ـ أي نظام سياسي نريد لسوريا
معروف للجميع أنّ المجتمع السوري هو مجتمع قائم على التعدّد القومي والديني والمذهبي والثقافي. وهذا التنوّع لا يمثل حالة طارئة في تاريخ سوريا، وإنما هو أصيل وقديم. وكان على الدوام عنصرا للأمن والاستقرار بدلا من أن يكون عامل تمزيق وتشتت، مستندا على إرث التسامح في المجتمع السوري، وتمسك السوريين بقيم العيش المشترك. ولم تتبدّى مخاطره إلّا في ظلّ الاستبداد، عندما ساد منطق الاحتكار والاستئثار والاستحواذ على البلاد من قبل فئة بعينها على مقدرات البلاد قاطبة سواء كانت قومية أو حزبا أو عائلة، أفرغت العروبة والدين الإسلامي من محتواها الحضاري المنفتح، واستخدمتها وسيلة لطمس التمايزات والقضاء على الخصوصيات، والسعي لصهر وتذويب الجميع في بوتقة واحدة تخدم توجهاتها ومصالحها الضيقة، لذلك فإن المصلحة الوطنية تفرض على قوى المعارضة الوطنية الديمقراطية، والنخب السياسية في سعيها لإرساء نظام سياسي جديد لسوريا المستقبل، أخذ هذه المسألة بعين الاعتبار، والتفكير بإدارة مسألة التنوّع بطريقة عقلانية، تستخرج كلّ إيجابياته، وتحدّ من سلبياته، تحقيقا لأقصى درجات الاندماج الوطني، وقطع الطريق على أيّ شكل من أشكال الاستبداد سياسيا كان أم قوميا أم دينيا.
ـ النظام السياسي المنشود ما بين الدولة المدنية والعلمانية:
لا يمكن الحديث عن نظام سياسي جديد في ظلّ النظام القائم، والمدخل لقيام نظام سياسي جديد يلبّي طموحات السوريين، يتمثل بتغيير النظام الحالي بكافة رموزه، وتفكيك منظومته الأمنية القائمة على القمع والتسلّط وتأبيد الحكم، وتعميم الفساد والإفساد، وهو هدف تجمع عليه قوى الحراك الثوري وكافة قوى المعارضة الوطنية.
لقد تبنّت معظم قوى المعارضة وتياراتها الفاعلة، مصطلح الدولة المدنية الحديثة، كنوع من الهروب من مفهوم العلمانية، وتحاشت أي ذكر للعلمانية، ربما مراعاة للتيارات الإسلامية التي يرى بعضها في العلمانية معادلا للكفر والإلحاد. ولم تجهد هذه القوى نفسها في توضيح وتحديد ملامح ومقوّمات الدولة المدنية بالشكل المطلوب. بدورها القوى الإسلامية قدمت تعريفات مختصرة للدولة المدنية شابها الغموض واللبس، حيث رأى البعض في الدولة المدنية كاستمرار لدولة الرسول في المدينة المنوّرة واعتبرها أساسا للحكم والقياس. فيما رأى البعض الآخر بأنها الدولة التي لا يقودها رجال الدين ولا يحكمها العسكر. وآخرون عرّفوها بأنها دولة تحترم كل الشرائع السماوية، فلا تلزم غير المسلمين بشريعة الأغلبية، بل تحترم حقهم في تطبيق شرعهم الخاص. أو دولة عموم المواطنين، لكن لا ولاية فيها لغير المسلم على مسلم، ولا للمرأة على الرجل. إنّ هذه الرؤى لم تنجح في تبديد الغموض الذي اكتنف مصطلح الدولة المدنية خصوصا من منظور القوى الإسلامية، بل زاد من التوجس والمخاوف عند البعض، خصوصا لدى الأقليات، لأنّها لا تحقّق مبدأ المساواة بين المواطنين، وتكرّس التمييز فيما بينهم على أساس الدين، وما يحمله ذلك من مخاطر وتبعات على وحدة المجتمع الدولة.
