علي شمدين
01/02/2011
++ لقد شهدت المنطقة مؤخراً تطورات دراماتيكية هزت الرأي العام العالمي والمحلي بنتائجها وإفرازاتها المذهلة، وبثت الأمل والثقة في نفوس الشعوب المقهورة بأن إرادتها في حياة حرة وكريمة لابد أن تنتصر على الظلم والاستبداد مهما تجبر وطغى..
فمن كان يتصور أن يرضخ نظام قاسي كنظام حسن البشير في السودان لإرادة الجنوبيين كي يقرروا مصيرهم بأنفسهم في إختيار الإنفصال وإقامة دولتهم المستقلة، ومن كان يصدق بأن ينتفض الشعب التونسي هذه الإنتفاضة العارمة ضد نظام زين العابدين بن علي الذي حكم تونس لعقود بالعنف والقهر، ومن كان يعتقد بأن الملايين من المصريين سوف يخرجون إلى الشوارع ليهتفوا بصوت واحد برحيل رئيسهم الذي حكمهم بالقوة ثلاثة عقود ؟!.
إنها إرادة النضال الكامنة لدى الجماهير المتعطشة للحرية والإنعتاق التي تجاهلتها الأنظمة وأسقطتها من حساباتها بالركون إلى آلتها العسكرية والمالية والإعلامية، تلك الإرادة التي كاد القدر أن يخذلها على مدى سنوات الحرب الباردة، عندما صارت طوال تلك السنوات رهينة بيد القوى العظمى التي كثيراً ما انتهكت المبادئ ولجمت إرادة الشعوب لمصالحها وحساباتها السياسية.
لاشك بإن العقد الأخير من القرن المنصرم، هو الآخر قد شهد تطورات ومتغيرات دولية عاصفة أطاحت بالإتحاد السوفييتي والمعسكر الذي كان يقوده، فغيرت تلك التطورات ملامح النظام العالمي القديم ورسمت ملامح نظام جديد كان من أبرز شعاراته الدعوة إلى الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والشعوب، وحركت إرادة النضال لدى الشعوب المظلومة من أجل الدفاع عن حريتها وكرامتها، وكان إنهيار نظام طالبان الرجعي في أفغانستان، وسقوط النظام الدموي في بغداد من أهم نتائجها وتداعياتها، ولم تكن لتلك التطورات أن تحدث لولا تدخل العامل الخارجي إلى جانب شعوب تلك البلدان والأخذ بيدها من أجل إسقاط أنظمتها وتحرير قضاياها من قبضة أنظمتها التي كانت تعتبرها مجرد شأن داخلي ليس إلاّ.
فسارعت القوى العنصرية والجماعات التكفيرية وفلول تلك الأنظمة البائدة إلى استثمار مثل هذا التدخل إعلامياً لتحريض الجماهير المتخلفة ضد الأنظمة الديمقراطية الجديدة، وذلك تحت غطاء الدعوة إلى مقاومة (الإحتلال) الأجنبي ومواجهة الأنظمة (العميلة) له وغيرها من الشعارات المضللة التي مارست في ظلها تلك القوى الظلامية أبشع وأفظع المجازر والأعمال الوحشية في سبيل إجهاض هذا النموذج من التغيير، حتى صارت قوى التغيير تتردد في الإقدام على الدعوة إلى إسقاط انظمتها بالإعتماد على العامل الخارجي خشية إتهامها باللاوطنية، وتسببها بانتشار الفوضى ونشوب الحرب الأهلية، الأمر الذي جعل النموذج العراقي والأفغانستاني للتغيير يفقد بريقه لدى الجماهير شيئا فشيئا بسبب الحملات الإعلامية المضللة للجماعات الموالية للإستبداد، كما إن الدول العظمى هي الأخرى صارت تعيد حساباتها في تكرار هذا السيناريو من جديد في مناطق أخرى، تحسباً لضريبتها المادية والمعنوية الباهظة..
لاشك أن التطورات الأخيرة التي شهدتها سودان وتونس ومصر، كسرت حاجز التردد هذا وبددت شعور اليأس الذي كاد يكبل إرادة الشعوب في مواجهة أنظمتها، بعد أن نجحت آلة التضليل في تشويه التجربة العراقية والأفغانية أمام شرائح واسعة من الرأي العام مع الأسف الشديد، وأن الدرس الهام الذي تمخض عن هذه التطورات يتلخص في إن إرادة الشعوب قادرة على الانتصار بنفسها حتى بالإستغناء عن العامل الخارجي، رغم التفاوت الشديد في ميزان القوى بين الأنظمة وشعوبها، فأعادت تلك الأحداث الثقة من جديد إلى إرادة الشعوب التي بات القدر يستجب لها بفضل الثورة الإعلامية الراهنة، وأكدت بإن قلاع الإستبداد أسهل إنهياراً أمام هتافات الجماهير المسالمة، من إنهيارها بقوة السلاح واللجوء إلى العامل الخارجي رغم أهميتهما .
فإذا كانت الأنظمة لاتبقى أمامها إلاّ أن تنحني أمام هذه الإنتفاضات الجماهيرية السلمية وترضخ لهتافاتها ومطاليبها السلمية في اللحظات الأخيرة بعد فوات الآوان، كما فعل بن علي ويفعله الآن حسني مبارك، فلماذ إذاً لاتحسب هذه الأنظمة الحساب لهذا الغضب العارم قبل أن يبلغ السيل الزبى، لتجنب شعوبها فاتورة قاسية من القهر والمرارة والحرمان، وتطيل من سنوات حكمها، وتجنب نفسها لائحة طويلة من الجرائم والفظائع والإدانات يوم الحساب كما فعل حسن البشير برضوخه لإرادة الجنوبيين وتفاعله معها وإن جاء متأخرا بعض الشيء ؟!.