سانتا ميخائيل
14 شباط 2011
في الوقت الذي يحتفل فيه العالم اليوم الاثنين، بعيد الحب ( فالنتاين)، يحيي شعبنا الكلدواشوري السرياني في العراق، سوريا، إيران، تركيا،لبنان والعالم (صوم الباعوتا) الذي يعرف أيضا باسم (صوم نينوى) ويعود إلى نحو 800 سنة قبل الميلاد ،حيث يفترض- حسب العادات القديمة- أن ينقطع فيه الناس عن الأكل والشرب ثلاثة أيام مستمرة.
و"باعوتا" كلمة سريانية تعني الطلب، وبالرغم من أن هذا الصوم يعود إلى ما قبل ظهور السيد المسيح..إلا أن مسيحيي العراق( الكلدان السريان الآشوريين) هم المتفردين بصوم باعوتا حتى الآن ،إذ لا يعرف لدى الأوربيين أو بقية المسيحيين.
أما قصة "صوم باعوتا" فيرويها سفر يونان من العهد القديم في الكتاب المقدس ،الذي يحكي" أن الله أمرالنبي يونان بالذهاب إلى نينوى (مملكة في بلاد الرافدين ـ العراق حاليا) لينادي بينهم بالتوبة ،ولما كان أهل نينوى معروفين ببأسهم وبطشهم..قرر يونان الهرب إلى مكان آخر بواسطة سفينة ،فسخر الله لها ريحا قوية أدت إلى اضطراب البحر واهتزاز السفينة ،فطلب ربانها من المسافرين الصلاة -كل إلى ربه- ليجتازوا المحنة." ويضيف سفر العهد القديم" أما يونان فكان يعرف بالأمر..وأبلغ المسافرين معه بحقيقته ، وطلب منهم أن يرموه في البحر..فأمر الله حوتا بابتلاع يونان."(سفر يونان-الإصحاح الأول والثاني).
ويشير إلي أن "الأحداث تتوالي على يونان النبي حتى يصل إلى نينوى(عاصمة الآشوريين) وينادي بينهم بالتوبة..وهو غير واثق من استجابتهم لندائه ،لكنه تفاجأ باستجابة أهل المدينة وملكهم الذين قرروا الصوم لمدة ثلاثة أيام مستمرة ،حتى يعفو الله عنهم..ويرجع عن غضبه ولا يعرضهم للتهلكة".(سفر يونان-الإصحاح الثالث).
وأعاد مسيحيو العراق إحياء(صوم باعوتا) في القرون الأولى بعد انتشار المسيحية ،ويقول الأب الخوري توما إبراهيم (راعي كنيسة مارقرادخ – بغداد) عن سبب ذلك " تذكر المصادر الدينية لدينا أن كركوك وضواحيها كانت اجتاحتها وباء خطير فتك بالأهالي، فدعا مار سوريشو مطران بغداد وكركوك إلى صوم الباعوتا ،مقلدا بذلك أهالي نينوى، لعل الله يستجيب لهم ويخلصهم من الوباء."
وتابع الأب توما قائلا "وبالفعل استجاب الله لهم ،وفي اليوم الثالث انتهى الوباء من بينهم..وهو ما دعا مسيحيو العراق لإحياء هذا الصوم ثانية." ويشير الأب توما إلي أن "الصوم ولكونه خاص بالآشوريين من اتباع الكنيسة القديمة (آثوريين) أو الكنيسة البابوية (الكلدان) أوالسريان،فهو صوم يخصهم وحدهم..إلا أن انتشارهم وتشتتهم في البقاع جعلهم يحيون هذا الصوم في أماكن تواجدهم."