إن فهمنا للدولة المدنية الديمقراطية الحديثة ينطلق من كونها دولة مستقلة ذات سيادة، دولة دستورية تمتلك دستورا وضعيا توافقيا يساهم في صياغته كافة القوى السياسية والمكونات الوطنية، وهي دولة عابرة للقوميات والأديان والمذاهب، وهي بهذا المعنى دولة كل المواطنين بغضّ النظر عن انتماءاتهم المختلفة، وليست حكرا لدين أو مذهب أو طائفة أو عرق أو أيديولوجيا أو حزب، هي الدولة التي تحترم العقائد الدينية ولا تعاديها دون أن يترتب على ذلك أيّة امتيازات. هي دولة الحقوق والواجبات ودولة المواطنة المتساوية وفصل الدين عن السياسة والدولة، السيادة فيها للشعب وتقوم على فصل السلطات وتسود فيها سلطة القانون على الجميع، وتعتمد الديمقراطية كنظام سياسي يقوم على التداول السلمي للسلطة عبر انتخابات نزيهة.
وفق هذه الرؤية فإن مفهوم الدولة المدنية لا يتعارض ومفهوم العلمانية، بل يتقاطع معه إلى درجة التطابق. لهذا لا نجد في المنظمة الآثورية الديمقراطية مبرّرا لاستبدال مصطلح العلمانية بالمدنية، ونرى في ذلك نوعا من الالتفاف والتهرب من الالتزامات الواضحة التي تستوجبها القيم العلمانية، تحقيقا لغايات يخفيها البعض من وراء التلطي والتمسّك بمفهوم الدولة المدنية.
إننا في المنظمة الآثورية الديمقراطية نؤمن بفصل الدين عن السياسة، وحيادية الدولة تجاه الأديان، ونرى في العلمانية والديمقراطية شرطان متلازمان، لا يمكن أن يتحقق أحدهما بمعزل عن الآخر. والنظام الديمقراطي العلماني يوفر حريات واسعة لكل الأديان، ويمنع التمييز الديني والطائفي واضطهاد الأقليات والمرأة، ويمنع استغلال الدين وتوظيفه من قبل السلطة أو التيارات السياسية المتنافسة لأغراضهم الخاصة، ولا ننظر إلى العلمانية باعتبارها عقيدة أو أيديولوجيا، وهي ليست معادية للأديان ولا تنتقص من قدسيتها، بل تهدف إلى تحديد مسافة فاصلة بين الدين والدولة، وأن تقف الدولة على مسافة واحدة من جميع الأديان، وتكفل للجميع حرية ممارسة دينهم وعقائدهم وطقوسهم دون فرض وصاية أو هيمنة من الدولة والمجتمع على أساس ديني. كما أن العلمانية ليست فلسفة إلحادية كما يقول السيد راشد الغنوشي رئيس حزب النهضة التونسي، وإنما هي ترتيبات وإجراءات لضمان الحرية، وضمان حرية المعتقد والفكر. وأخيرا، ليس للعلمانية نموذج موّحد للقوانين والتشريعات، يتم تعميمها واستنساخها في كلّ دولة تأخذ بالنظام العلماني بل هي نظرية تسعى لأن تكفل لجميع المواطنين فرصا متكافئة، وتضمن لهم الحرية في الاعتقاد والفكر والتعبير وتتأثّر بثقافة المجتمع وهويته وموروثه الشعبي، ولها تطبيقات ناجحة في دول عديدة في الغرب والهند واليابان وماليزيا وتركيا وغيرها، وهي دول تعتنق ديانات مختلفة، والجوهر في كل هذه التجارب هو تحييد الدين عن السياسة. وبمعزل عن نشوء وتطور المفهوم في الغرب، فإنه أضحى قيمة إنسانية عابرة للقارات والأجناس والأديان، ونجاح تطبيقه جعل منه صالحا للتعميم ما دام يخدم فكرة الحرية، وقيم التعايش الحرّ، وتحقيق الخير العام للمجتمع.
حقوق الأفراد والجماعات ….أسئلة الهوية والمواطنة والاندماج:
مفهوم المواطنة هو مفهوم أساسي تنهض عليه الدولة الوطنية الحديثة، كما أنه الأساس الدستوري للمساواة في الحقوق والواجبات بين أبناء الدولة الواحدة. ويرتكز هذا المفهوم إلى ثلاثة أسس أوّلها، حقوقي يرتبط بالمساواة بين المواطنين. الثاني، سياسي اجتماعي يتعلق بالمشاركة السياسية، وكذلك المشاركة في عائد التنمية. والثالث، رمزي معنوي يرتبط بمعاني الانتماء والارتباط بالوطن.
