وادي قاديشا: في بلدة حصرون الشمالية الواقعة على اطراف وادي قاديشا الذي كان قبل اكثر من 1500 سنة ملاذا للموارنة، الشريحة الاكبر من مسيحيي لبنان، يقول تيدي عوض (42 عاما) "نحن اصبحنا اقلية في هذا البحر الهائج الذي هو الشرق الاوسط".
ويضيف وهو يلعب بالورق مع رفاق له في مقهى "الفارق بيننا وبين مصر اننا نحن معترف بنا سياسيا. لكن اذا حصلت اي خضة سياسية سنصل الى الاسوأ بسرعة قياسية". وتنتشر في وادي قاديشا المعروف ايضا بوادي قنوبين او الوادي المقدس، الاديرة المحفورة في الصخر والمغاور القديمة التي كان يختبىء فيها الموارنة هربا من الاضطهادات منذ القرن الخامس.
ويبدي لابا غصن (41 عاما) تشاؤما واضحا فيقول "لا مستقبل لنا هنا، بدليل كل الشباب الذين يفتشون عن مخرج وفرصة للرحيل". غير ان الاب شربل طراد، الراهب الماروني في بلدة بقاعكفرا الواقعة في منطقة جبلية في وسط لبنان، يؤكد "ان تاريخ المسيحيين هو تاريخ استشهاد".
ويضيف "من هذا الشرق، انطلقت الكنيسة، (…) ورسالة المسيحيين في الشرق البقاء والتمسك بارضنا". ودان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي اليوم الجمعة ما اسماه خطة "تطهير ديني" تستهدف مسيحيي الشرق.
وقتل 21 شخصا في انفجار قرب كنيسة القديسين في الاسكندرية (شمال مصر) ليل الجمعة السبت، وذلك في وقت يتعرض فيه مسيحيو العراق منذ اشهر لموجة عنف دامية. وتثير هذه الاعتداءات موجة قلق وتضامن واسع بين مسيحيي لبنان الذين رفعوا خلال نهاية الاسبوع في معظم كنائسهم الصلوات على نية "الشهداء المسيحيين" في الاسكندرية.
واصدر مجلس المطارنة الموارنة الاربعاء بيانا اكد فيه ان "المجازر" التي وقعت في مصر والعراق "تستدعي من جميع المسؤولين، مدنيين وروحيين، اتخاذ الوسائل الملائمة لوضع حد لهذه المآسي، والحفاظ على الوجود المسيحي في الشرق، ليبقى علامة للحرية والتعدد".
ويشكل المسيحيون في لبنان العدد الاكبر من مسيحيي الشرق بعد الاقباط في مصر، ولكن نسبتهم قياسا الى عدد سكان لبنان هي اكبر بكثير من نسبة الاقباط في مصر والتي تتراوح بين 6% و10% من اصل 80 مليون مصري بحسب التقديرات.
وينظر مسيحيو لبنان الى بلدهم، الدولة العربية الوحيدة التي يرأسها مسيحي، على انه ملاذ لمسيحيي الشرق، وقد لجأ اليه عدد كبير من مسيحيي العراق خلال السنوات الاخيرة. وبالتالي، لا يخشى مسيحيو لبنان التعرض لاعتداءات مماثلة لما يحصل في مصر والعراق.
ويقول طراد ان "تاريخنا تاريخ تعايش واللبناني لا يخاف من اللبناني". ويؤكد رئيس حزب القوات اللبنانية المسيحي سمير جعجع ان "استهداف مسيحيي لبنان اكثر صعوبة بكثير من استهدافهم في الدول الاخرى".
ويضيف ان "الاحتمال قد يكون موجودا"، لكن صعوبته تكمن في "تركيبة لبنان (…) والدور الفاعل للمسيحيين فيه"، بالاضافة الى "وعي المسلمين لاهمية عدم السماح باي اعمال ارهابية ضد المسيحيين". ويقول جعجع ان "الشبكات المرتبطة بتنظيم القاعدة في البلد قليلة جدا، وهي كناية عن بعض الخلايا التي تلاحقها الاجهزة الامنية باستمرار منذ سنوات".
ويشير الى احتمال حصول "خلافات سياسية بين مسيحيين ومسلمين او اشكالات، لكن لا الشيعة ولا السنة ولا اي مسلم يقبل بوقوع اعمال ارهابية على المسيحيين". ويضيف "الثقافة اللبنانية تختلف تماما عما هو سائد في العالم العربي"، معتبرا ان "بعض الخلايا قد تسعى الى ذلك، لكن حركتها شبه مستحيلة في مثل هذا المناخ".
في الوقت نفسه، يؤكد جعجع رفضه التام مقولة ان "مسيحيي الشرق الى زوال"، ويقول "هم لم يشكلوا في يوم من الايام اكثرية هائلة ولم يتحولوا الى اقلية هائلة". ويضيف "لا شك ان عدد المسلمين يزداد لكن النظام اللبناني بحد ذاته يضمن عدم تأثير العدد في وجود اي مجموعة طائفية".
ويشكل المسيحيون حوالى 34% من اللبنانيين. وكانوا يمسكون بالمفاصل الرئيسية في النظام، لكن نفوذهم تراجع بعد الحرب الاهلية (1975-1990) واعتماد دستور جديد اعاد تقسيم السلطة والمناصب مناصفة بين المسلمين والمسيحيين.
ويرى المؤرخ الفرنسي اودون فاليه من جهته ان "كل مسيحيي الشرق الاوسط في وضع صعب. وان نسبتهم واهميتهم وعددهم الاجمالي يتضاءل في كل الدول من ما بين النهرين حتى مصر مرورا بلبنان". ويضيف في اتصال مع فرانس برس "في العراق، الواقع بالنسبة الى المسيحيين هو اما الرحيل واما الموت. (…) في مصر، اما الخضوع واما اعتناق الاسلام واما البقاء على مسيحيتهم ومواطنين من الدرجة الثانية".
ويتوقف عند هجرة المسيحيين المزمنة في لبنان "فهم اكثر عددا في اميركا واوروبا"، ويقول ان "مستقبلهم يتعلق اولا بمصير النزاع الفلسطيني-الاسرائيلي الذي يعتبر لبنان ابرز ضحاياه، وبالوضع في العراق وفي سوريا وبمستقبل العلاقات بين الاسلام واميركا واوروبا". ويؤكد فاليه "صعوبة التنبؤ بمستقبل المسيحيين في لبنان"، مع اقراره بان "هناك خطرا بان يستمر مصيرهم بالتراجع". ويقول "هذا البلد الصغير يبقى ضحية للسياسة العالمية التي ستقرر مصيره".
المصدر: أ. ف. ب