو يوم 17 تشرين الأول أكتوبرالماضي . هذا وكان قدري جميل قد التقى قبل أيام مسؤولين أميركيين لمناقشة مؤتمر جنيف2 (رويترز) كما ليس مصادفة أن يصدر الرئيس السوري بشار الأسد مرسوما أقال بموجبه قدري جميل نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية من منصبه، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا). اثناء مقابلة معه على الهواء مباشرة لقناة "روسيا اليوم" ، مؤكدا إنه لا يملك أي معلومات حول إقالته من منصبه . وكان جميل قد التقى قبل أيام مسؤولين أميركيين لمناقشة مؤتمر جنيف2. ولم يتضح بعد إن كانت إقالته مرتبطة بتلك الاجتماعات . وبحسب مصادر سورية، عقد جميل السبت لقاء في جنيف مع السفير الأميركي في سوريا روبرت فورد المكلف بالملف السوري، وبحث معه التحضيرات لعقد مؤتمر جنيف2. وبحسب هذه المصادر، فإن جميل طلب من فورد المشاركة في جنيف2 كجزء من وفد المعارضة، إلا أن المسؤول الأميركي رفض شارحا أنه من الصعوبة بمكان أن يكون المرء في الحكومة والمعارضة في وقت واحد. واشارت وسائل إعلام روسية نقلا عن جميل "ان عقد هذا اللقاء، هو الأول من نوعه منذ بدء الأزمة السورية في منتصف آذار مارس 2011. وقدري جميل مؤسس حزب الإرادة الشعبية ، ويقدم نفسه على أنه من معارضة الداخل للنظام، وعُين نائباً لرئيس الحكومة العام الماضي .
بادئ ذي بدء، وبعد قراءةً للواقع و التّوجّهات الجديدة في السّياسيّة الرّوسيّة الجديدة، و خاصّة الخارجيّة منها، و من خلال متابعة بعض التحليلات السياسيّة لمنهجيّة عمل الخارجية الرّوسية في علاقاتها مع الملف السوري ككل . سنبدأ من هذه الرؤيا للسياسة الروسية والتي أصبحت من الثوابت التي يعمل عليها الروس وخاصة في الخارج ، لنَعي العوامِّل التي يجب علينا التأسيس عليها بعد فهمِنا لما يراه الطرف الآخر من تطلعات لمشروعاته المستقبلية مع الغير، خاصةً إِنَّ في بعضها يتلاقي مع المصالح الوطنيةِ لدول عديدة في أَكثَر من مكان في العالم : فالتوجهات الجديدة للسياسة الخارجية الروسية والتى بدأ العمل بها فى منتصف شهر شباط فبراير من العام الماضى، تعتمد أساسيات السياسة الخارجية الجديدة في معظمها على ضرورة استخدام الأشكال والمناهج العصرية للعمل السياسي الخارجي، بما في ذلك الدبلوماسية الاقتصادية، وإدخال ما يسمى بسياسة "القوة الناعمة" في السياسة الروسية الداخلية والخارجية . وتُعطى نظرية ا"القوة الناعمة" اهتماما كبيرا لحماية مصالح روسيا العارجية والدفاع عن حقوق المواطن الروسي في الداخل والخارج. وقد حرصت سياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التمسك بالمبادئ الرئيسية لنظرية السياسة الخارجية التي سبق وأعلنها خلال ولايتيه السابقتين ومنها الشفافية والوضوح والبراغماتية والتصميم علي تحقيق وحماية مصالح روسيا القومية، مشيرا الي ضرورة تنفيذ ذلك دون الانزلاق الي أية نزاعات أو مواجهات مع الاخرين والتعاون مع كل شركاء روسيا علي أساس مبدأ المساواة والاحترام المتبادل، اضافة الى مراعاة الدور المحوري للأمم المتحدة وسيادة القانون الدولي . وتسيطر حالة من القلق على السياسية الخارجية الروسية بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية التى يعانى منها المجتمع الدولى والتى أثرت بشكل واسع على العلاقات الدولية وعلى علاقة روسيا بصفة خاصة مع شركائها وحلفائها التقليديين وفى مقدمتهم الصين . أن هناك قلقا روسيا واضحا من الوضع الدولي الراهن وقد أثير هذا الامر