أسامة أدور موسى*
انطلاقا من الحقائق – البديهات التي أوردناها في الجزء الثاني من هذا المقال يمكننا التمييز بين ذهنيتين متناقضتين تحكمان رؤية الآشوريين السريان للأحداث الدائرة على الساحة السورية هذه الأيام:
– الذهنية الذمية: والتي تتلخص بالشعور بالدونية والضعف تجاه الآخر المختلف الذي عادة ما يكون في نظر أصحابها أو ربما في لاوعيهم "قويا ومتفوقا"، وتوكيله المحاماة عنا باعتبار المسيحيين "أهل ذمة" لا يحق لهم الاعتراض على "أولي الأمر". وهي تنطلق من عقلية أقرب ما تكون الى تبني المعتقدات الدينية ونكران الانتماء القومي، والاكتفاء بحق "قرع النواقيس" وحق "التوجه للكنيسة" وهي تعتبر هذه الحقوق عطية ومنة وصدقة كبرى من النظام يجب شكره عليها، وعدم التطاول والتمادي ونكران الجميل بشأنها.
– الذهنية الندية: وهي التي تتعاطى مع الآخر من موقع الندية والمساواة في الشراكة الوطنية ومن منطلق التناظر التام في الحقوق والواجبات دون تصنيف وتمييز لمواطني سوريا أيا كانت انتماءاتهم القومية والدينية والسياسية. وهي تنطلق في رؤيتها هذه من رفض الواقع الحالي و تتحدى قمع السلطات لتطالب بتغييره، لإيصال صوت شعبنا المضطهد الى مراكز القرار وتثبيت حقوقه.
ورغم أن المنظمة لم تعلن أو تطالب رسميا في بيان أو وثيقة أو سواها بإسقاط النظام، بل اكتفت كغيرها من قوى إعلان دمشق بالمطالبة بالاصلاح الفوري الجذري الحقيقي، إلا أنها ترفض بوضوح تام واقع القمع وغياب الحريات والديمقراطية، واستمرار اعتبار الآشوريين السريان مواطنين درجة ثانية، وبالتالي ترفض كل عمليات التعريب وإنكار الوجود القومي التي تطالهم. وكل ذلك يمر عبر بوابة حقوقنا القومية والوطنية المشروعة باعتبارنا مواطنين سوريين أصلاء لنا الحق الطبيعي أن نعارض وننتفض ونطالب، تماما كما يحق لأي سوري آخر أن يفعل .
فنحن لسنا "أهل ذمة" لا يحق لهم التدخل في المحظور المحذور من قضايا الشان العام والسياسي، بل نحن "أهل قمة" و "أهل همة" لأننا نحن الذين أسسنا هذا الوطن قبل ستة آلاف عام وأطلقنا إسمنا عليه، وبالتالي يحق لنا كما يحق لغيرنا أن ننتفض ونعارض ونشارك في الحراك الوطني، بوصلتنا المحافظة على استمرار وجود شعبنا وحمايته بقوة النص الدستوري وقوة القانون عبر تثبيت حقوقنا الكاملة فيه، وليس بالتشبيح والمحسوبيات وحكم الأقليات المتحالفة حسب النظرية الخرندعية التي يروج لها البعض. لماذا؟ ببساطة لأن الدستور والقانون باقيان ويعلوان على كل ما سواهما، أما الأنظمة والسلطات والأشخاص فمتغيرون زائلون. وهذا ما تعمل المنظمة على التوصل الى تحقيقه من خلال حضورها الفاعل في المشهد السوري المعارض، ومشاركتها في الحراك الوطني لتكون قريبة من مطبخ صنع التغيير الذي تشهده سوريا هذه الأيام لضمان تثبيت حقوقنا الكاملة، وفي مقدمتها الاعتراف بالاشوريين السريان شعبا وقومية أساسية، كي لا تبقى حماية حقوقنا مرتبطة بأي سلطة، فتزول بزوالها.
يأحذ بعض منتقدي الخيارات السياسية للمنظمة الآثورية علينا مشاركتنا الى جانب القوى الوطنية السورية في مطلب الحرية والديمقراطية متناسين أن هذا النظام كان وراء عدد كبير من الممارسات العنصرية تجاه شعبنا، ومنها لا على سبيل الحصر:
1 – صهر ومحو وإنكار الانتماء القومي للآشوريين السريان في سوريا عبر فرض القومية العربية عليهم كما يرد في بطاقاتهم الشخصية (عربي سوري) ، ومن خلال عدد كبير من مواد الدستور وخصوصا المواد الأولى والثالثة والرابعة منه، التي تعتبر سورية "قطرا عربيا" وأن مواطنيها هم "جزء من الشعب العربي" ، وتحصر "دين رئيس الجمهورية بالإسلام"، وتعتبر "الفقه الإسلامي مصدر التشريع". حيث تبدأ معظم المواد في الدستور السوري بعبارة "يحق لكل مواطن عربي سوري أن … ".
2 – منع الآشوريين السريان التحدث بلغتهم الأم في المدارس الرسمية والدوائر الحكومية والمؤسسات العامة. وحرمانهم من تعلم لغتهم الأم باستثناء السماح لهم بتنظيم بعض الدورات الصيفية والخاصة تحت إشراف المؤسسة الكنسية المباشر باعتبارها "اللغة الطقسية الكنيسية" وليست لغة الشعب.
3 – استمرار تجريد عشرات العوائل المسيحية (معظمهم من الآشوريين السريان) من الجنسية السورية وبالتالي من كافة حقوقهم المدنية واعتبارهم بمثابة أجانب عقب إحصاء عام 1962 الجائر.
4 – سلب أراضي الفلاحين المسيحيين في منطقة الجزيرة وتوزيعها على الأسر العربية بحجة التأميم عام 1963 الذي أدى إلى تهجير الطبقة البرجوازية المسيحية القوية حينذاك ليتبعها هجرة الأسر العاملة، ما فتح الباب واسعا أمام مخطط تغيير النسيج الديمغرافي في مدن الجزيرة السورية ذات الأغلبية المسيحية، ما أدى لاحقا الى انطلاق موجات الهجرة الجماعية لأبناء شعبنا من المنطقة.
5 – تجفيف نهرالخابور (عبر مشروع قناة الري السيء الصيت) الذي أدى إلى جفاف واقتلاع أكثر من مليوني شجرة مثمرة صيف العام 1997، وتحول عشرات آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية الى أراضي بور، وتضرر آلاف الأسر التي تعتمد على الزراعة في معيشتها وحياتها، وهجرة عدد كبير من أبنائها لاحقا بسبب ظروف الفقر وفرض رسوم الري على فلاحي القرى الخابورية حتى بعد جفاف النهر (لم تلغ حتى الآن).
6 – التمييز ضد الآشوريين السريان في المحاكم والقضاء والتعيينات والمراكز الحكومية، حتى البعثيين والمرتبطين بالسلطة منهم، حيث يحرم هؤلاء من المناصب والامتيازات الحزبية التي تمنح إلى نظرائهم العرب. ومن لا يتذكر تعرض الكثير من مدن محافظة الحسكة أواخر التسعينيات الى ما كان يسمى بـ "حملات التنظيف" حيث يتم تركيب وتلفيق ملفات فساد لعدد كبير من رؤساء الدوائر الحكومية ومدراء المؤسسات والمدارس والمعاهد المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة من المسيحيين البعثيين (وغير البعثيين) ليصار لاحقا الى إعفائهم أو فصلهم أو سجنهم ظلما وعدوانا .
7 – معاقبة الناشطين والسياسيين والكتاب الآشوريين السريان بالنقل والفصل والطرد من الوظائف الحكومية العامة بحجة الانتماء الى أحزاب سياسية محظورة. وتعرض آخرين الى ضغوطات هائلة لمغادرة البلاد بعد تخييرهم بين الولاء للنظام عبر التعاون مع الأجهزة الأمنية أو التجويع عبر محاربتهم بلقمة عيشهم.
8 – تعرض تنظيماتهم السياسية لحملات اعتقال بعيد كل تحرك يتوسل المطالبة بحقوقهم ومثال ذلك حملات التنكيل والاعتقال المتكررة ضد قيادات المنظمة الآثورية الديمقراطية خلال العقود الأربعة الماضية، ومنع قيادة الحزب الآشوري الديمقراطي من السفر خارج البلاد، والتضييق على قياديي التجمع الديمقراطي الآشوري السوري، واعتقال عدد من الكتاب والناشطين والمواطنين لازال بعضهم يقبع في السجون ظلما منذ ما يقارب الثلاثة عقود.
9 –التغطية على سطو بعض الفلاحين العرب وعوائلهم على الأراضي الزراعية التي يملكها آشوريون سريانا في منطقة الجزيرة، والتمييز ضد أصحابها الأصليين في المحاكم وتهديدهم بالقتل. وهناك ملفات كثيرة في طور الإعداد لبيان هذه الاعتداءات بالأرقام والأسماء ستنشر قريبا.
10 – التمييز ضد الآشوريين السريان في المحاكم السورية، وإعفاء المجرمين الذين يعتدون عليهم دون عقاب، ومثال ذلك اعتقال وسجن ستة عشر شابا لمدة ستة أشهر إثر مظاهرتهم احتجاجا على مقتل شابين مسيحيين في الحسكة على يد ضابط سوري برتبة رائد في العام 2004.
11 – إصدار القانون رقم (49) لعام 2008 الذي استهدف خصوصاً التوزع الديمغرافي للآشوريين السريان من جهة وللأكراد من جهة أخرى، من خلال منع بيع وشراء العقارات الا بموافقة الأجهزة الأمنية، وهذا أسلوب متطور للفساد وللرشاوى، كما هو تكتيك ماكر استهدف منع غير العرب من شراء العقارات من جهة، وضرب الوحدة الوطنية للايقاع بين مكونات سكان الجزيرة السورية وتأليبها ضد بعضها البعض من جهة أخرى.
12 – التضييق على الآشوريين السريان في مناسباتهم القومية ومنع الاحتفال بها، كعيد رأس السنة الآشورية وعيد الشهداء وعيد الصحافة وغيرها، ومنع رفع أعلامهم ورموزهم القومية واعتقال من يرفعها، وحرمانهم من إطلاق أسمائهم القومية على مواليدهم الجدد. والتعتيم الإعلامي الرسمي على وجودهم في سوريا، وعدم إبراز تراثهم وثقافتهم وفولكلورهم وأغانيهم، ومنهجة منعهم من الظهور على منابر الإعلام السوري بشكل قطعي، إلا اللهم للتمجيد بالنظام.
13 – تغيير أسم سوريا في كل المطبوعات والخرائط الى "سورية" بالتاء المربوطة إمعانا في تعريبها. والمعروف أن سوريا (أو سيريا) هي نحت لفطي متطور عن الأسم الأصلي "أسيريا" وبالانكليزية : Syria – Assyria أي آشور.
14 – تزييف التاريخ الآشوري في سوريا من خلال الكتب المدرسية باعتبار الآشوريين والبابليين والأكاديين والآراميين عربا قدماء منقرضين، وتعمد إهمال المواقع الأثرية التي تعود الى الحقبة الآشورية دون غيرها، مع التعتيم التام على النتائج التي تتوصل إليه بعثات التنقيب الأثري لتشويه تاريخ سوريا (هم يكتبونها "سورية" بالتاء المربوطة لتثبيت عروبتها)
هذا غيض من فيض ما أسعفتني ذاكرتي على كتابته وتلخيصه مما يتعرض لها شعبنا في سوريا.
والتفاصيل كثيرة قد نسوق بعضها لاحقا في الجزء الرابع.
* أسامة أدور موسى
إعلامي آشوري