ومفهوم المواطنة يتعلّق بتعريف الفرد الذي يعيش على أرض هذه الدولة، فهذا الفرد لا يعرف بمهنته أو بدينه أو بجنسه أو بقوميته، وإنما يعرّف تعريفا قانونيا اجتماعيا بأنّه مواطن، أي عضو في المجتمع له حقوق وعليه واجبات، وشرط المواطنة الكاملة هو المساواة التامة في الحقوق والواجبات وأمام القانون.
ونرى أن هناك تلازما جدلّيا بين حقوق الإنسان وحقوق المواطنة، لأنّ مواثيق حقوق الإنسان ركّزت اهتمامها على حقوق المواطن في وطنه. انطلاقا من ذلك، يصبح النضال من أجل المواطنة، هو نضال في نفس الوقت من أجل تثبيت حقوق الإنسان كما وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية التي جاءت بعده وأهمّها العهدين الدوليين لعام 1966 وإعلان الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 1992 الخاص بحقوق الأفراد المنتمين للأقليات القومية والدينية والأثنية والثقافية.
إن ما يسري على حقوق الأفراد يسرى على حقوق الجماعات، وفق ما جاء في المواثيق الدولية لا سيّما المتعلقة منها بحقوق الأشخاص المنتمين إلى الأقليات والشعوب الأصلية التي لحظت أهمية صون حقوق الجماعات خصوصا في الدول ذات التعدّد القومي والديني والثقافي واللغوي، وعليه فإن تبنّي وإدراج المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الأفراد والجماعات في أيّ دستور مقبل للبلاد بحيث تكون جزءا عضويا وأساسيا منه وليس نوعا من الترف القانوني، بل هو ضرورة ملّحة لحلّ مسألة التعدّد القومي والديني والثقافي في سوريا، حلاّ وطنيا ديمقراطيا عادلا ضمن إطار وحدة سوريا أرضا وشعبا.
في هذا السياق نذكر بأن الشعب الآشوري السرياني يعتبر من أقدم الشعوب في سوريا ومن أسمه استمدت أسمها (سوريا مشتق أسمها من: ASSYRIA اسيريا-آشور، وفق المؤرخين الثقاة ومنهم هيرودوت اليوناني بالقرن الرابع قبل الميلاد). وندعو إلى الاعتراف الدستوري به كمكون من مكونات الشعب السوري، واعتبار اللغة والثقافة السريانية لغة وثقافة وطنية وضمان الاعتراف بهويته القومية، وحقوقه القومية دستوريا،. كما وندعو إلى الاعتراف الدستوري بالوجود والهوية القومية للمكون الكردي وكذلك لجميع المكونات القومية في سوريا وذلك ضمن إطار وحدة سوريا أرضا وشعبا.
سؤال الهوية والاندماج
إن الإطار الدستوري والقانوني هو الذي يحدد مستوى وقابلية الاندماج الوطني في أيّة دولة. فإذا بني على أسس العدالة والمساواة والشراكة واحترام الهويات والخصوصيات، وقبل هذا وذاك على المواطنة الكاملة، فإنّ هذا كفيل بتحقيق الاندماج الوطني والتماهي في النظام السياسي الحديث. من هنا فإن الدولة ذات التعدّد القومي والديني والثقافي يجب أن تنأى بنفسها عن أن تكون ملكا لجماعة قومية بذاتها، أو لدين بعينه، وعليها أن تنبذ سياسيات الاستعلاء والاحتكار، أو فرض هوية واحدة على الجميع، واستبعاد الجماعات والأقليات الأخرى. وعليها بدلا من ذلك القبول بأن يكون المواطنون متساوون بالكامل في الحياة السياسية من دون الاضطرار إلى إخفاء أو إنكار هويتهم القومية أو الثقافية أو الدينية الخاصة بهم.
وتنطلق المنظمة الآثورية الديمقراطية في مقاربتها للمسألة الوطنية في سوريا من احترام الدولة السورية بحدودها الراهنة المعترف بها من الأمم المتحدة، بما في ذلك الجولان المحتل، باعتبارها وطنا نهائيا لجميع أبنائها، كما تعمل على إعادة الاعتبار للرابطة الوطنية السورية وتنميتها وتعزيزها، وبناء هوية وطنية سورية جامعة، تنهل من حالة التعدد القومي والديني والثقافي التي يتصف بها المجتمع السوري، هوية وطنية عصرية تتجاوز حالات الانقسام المجتمعي سواء على أساس قومي أو ديني أو طائفي أو مناطقي، كمدخل لا بد منه لمعالجة الخلل والشرخ الكبير في الرابطة الوطنية، وتحويل حالة التنوّع إلى عامل غنى وثراء وطني، بدلا من أن تكون عام تمزيق للهوية السورية ومهدّد لوحدتها الوطنية, وهذا يستدعي من الجميع رفض كلّ أشكال التعصّب والتطّرف والاستعلاء القومي والديني، والعمل على إشاعة ثقافة المواطنة والاعتدال والتسامح والقبول بالآخر، وجعل الحوار قاعدة أساسية للعلاقة بين مكونات المجتمع والتيارات السياسية والفكرية المختلفة، كما تفرض على القوى السياسية القومية والدينية التحلّي بالواقعية، والتخلّي عن أجنداتها ومشاريعها المثالية التي تحيل البلاد إلى مجرّد قطر أو ولاية في منظومة متخيّلة لا تجد صدى لها في الواقع، وعليها الانصراف إلى بناء دولة ديمقراطية حديثة قادرة على تحقيق الرّفاه والازدهار لمواطنيها، وقادرة على التفاعل والتكامل مع محيطها الإقليمي والمجتمع الدولى وفق سياقات عصرية ومتطّورة تلبّي مصلحة شعبها ومصلحة الوطن عموما .
المبادئ العامة الناظمة للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في سوريا الجديدة
– سوريا الجديدة دولة ديمقراطية علمانية، نظامها جمهوري برلماني، السيادة فيها للشعب، ويقوم على مبدأ المواطنة المتساوية وفصل السلطات وتداول السلطة سلميا، وسيادة القانون وحماية الأقليات وحقوقهم, وهي تضمن لمواطنيها ما ورد في الشرائع الدولية من حقوق للإنسان، والحريات الأساسية في الاعتقاد والرأي والتعبير والاجتماع والإعلام وغيرها، كما يكون جميع مواطنيها متساوين في الحقوق والواجبات دون أي تمييز على أساس القومية أو الدين أو الجنس.
– تطبيق نظام اللامركزية بصلاحيات موسعة للوحدات الإدارية.
– المساواة التامة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق والواجبات، وإلغاء كافة أشكال التمييز والعنف ضد المرأة، وسن قوانين تضمن تمثيلا عادلا للمرآة في كل المؤسسات والسلطات.
– الاعتراف الدستوري بحالة التنوع القومي، وضمان الحقوق القومية للأكراد والآشوريين السريان وغيرهم.
– إعادة هيكلة الجيش على أسس وطنية ووفق الحاجات التي تتطلبها مهام الدفاع عن الوطن والمواطن، وتحييده عن العمل في السياسة.
– إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وحصر مهامها في الحفاظ على أمن الوطن والمواطن.
– الالتزام بوضع خطط طموحة للتنمية الاقتصادية والبشرية، وبمكافحة الفقر، وإيلاء الاهتمام بالمناطق المحرومة وتحقيق مبدأ الإنماء المتوازن في كافة المحافظات.
– تحقيق العدالة في توزيع الثروة الوطنية، بحيث تكون الموارد الوطنية ملكا للسوريين جميعا، وتوجيه ثمار التنمية نحو رفع مستوى حياة جميع المواطنين.
– الالتزام بالقضاء على الأمّية والارتقاء بمستوى التعليم في كافة مراحله، وتحرير المناهج الدراسية من الخطاب العاطفي، والتحوّل نحو خطاب علمي وعملي للاندماج في مجتمع جديد يحقق الخير والأمان لجميع المواطنين.
– تحرير الإعلام من الهيمنة الحكومية، والسماح بإقامة مؤسسات إعلامية خاصة ومستقلة، تلتزم بمعايير المهنية والنزاهة، وقادرة على مراقبة تطبيق القانون وتقويم أداء المؤسسات الحكومية.
– ضمان حق المرأة والطفل وحماية الأسرة، وتوفير الضمان الصحّي لكلّ أفراد المجتمع وسن قوانين عصرية للتضامن والتكامل الاجتماعي ورعاية أصحاب الاحتياجات الخاصة.
– العمل على استعادة السيادة الوطنية على الجولان المحتل استنادا على القرارات الدولية ذات الصلة.
– اتّباع سياسة خارجية تستوحي مبادئ وقواعد القانون الدولي القائمة على احترام سيادة الدول، وصيانة السلم الأهلي، وإقامة أفضل العلاقات مع الدول العربية ودول الجوار الإقليمي وبقية دول العالم بما يخدم ويحقق المصالح الوطنية لسوريا.