على نحو مباشر ومكثف في أروقة صناعة القرار الروسي، وفي ندوات مغلقة ناقشت مستجدات الوضع الدولي وتم خلالها التحذير من تأثير تداعيات الازمات الاقتصادية والسياسية المتلاحقة في مناطق مختلفة من العالم، ومنها تأثير "الربيع العربي" الأبن الشرعي ل "ربيع دمشق" و لوسائل الإعلام "السلطة الخامسة" ودورهما المتزايد على النظام الدولي القائم، خاصة فيما يتعلق بإضعاف مبدأ سيادة الدول الذي قام عليه النظام الدولي منذ خمسينات القرن الماضي، لمصلحة تغليب مصالح الشعوب، مع ما يتبع ذلك من اعادة النظر بتركيبة مجلس الامن الدولي ومهماته . ويرصد المحللون السياسيون ارتفاع الهاجس الأمني عند القيادة الروسية فى الأونة الأخيرة حيث قام الرئيس الروسى بوتين عقب مشاركته في قمة دول مجموعة "بريكس" التي تضم إضافة إلى روسيا والصين كلاً من الهند والبرازيل وجنوب افريقيا، بإعطاء أوامر بإحياء تقليد سوفييتي بإجراء مناورات عسكرية مفاجئة تهدف الى المحافظة على حالة التأهب عند الجيوش الروسية وتوجه رسائل ذات مغزى عبر مناورات عسكرية تجاوزت حوض البحر الاسود ، وتلقاها الحلف الاطلسي وشركاء روسيا الاوروبيين بحذر واهمية خاصة. في الوقت الذي واصلت روسيا استعراض عضلاتها العسكرية في حوض البحر المتوسط موجّهة رسائل مماثلة الى دول حوض المتوسط. واعتبر المراقبون السياسيون أن موسكو تبنت عقيدة سياسية جديدة حملت خطاباً متشدداً للمرة الأولى منذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق على سكة التنفيـذ العملي. ولم يخف الروس ان التحديات الجديدة وعلى رأسها المتغيرات الأخيرة في العالم بما فيها الأزمة المالية والاضطرابات في منطقة "الشرق الأوسط وشمال افريقيا" التي شكلت حافزاً اساسياً لتشديد عدد كبير من البنود التي تقوم عليها سياسة "القوة الناعمة" الجديدة . المعتمدة من قبل فلاديمير بوتين بعد مرور يومين على اجتماعه مع مجلس الأمن الروسي والذي وقع فيه على وثيقة عقد جديدة اشار فيها : "تركز العقيدة على ضرورة استخدام الأشكال والمناهج العصرية للعمل السياسي الخارجي، بما في ذلك الدبلوماسية الاقتصادية، وإدخال ما يسمى بعناصر "القوة الناعمة" . و أضاف أنه "من المهم كذلك، أنها تأخذ في الاعتبار التغيرات الجارية في العالم، وفي وجه خاص، الظواهر الكبيرة كالأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي لا تزال مصدر ازعاج لنا جميعاً، وإعادة توزيع موازين القوة في الشؤون العالمية، والتصعيد الحاد للاضطربات في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا وارتفاع أهمية التقويم الثقافي الحضاري وقوة المنافسة في العالم" . ويعتبر المراقبون السياسيون أن ثورات الربيع العربى لعبت دورا رئيسيا فى دفع روسيا نحو إعادة التفكير فى تطوير السياسة الخارجية الا أن تطورات المنطقة العربية لم تكن الاساس الوحيد الذي دفع روسيا لتبني سياسة خارجية اكثر حزماً، لكنها بالتأكيد زادت قلق الكرملين من مخاوف تسريع إنشاء نظم دولية جديدة لا تناسب طموحات الروس . وكان بوتين قد طلب تعديل وثيقة السياسة الخارجية الروسية فور تسلّمه مقاليد الرئاسة في ولايته الجديدة، وقد أنجزت الخارجية الروسية وضع وثيقتها هذه في نهاية العام الفائت ، لكن الرئيس الروسى قام بتأجّيل التوقيع عليها مرات وأرسلها للمراجعة بهدف "التشديد أكثر على بعض بنودها" قبل ان تخرج بصيغتها النهائية في شباط فبراير الماضي . وبحسب مصادر سياسية فإن البنود التي طلب بوتين تشديدها كانت تتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة وبنمط العلاقات داخل الأمم المتحدة ومجلس الأمن .