بقلم: حسان يونس
الوطن القطريه ++ انتخب فارس الخوري رئيساً للمجلس النيابي السوري عام 1936 ومرة أخرى عام 1943، كما تولى رئاسة مجلس الوزراء السوري وتقلد وزارتي المعارف والداخلية في اكتوبر عام 1944، وكان لتولي فارس الخوري رئاسة السلطة التنفيذية في البلد السوري المسلم وهو رجل مسيحي صدى عظيم فقد جاء في الصحف:
«… وأن مجيئه إلى رئاسة الوزراء وهو مسيحي يشكل سابقة في تاريخ سوريا الحديث بإسناد السلطة التنفيذية إلى رجل غير مسلم، مما يدل على ما بلغته سوريا من النضوج القومي، كما أنه يدل على ما اتصف به رئيس الدولة من حكمة وجدارة».
وقد أعاد تشكيل وزارته ثلاث مرات في ظل تولي شكري القوتلي رئاسة الجمهورية السورية. وكان الخوري في فترة من الفترات رئيسا للأوقاف الإسلامية، وعندما اعترض البعض خرج نائب الكتلة الإسلامية في المجلس آنذاك عبد الحميد طباع ليتصدى للمعترضين قائلا: إننا نؤمّن فارس بك الخوري على أوقافنا أكثر مما نؤمن أنفسنا.
كان ذلك قبل أكثر من «60» عاما، والآن تأملوا المشهد البائس السائد اليوم، تأملوا كيف يتم الحديث عن مشكلة إسلامية- مسيحية، ومشكلة سنية- شيعية، وكيف تزهق التفجيرات الإجرامية أرواح الأبرياء العزل، تحت لافتات التكفير والتخوين.
تأملوا كيف تندفع العديد من المجتمعات العربية باتجاه الفتنة، حيث تم تغييب العقل، بعد تغييب الأخلاق والضمائر، تأملوا فحسب لندرك جميعا إلى أي درك انحدرت بنا ومعنا أوطان كانت في وقت من الأوقات منارات للعلم والفن والثقافة والازدهار، والآن تحولت إلى أشلاء تحكمها الكراهية وتديرها الفوضى، وتتحكم في شؤونها الأحقاد، كما هو الحال في العراق ولبنان.
تأملوا هذا المشهد البائس حيث يتصارع ساسة لبنان على المحكمة الدولية حتى لو أدى الأمر إلى زوال وطنهم، وقد أداروا ظهورهم لمواطنيهم وتجاهلوا ما يعانيه هؤلاء وسط ظروف معيشية في غاية الرداءة والسوء. تأملوا كيف مازال الذين أداروا الحرب الأهلية اللبنانية، التي شهدت أكثر الجرائم بشاعة في التاريخ العربي المعاصر، يديرون السياسة في لبنان ويتحكمون في شؤونها.
تأملوا الحكومة التي ولدت في العراق بعد تسعة أشهر من الخلافات، تأملوا التفجيرات التي يشهدها هذا البلد العربي لقتل الأبرياء على الهوية الدينية، ثم تأملوا كيف تحول قادة فرق الموت إلى مسؤولين في بلد كالعراق كان على الدوام أحد أهم الدول العربية وأكثرها تأثيرا.
نعود لفارس الخوري رئيس وزراء سوريا ووزير المعارف والداخلية ورئيس الوقف الإسلامي فيها وما قاله النائب المسلم فيه: نأتمنه على أوقافنا أكثر مما نأتمن أنفسنا، لقد حدث ذلك بينما العالم غارق في التمييز الطائفي والعرقي، والآن تأملوا المشهد مرة أخرى: التسامح يسود العالم بينما الدول العربية ضحية أكبر مؤامرة طائفية في تاريخها، أي أياد سوداء تفتعل كل هذه الجرائم، ولماذا؟.