الرئيسية / مقالات حول سوريا / إشكالية قانون الأحزاب في مصر وسورية

إشكالية قانون الأحزاب في مصر وسورية

منير درويش
كلنا شركاء

إن قانون الأحزاب رقم 12 لعام 2011 الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، بهدف تخفيف للقيود المفروضة على تأليف أحزاب جديدة، كما ورد فيه يطرح إشكاليات كبيرة. فقد جاء تعديلاً للقانون رقم 40 لعام 1977 الذي. ينظم العمل الحزبي في مصر إبان الحكم السابق، فهو من الناحية العملية يقسم الأحزاب إلى أحزاب قائمة وفق القانون 40، وأحزاب يمكن أن تشكل بعد هذا القانون.

وقد أشارت بعض الأوساط السورية إلى إمكانية الاستفادة من هذا القانون عند مناقشة قانون الأحزاب فيها.. ورغم أنني كنت من أوائل الذين اقترحوا على شباب ثورة 25 يناير تشكيل حزب سياسي لهم في ميدان التحرير ليكون ضمانة لتحقيق أهداف الثورة في المرحلة الانتقالية وتشكيل حماية سياسية لأهداف الثورة ( مقالتينا ثورات الشتاء، والثورة وضرورة الاستمرار ).، فإنني الآن اعتقد أنه كان على المجلس الأعلى وعلى ضوء التطورات التي حصلت بعد نجاح الثورة أن يؤجل هذا الموضوع لحين استكمال تشكيل مؤسسات الدولة المدنية التي فرضت الثورة شروطها ومنهجها، خاصة بعد التعديلات التي أجريت على الدستور والمتعلقة بطريقة ترشيح رئيس الجمهورية وانتخابه، والتي لم تكن موفقة تماماً رغم التأييد الذي حظيت به. ونظراً لأهمية قانون الأحزاب المصري رأينا أن نبدي بعض الملاحظات عليه وفرص تطبيقه على بعض الدول كسورية مثلاً.

قبل ذلك سنعرض لتعريف الحزب العصري كما ورد في كثير من المصادر أو كما أقر من قبل مجموعات عربية في اجتماع اكسفورد عام 1992. يعرف الحزب بأنه مجموعة من الأشخاص تجمعهم مباديء محددة، ويعملون من اجل ترويجها ونشرها، وهؤلاء الأشخاص يضعون لحزبهم دستوراً مكتوباً يتضمن شروط العضوية، وأصول التنظيم، وانتخاب المسؤولين، ويضيفون إليه أحياناً طريق الوصول للسلطة كشرط ينبغي توفره تمييزاً عن الجماعات الضاغطة. ويعرف أيضاً، بأنه مجموعة من الأفراد، ذي بناء تنظيمي يعبر في جوهره عن مصالح قوى اجتماعية محددة تستهدف الوصول للسلطة السياسية أو التأثير فيها بواسطة أنشطة متعددة: إذن فالهدف الرئيسي للحزب هو تحقيق أهدافه.والوصول للسلطة أو التأثير فيها هي السبيل لتحقيق هذه الأهداف.

ينص قانون الأحزاب المصري الجديد الذي حدد هدفه بتخفيف القيود المفروضة على تأسيس أحزاب جديدة في البلاد وفق النقاط التالية ( سنذكر النقاط الرئيسية ):
– عدم تعارض مباديء الحزب مع المباديء الأساسية للدستور. أو مقتضيات حماية الأمن القومي المصري، أو الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، والنظام الديمقراطي.
– عدم قيام الحزب في مبادئه وبرامجه أو في اختيار أعضائه، على أساس ديني أو طبقي أو طائفي أو فئوي أو جغرافي أو بسبب اللغة أو الدين أو العقيدة.
– يقدم الإخطار بتأسيس الحزب مكتوباً، ومصحوباً بتوقيع خمسة ألاف عضو من الأعضاء المؤسسين من عشر محافظات على الأقل إلى لجنة الأحزاب… على أن تنشر الأسماء في جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار خلال ثمانية أيام من الإخطار.
– عدم قيام الحزب كفرع لحزب أو تنظيم سياسي أجنبي.
– أن يكون عضو الحزب مصرياً، ويشترط فيمن يشترك في التأسيس أو يتولى منصباً قيادياً أن يكون من أب مصري.
– نصت المادة الثامنة على: تتمتع اللجنة التي ستقر مباشرة نشاط الحزب بصلاحية طلب أي مستندات أو بيانات أو معلومات من أي جهة، وأن تجري ما تراه من بحوث بنفسها أو بلجنة فرعية أو تكلف من تراه من الجهات الرسمية بإجراء تحقيق أو بحث أو الدراسة اللازمة للوصول لحقيقة ما هو معروض عليها.
– وبالتالي فإن القانون 12 لم يلغي القانون 40 بل عدل بعض مواده وأضاف مواد جديدة قد تبدو أكثر تعقيداً لو أخذت بشكلها المفصّل. فهو يحذر من تعارض مباديء الحزب مع مقتضيات حماية الأمن القومي المصري و…الخ دون أن يرسم حدوداً لهذه المقتضيات أو يعطي تعريفاً محدداً لها ، علماً أن جميع وسائل القمع التي استخدمت من قبل النظام السابق كانت تتم تحت لافتة هذه المقتضيات ، بينما هي في الواقع تخدم النظام بالدرجة الأولى . وإذا كان من اللازم التحذير من تشكيل أحزاب على أساس ديني أو طائفي وفئوي، فليس من المنطق رفض تشكيل أحزاب على الأساس الطبقي، طالما أن الحزب يعبر عن مصالح فئات اجتماعية محددة لا تساهم في بث النعرات المؤذية في المجتمع، خاصة وأن المجتمع المصري فيه تشكيلات طبقية هامة كالعمال والفلاحين أو الطبقة الوسطى وغيرها، وخاصة أيضاً أن النظام السابق قسم المجتمع إلى طبقة ذات ثراء فاحش وطبقات غارقة بالفقر.