ويقضي(صوم الباعوتا) بالانقطاع عن الأكل والشرب تماما لمدة ثلاثة أيام متتالية ،وفي اليوم الثالث يفطر الصائم بتناول(القداس) أولا يوم الأربعاء ليعلن عن فطوره . لكنه يبقى صائما (صوم عادي اي بعدم تناول اللحوم ومنتجات الحليب والبيض) ويوم الخميس يفطر بشكل كامل. وموعد(صوم باعوتا) ليس ثابتا كل عام كبقية صيام المسيحيين، بل يتغير تاريخه..ويتراوح عادة بين منتصف كانون الثاني يناير إلى أواخر شباط فبراير ،وحسب تحديدات تتم من قبل رؤساء الكنائس اعتمادا على تقويم خاص، إلا أن كنائس شعبنا باختلاف مذاهبها تلتزم جميعها بهذا الصوم..وفي نفس الوقت.ومهما اختلف تاريخ بدء الصوم إلا أنه يصادف يوم(الاثنين) دائما..لينتهي يوم(الأربعاء) كصوم باعوتا،ويوم (الخميس) كصوم عادي.
ولتغير الأوضاع عما كانت عليه أيام زمان،وانشغال الناس بالعمل وزيادة الواجبات كلها أمور صعبت من الصوم لثلاثة أيام دون مأكل أو مشرب..وبالتالي فإن العديد من الناس الان يصومون "الباعوتا" بالإنقطاع عن الأكل والشرب إلى الساعة 12 ظهرا أو إلى السادسة مساء. وكما تقول مارلين(موظفة) " أنا أعمل.. وعملي يتطلب مني الحركة ،ولذلك احتاج للطاقة..ولا استطيع أن انقطع عن الأكل لثلاثة أيام ،لذا أصوم إلى الظهر فقط. "
لكن مارلين لا تخفي إعجابها بمن يتمكن من الصوم لثلاثة أيام، ويمارس حياته وواجباته اليومية في الوقت نفسه.
وهناك تقليد يشتهر به أبناء شعبنا وهو صنعهم (البوخين) لأكله عقب صيام الباعوتا، وهو خليط مؤلف من طحن سبعة أنواع من الحبوب ،وله علاقة بالتراث.
تقول جنتو جبري ،وهي إمراة خمسينية العمر " تعودنا على ذلك من أمهاتنا ،وهو تقليد مفاده أن من يصنع (البوخن) مالحا… وإذا ما أكلها الشخص قبل النوم فإنه يلتقي بشريك أو شريكة حياته (في المنام) وهو يعطيه ماء."
وتضيف أنها "لكونها إمرأة مؤمنة وملتزمة بالتقاليد.. فإنها تلتزم كل عام بصوم الباعوتا."
ويقول طارق متي انه يصوم (الباعوتا) إلى الظهر لكون طبيعة عمله كسائق لا تسمح له بالصوم الأيام الثلاثة كاملة. مشيرا إلى أن "صوم الباعوتا يتزامن هذا العام يتزامن مع ارتفاع وتيرة استهدافنا في العراق."
ويضيف" كل ما أتمناه أن ينظر الله لأحوالنا..ويرحمنا كما رحم آباءنا في نينوى،وهو قدير على ذلك."
ويرى البعض أن التزام أهل نينوى بالصوم في السابق يفند ما أشاعه اليهود عن الآشوريين من كونهم (وثنيين) ,ويقول ولسن جبرائيل " لا أفهم كيف يوصف إباؤنا بالوثنية من قبل اليهود ،بينما هم استجابوا لنداء النبي يونان وأقاموا الصلاة والصوم." ويتابع متسائلا " إن كانوا كذلك ولا يؤمنون بالله..فلماذا صاموا إذن؟ أيعقل أن نلبي نداء اله لا نعرفه ولا نؤمن به ؟! "
والأمر اللافت هنا هو أن قصة "النبي يونان"هي نفسها قصة "النبي يونس" لدى المسلمين،مع اختلاف الأسماء ،والقصتان مستمدتان من التاريخ القديم..أو العهد القديم للكتاب المقدس،وهو ما يعد أمرا واردا وطبيعيا لكون الديانات التوحيدية الثلاث موطنها الأصلي الشرق الأوسط ،وهو ما يؤدى بطبيعة الحال إلى توارث العديد من العادات والتقاليد بين أتباع الديانات الثلاث.