علي شمدين
19 شبا ط 2011
++ نقلت وكالة الأنباء الليبية خبراً يقول بأن ليبيا وبصفتها الرئيسة الحالية للقمة العربية قررت تأجيل موعد انعقاد القمة العربية الثالثة والعشرين المزمع إنعاقادها في بغداد في التاسع والعشرين من شهر آذار القادم إلى موعد لاحق.
ولاشك إن سماع خبر كهذا ربما يكون أمراً عادياً بسبب الخلافات الدائمة والعميقة بين الدول العربية حول الكثير من القضايا الرئيسية والثانوية وحتى الشخصية منها أحياناً، ولطالما تأجلت مواعيد إنعقاد القمم العربية السابقة لهذا السبب أو ذاك، إلاّ أن خبر التأجيل هذه المرة لفت الكثير من الإنتباه لدى المتابعين للشأن العربي، لأنه جاء مبرراً بـ "الظروف التي تمر بها المنطقة العربية" دون أيّ مبرر آخر، كما إن قرار التأجيل جاء فردياً كما يبدو حتى من دون علم الأمين العام للجامعة العربية عمر موسى الذي صرح بعد الإعلان عن الخبر بأنه لم يتلق بعد أيّ خبر بالتأجيل، ولايسع المرء بعد سماع مبرر التأجيل هذا، إلاّ أن يقول في نفسه: سبحان مغير الأحوال!!.
فقرار إنعقاد القمة العربية القادمة في بغداد لم يحسم إلاّ بعد جدل طويل ومعقد بين الدول العربية، حيث اعترضت معظمها على عقد هذه القمة في بغداد بحجج واهية كثيرة كانت أبرزها الحجة التي تقول بأن الأوضاع في العراق مازالت خطرة وبأن الظروف الأمنية والسياسية متدهورة ولاتشجع على المغامرة للذهاب إلى بغداد لحضور هذه القمة، ولاشك بإن البعض القليل من هذه الدول كان يعتقد فعلا بسوء الأوضاع في العراق وعدم ملائمتها لإستضافة مثل هذا المحفل العربي الكبير، إلاّ أن البعض الآخر منها كان ينطلق من موقفه المسبق تجاه العملية السياسية في العراق، فكان يتذرع بعدم استقرار الأوضاع وخطورتها، بهدف التغطية على مواقفها المعادية لدولة العراق الجديد ومقاطعتها للعملية السياسية الجارية فيها وعدم الإعتراف بنجاح هذه العملية، هذا فضلاً عن إنطلاق أنظمة تلك الدول من عقليتها الشوفينية المتحسسة أصلاً من حضور قمة عربية ينسقها ويقودها رئيس عراقي غير عربي، بالرغم من تمتعه بشرعية أكبر بكثير من الشرعية التي يتمتعون بها، ويقينها بأن الأوضاع في بلدانها ليست بأفضل حال من أوضاع العراق الجريح الذي استطاع أن ينهض من تحت الأنقاض ويداوي جراحاته العميقة التي تسببتها الطاغية صدام حسين في جسدها من قتل وتدمير وإبادات جماعية وأنفال وغازات كيماوية محرمة دولياً، في وقت كانت القمم العربية تصفق له كبطل للعروبة وحام لبوابتها الشرقية..
لقد تمكن الشعب العراقي، بمختلف أعراقه وفئاته ومذاهبه، من إركاع الديكتاتورية أمام محكمة الشعب، وسوقه ذليلاً إلى حبل المشنقة، واستطاع أن يؤسس لنظام ديمقراطي تعددي فيدرالي حر، والإستفتاء على دستور عصري يضمن حقوق الجميع، وإنتخاب برلمان يمثل مختلف القوميات والمذاهب والأديان، وتشكيل حكومة الشراكة الوطنية التي تعكس كافة ألوان الطيف العراقي من زاخو إلى البصرة.. أجل، لقد كان الشعب العراقي سباقاً في إنجاز كل هذه التحولات الجذرية بينما كانت الأنظمة العربية بمعظمها تتباكى آنذاك على النظام البائد، وتلوم الشعب العراقي لإرتهان مصيره لقيادات وصفتها بالعميلة والخائنة وغيرها من النعوت وبأنها دمى يديرها المحتل كيفما يشاء، إلاّ أن هذا الشعب العراقي الحر ظل يتسابق مع الزمن منصرفاً إلى البناء والتعمير وتأمين الخدمات وتوفير الأمن والإستقرار وحماية تجربته التي تجبلت بدماء الشهداء ودموع الثكالى والأرامل وعرق جبين المناضلين الوطنيين الذين قادوا هذه التغيير الجذري العميق في عراق لم يألف سوى أمثال الحجاج بن يوسف الثقفي، متحدياً قوى الأرهاب والتطرف وفلول النظام البائد التي كانت واثقة بأنها تخوض معركتها الأخيرة ضد المفاهيم الديمقراطية وحقوق الشعوب والأفراد..
وعندما لم يبق أمام الأنظمة العربية إلاّ أن تقر أخيراً بنجاح العملية السياسية، وعندما لم تنجح تدخلاتها الفظة لشطب الوجه الكردي عن رئاسة العراق وخارجيتها، وعندما لم تفلح في إغماض عينها عن نجاح ما كانت تسميه بـ"الجيب العميل" في إستنفار المكونات السياسية العراقية ودعوتها إلى عاصمته وحل تناقضاتها التي كادت تصل إلى حد الطلاق، وإنقاذ العملية السياسية وصولاً إلى تشكيل حكومة وفاق وطني، عندئذ فقط قبلت تلك الدول، مرغمة لابطل، عقد قمتها في بغداد ولكن بعد فوات الآوان لسوء حظ بعض أنظمتها، حيث بدأت أوضاعها التي كانت تعتقد بإنها محصنة وراسخة، بالإنهيار مع الشرارة الأولى التي أضرمها البوعزيري في جسده لتنتشر في هشيم النظام في تونس ومصر، وتتطاير جمراتها إلى الأردن واليمن والبحرين وليبيا..
حتى أعلن الرئيس الحالي للقمة العربية وعلى جناح السرعة، بأن القمة قد تأجلت إلى إشعار آخر، بسبب الظروف الطارئة التي تمر بها المنطقة العربية، ولك من دون أن يثير الخبر شماتة العراقيين بالطبع..