ماذا إذن لو أطلق أحد الأحزاب على نفسه اسم حزب العمال مثلاً أو الحزب الشيوعي حيث أن الشيوعية تعتبر نفسها إيديولوجية الطبقة العاملة. من جهة أخرى فإن رفض الحزب على أساس العقيدة سيمنع من تشكيل أحزاب قومية أو اشتراكية، أو علمانية، إذا أخذت هذه المفاهيم كمفاهيم عقائدية. خاصة وأن الانقسامات الفئوية في المجتمع المصري ليست بالعمق الموجود في بعض المجتمعات العربية الأخرى، فهو ينقسم على هذا الأساس إلى مسلمين وأقباط، والأغلبية منهم لا تتنكر لانتمائها العربي، ولأن الدستور المصري ينص أساساً على أن مصر جزء من الوطن العربي وشعبها جزء من الأمة العربية فلن تكون هذه الأحزاب متعارضة مع الدستور.

وهنا يأتي دور المادتين الخامسة والسادسة التي تحذر الأولى من تشكيل الحزب كفرع أو تنظيم سياسي أجنبي، دون أن يعرف من هو الأجنبي، وهل يشمل الدول العربية وبالتالي يمكن أن يشمل أحزاباً لها امتدادها في أقطار عربية أخرى إن رغبت في ذلك ؟ . كما نصت المادة السادسة على أن يكون عضو الحزب مصرياً أو من أب مصري، وهذا يحرم المواطنين العرب المقيمين في مصر من الانتماء لهذه الأحزاب. أما ما يتعلق بعدد المؤسسين فقد حددت في القانون السابق ب 1000 عضو بدلاً من 5000 في القانون الحالي وهو عدد كبير إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الدور الذي لعبه النظام السابق في إلغاء الحياة السياسية، وأن تكلفة نشر الأسماء في جريدتين سيكلف حوالي 500 ألف جنيه مصري كما أفادت إحدى الدراسات ولن تستطيع الأحزاب الفقيرة من تأمينها.. لكن الميزة الأساسية لهذا القانون أنه اكتفى بالإخطار بعد أن يتم التأكد من سلامة الإجراءات الإدارية. وإذا كان لطرح قانون الأحزاب في سورية من إشكاليات معقدة فإن الاستفادة من القانون المصري خارج إطار الإخطار سيكون أكثر تعقيداً. فالدستور المصري لا ينص على حزب بعينه قائداً للمجتمع والدولة كما نصت عليه المادة السابعة من الدستور السوري عام 1969 “.

الحزب القائد في الدولة والمجتمع:
هو حزب البعث العربي الاشتراكي . “. وعدلت في دستور عام 1973 لتصبح " حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة، ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية “. لقد نص دستور عام 1962 مثلا في مادته الثامنة عشرة على " للسوريين حق تأليف أحزاب سياسية على أن تكون غايتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم ديمقراطية “.. بينما لم تشير الدساتير في سورية منذ 8 آذار وحتى اليوم إلى حرية تشكيل الأحزاب السياسية وتنظيم ممارسة العمل والنشاط السياسي. وبقيت الحياة الحزبية في سورية منذ عام 1963 مقتصرة على حزب البعث وحلفائه والنشاط الحزبي ممنوعاً قانوناً ويمارس بشكل سري، وحتى الجبهة بقيت فعاليتها محدودة ويمنع نشاطها في بعض الأوساط بموجب ميثاقها. المقر عام 1972 كالطلاب مثلاً.

