سعيد لحدو
21 نيسان 2011
لقد قيل: "إذا لم تستحِ، فافعل ماشئت". وأبو صالح كان ضحية حيائه الذي كان ثقافة وقيمة معتبرة من قيم عصره، عندما اضطر لمغادرة قريته إلى غير رجعة بعد أن انحلت تكة سرواله في غفلة منه في ساحة القرية وباتت تلك الحادثة موضوعاً للتندر بين الأهالي لزمن طويل. لقد استحى الرجل ورحل بلا طول سيره.
أما الأنظمة الجاثمة على رؤوس شعوب المنطقة العربية منذ عقود، فلم تمتلك من الحياء الحد الأدنى الذي يجعلها تلتفت إلى سراويلها المحلولة منذ بلاغها رقم واحد، قبل عقود مضت. تلك السراويل التي انزلقت بين ساقيها كاشفة عن عريها وعهرها. وهي مازالت تنازع على ماتبقى لها من مقومات البقاء، مراهنة على بقاء الشعب أعمى وأخرس وبأذن واحدة لسماع رواياتها المبتذلة لوقائع لم يعد بالإمكان إخفاؤها، رغم محاولات التزوير والتدوير اللاهثة لستر المكشوف وتفسير المعلوم.
هذا في الوقت الذي قبضت الشعوب على سراويل الأنظمة المحلولة، وألقت بها في الساحات العامة، لتنكشف عارية من كل ماكانت تتستر به من مقولات وشعارات ومعارك دونكيشوتية، لم تخلف لشعوبها سوى المزيد من القهر والفقر والتراجع والهزائم العسكرية والاقتصادية والسياسية. بينما كانت عشرات المليارات تتكدس في بنوك الخارج لحساب قادة تلك الأنظمة وأفراد عائلاتهم وأقاربهم. مقولة سورية ليست مصر ولا تونس، لم تنقذ النظام السوري من انتفاضة شعبية عارمة لطالما تجاهل النظام ورئيسه في المقام الأول دوافعها ومسبباتها.كما لم تنقذ هذه المقولة نظام مبارك من قبل. ذلك لأن السراويل المحلولة لابد أن تكشف عن العورات التي كانت تتستر عليها.
ولن يهم حينذاك أن يكون أبو صالح صاحبه أو أي رجل آخر مهما كان اسمه طالما أن أعين الجمهور باتت مفتوحة وتستطيع أن تميز فيما إذا كان الملك عارياً أو أن خياطه ليس سوى مهرج دجال. الغريب أن هذه الأنظمة قد أعماها التبجح الفارغ وهي لا تتعظ ولا تتعلم من أخطاء الآخرين. لذلك نجدها تكرر المسرحية التراجيدية ذاتها على إيقاع دم أبناء الشعب. فمن البلطجية إلى الشبيحة مروراً بالملايين التي ستهب لحماية ملك الملوك وعميد الحكام العرب وقائد الثورة العالمية بمجرد أن يفتح فمه ولو ليتثاءب.
وحكاية السروال المحلول إياها تعود إلى الواجهة وتغدو موضوعاً للتندر كلما غير النظام محافظاً أو رئيساً لفرع أمن أو شكل حكومة جديدة أو أصدر بعض القرارات التزيينية، على أمل أن ذلك سيهدئ من ثورة الشعب الذي صمم على أن يقبض على مصيره بيده. وهو لن يركن إلى الراحة إلا بعد أن يقضي نهائياً على دجل النظام ومراوغاته المستمرة بالتزييف والترهيب والترقيع غير المجدي. ذلك لأن المشكلة ليست بالأشخاص حتى يتم تبديلهم، وإنما بالبنية الأساسية للنظام والسياسات التي يتبعها.
لقد تعلل رأس النظام السوري باتفاقية كامب ديفيد كسبب لقيام الثورة المصرية. وسخَّر إعلامه إسابيع لترديد هذه المقولة. على أمل أن تشفع له هذه السياسة لدى الشعب السوري ليتعامى عن عورة النظام المكشوفة حتى للأطفال. وحين بدأت الانتفاضة السورية انحرف الحديث إلى سياسة المقاومة والممانعة التي ينتهجها النظام في وجه أمريكا وإسرائيل، وإلى عصابات مسلحة ظهرت فجأة على أسطح المباني الحكومية وباتت تطلق النار على الناس. ومن غريب الصدف أن نيرانها تلك لم تصب إلا المتظاهرين؟؟ ولا بأس في هذه الحالة، وللحفاظ على شيء من المصداقية، أن تصوب النيران أحياناً إلى بعض تعيسي الحظ من رجال الأمن؟؟
ومن غريب الصدف أيضاً أن يظهر الكثير من المسؤولين السوريين وفي مقدمتهم الرئيس نفسه ليقولوا بأن مطالب الناس محقة!! ولهم الحق في أن يتظاهروا بشكل سلمي وحضاري. وهو الشعار الذي يجري ترديده في جميع المظاهرات التي خرجت حتى الآن. ومع ذلك فلم تخلُ مظاهرة واحدة تقريباً من حالات الاعتقال والعنف والقتل الممارس ضد المتظاهرين!!!
لقد أراد الناس أن يكونوا بكل بساطة مواطنين في دولة تحترم كرامة المواطن ورأيه وحريته. في حين كانت الأنظمة، وفي مقدمتها النظام السوري، تعمل على الدوام لإبقائهم رعايا لايحسنون إلا التسبيح بحمد القائد الرمز والسياسة الحكيمة. في حين أن السراويل المحلولة أظهرت عوراتٍ مقززةً لا تتسق مع تلك المقولة. وفوق ذلك فإن السراويل المنزلقة بين الساقين أفقدت هذه الأنظمة التوازن وجعلت أية حركة للنظام سواء إلى الأمام أم إلى الوراء من الصعوبة لدرجة أوقعتهم في حيرة بالغة.
فكلما خطى النظام خطوة باتجاه الشعب يتخذ في الوقت ذاته خطوة أخرى لتدعيم سلطته ونفوذه تبعده أكثر عن الشعب. وهنا لم يعد من خيار آخر أمام هكذا نظام. فإما أن يتخلى كلياً عن سرواله ذاك الذي بات يعيق أية حركة له، وبالتالي يرضى هذا النظام بكشف عريه التام أمام شعبه ويقبل بتبعات هذا الانكشاف. أو أن يعيد ستر عوراته بإصلاح وضع سرواله المحلول وذلك عن طريق البدء فوراً بإصلاح شامل وجذري على كل صعيد، وفي مقدمتها وضع دستور عصري يعبر عن تطلعات الشعب وقيم الحرية ومبادئ العدالة والمساواة وحقوق الإنسان، وكل ما يستتبع ذلك من الإعتراف بالتنوع القومي والديني والثقافي والسياسي في المجتمع.
فهل سيتعظ ماتبقى من هذه الأنظمة بما جرى ويجري قبل أن تُدفَع إلى مصير سابقيها؟ هذا إذا كان هناك بعد فرصة للاتعاظ على أمل ألا تفوَّت كسابقاتها. وأخص هنا النظام السوري ورئيسه الشاب الذي يبدو أنه يخطو الخطوات ذاتها التي سار عليها نظام الشيخ مبارك ولقي مالقي من مصير.