وعموماً، لم يكن إدخال عنصر استخدام القوة للمحافظة على مصالح روسيا هو التعديل الوحيد الذي اشار إلى التوجه لتشديد السياسة الروسية الخارجية. وتعتبر العقيدة الجديدة للسياسة الخارجية الروسية قد نجحت فى الحفاظ على غالبية بنودها السابقة كما تميزت بوضوح الفقرات التي تتعلق بدور روسيا ونيتها الدفاع عن حقوقها ومصالحها الوطنية ومواطنيها في اي مكان . ومن المعروف أن سياسة روسيا الخارجية تستند تقليدياً إلى مبادئ استراتيجية ثلاثة تشمل الحفاظ على روسيا كقوة نووية عظمى، وقوة كبرى في كل أوجه النشاط الدولي، وقوة مهيمنة في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية . قبل ان يضيف بوتين بعداً جديداً لسياسته الخارجية يقوم على التخلص تدريجاً من نتائج "الحرب الباردة" التي تم التعامل فيها مع موسكو باعتبارها الطرف المغلوب، ووضع مقدمات لاستعادة ما خسرته روسيا على الساحة الدولية بعد انهيار الدولة العظمى . بعبارة أخرى، كما قال خبير روسي: "أن نتقدم هناك حيث يضعف نفوذ الآخرين أو يكاد" . ويقول خبراء أن روسيا وجدت نفسها مضطرة في الفترة الأخيرة للتذكير بوضعها في مجلس الأمن. فهي بعد مرور عقدين على انهيار الدولة العظمى لم تستخدم خلالهما حق النقض الفيتو إلا مرات معدودة، استخدمت هذا الحق ثماني مرات في السنوات الأخيرة، ثلاث منها في الشأن السوري وحده. لـــكــن اللافــــت أن الـــنشــاط الدبلوماسي الروسي في منطقة الشرق الأوسط، والحديث الصاخب عن قلق روسيا بسبب التداعيات الجارية في المنطقة لم ينعكسا في الوثيقة الجديدة، فالمنطقة لم تقع في مكانة متقدمة على لائحة اولويات السياسة الخارجية ظاهريا على الأقل . وتنص الوثيقة الجديدة على عزم موسكو على المساهمة النشطة في تطبيع الوضع في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، والمحافظة على السلم المدني والوفاق في بلدان المنطقة على أساس احترام سيادة الدول ووحدتها ورفض التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية . وفيها تحرص روسيا على تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل . وأدرج واضعو الوثيقة بندين يتعلقان بالمنطقة أيضاً، أولهما يقرر مواصلة جهود موسكو لتسوية الملف النووي الإيراني سلمياً، والثاني يتحدث عن تعزيز العلاقة مع منظمتي "التعاون الإسلامي" و "جامعة الدول العربية" باعتبار ان موسكو تحظى بعضوية مراقبة فيهما . أن عنصر "الاستقرار" يعتبر عنصرا أساسيا في الشرق الأوسط اليوم . فعلى خلفية النزاعات العديدة وفي هذه الظروف نجد بعض الدول الإقليمية الأساسية تقف على "عتبة” تغيير السلطة ومفاتيحها ، كما يبدو استقرار الوضع السياسي الداخلي في سوريا من المواضيع الأكثر اهمية والحاحا اليوم . والحديث لا يقتصر على السوريين وجيرانهم في المنطقة الذين يعتبر الاستقرار بالنسبة لهم أساسا لمواصلة عمليات "تحديث" الاقتصاد و"الانفتاح" السياسي . إن الاستقرار في الشرق الأوسط عموما وفي سوريا بالتحديد، يتجاوب مع المصالح الروسية . ذلك أن الفوضى في المنطقة ليست في صالح روسيا انطلاقا من أن ظاهرة الفوضى لن تؤثر على مصالحها الاقتصادية والسياسية في الشرق الأوسط فحسب بل وستنعكس فورا على الوضع في آسيا الوسطى وما وراء القفقاز اللذين يعتبران من الميادين التي تحظى بالأولوية لنشاطات موسكو في السياسة الخارجية .