إن إشكالية النص الدستوري الحالي ستنعكس على أي قانون للأحزاب في قضايا عدة:
1 – فالمادة الثامنة من الدستور تمنع أي حزب آخر مهما حظي بتأييد شعبي من الوصول للسلطة أو التأثير عليها طالما أن لحزب البعث حق التمتع بالأغلبية القانونية في جميع المؤسسات السياسية بنسية 51 % على الأقل.
2 – تمنح هذه المادة حزب البعث ميزة حصوله على موازنته المالية من ميزانية الدولة، وتتيح له إمكانية الفعل السياسي الواسع بصورة لا يستطيع أي حزب آخر مهما بلغت شعبيته أن ينافسه فيها، حيث توفر له كل المقرات التي يحتاجها والمتفرغين والمؤسسات المنتشرة في كل مكان بغض النظر عن فعاليتها، وكذلك الصحف ووسائل الإعلام الأخرى، وهذا ينطبق بشكل جزئي على أحزاب الجبهة الحالية التي تحصل على معونات كبيرة من ميزانية الدولة وتطبع صحفها في مطابعها.
3 – إن حزب البعث كحزب قومي لا يمكن أن يمنع أحزاب أخرى من امتدادها التنظيمي في أقطار عربية أخرى إلا إذا حلت القيادة القومية وأصبحت تنظيماتها العربية الأخرى ذات استقلالية كاملة والتواصل بينها يتم من خلال لجنة تنسيق ليس لها دور في القيادة المباشرة، إن استمرار الشكل التنظيمي لحزب البعث الحالي سيكون عاملاً لأحزاب أخرى أن تشكل لها تنظيمات في الأقطار العربية وهو أمر مهم ومطلوب، وهنا لا يمكن النص على أن يكون عضو الحزب سورياً كما في القانون المصري أو من أب سوري للمؤسسين والقيادات. هذا فضلاً عن وجود فئات في المجتمع السوري قد تسعى لتشكيل أحزاب تتلاءم مع وضعها القومي أواللغوي كالأكراد مثلاً، كواحد من حقوقها الطبيعية.
4 – لقد أدى إلغاء الحياة السياسية طوال الفترة السابقة إلى عدم تمكن المجموعات التي ستسعى لتشكيل حزب ما من تجميع أعداد كبيرة من المؤسسين في المراحل الأولى سواء كان هذا العدد 5000 عضو وفق القانون المصري أو 2000 عضو كما أشيع سابقاً في مسودة مشروع قانون للأحزاب كان قد جرى الحديث عنه في سورية، لذلك فإن الحل الأولي هو أن يتقدم الحزب للجنة المعنية بقائمة تتضمن هيأته القيادية التي تضم بين 150 – 200 عضواً يقومون بإيداع طلب التأسيس متعهداً بمضاعفة العدد لعدة مرات خلال عام من الإشهار ذلك لأن تأسيس الحزب هو عمل سياسي من جهة وعمل من أجل تحقيق الأهداف وليس تجميعاً للأفراد.

إن وضع قانون عصري للأحزاب وإتاحة حرية العمل السياسي سيجعل سورية تدخل عصر الديمقراطية على أساس العدالة والمساواة وسيمنح الفرصة لجميع المواطنين الراغبين بممارسة النشاط السياسي، وتشكيل الأحزاب على قدم المساواة ودون مزايا قانونية وسيفتح المجال أمام المواطنين للمنافسة السياسية، وفق رغبة الشعب وعندها سيكون حزب البعث من أبرز الأحزاب الأساسية ومتميزاً عنها بشعبيته الواسعة وتاريخه النضالي وكفاءاته وخبراته التي لا شك أن الكثير منها مخلصاً لأهدافه التي تتجاوز إلى حد كبير أهداف تلك الأعداد الكثيرة التي جاءت منتسبة إليه مستفيدة من وجوده في السلطة.

شاهد أيضاً

بمشاركة الرفيقين كبرئيل موشي وعبد الأحد اسطيفو: هيئة التفاوض السورية تنهي اجتماعاتها في جنيف وتصدر بياناً ختامياً

04-06-2023 شارك الرفيقان كبرئيل موشي مسؤول المنظمة الآثورية الديمقراطية، عضو هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة …