29 كانون الثاني 2011
أسامة أدور موسى *
++ بالأمس القريب علق وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط في مؤتمر صحفي، على إمكانية وصول تأثيرات ثورة الياسمين في تونس لتهدد أنظمة مجاورة قائلاً "ده كلام فارغ". اليوم أقيلت حكومة أبو الغيط تحت ضغط الشارع المصري الذي طالب برحيل رأس النظام، كما انطلقت التظاهرات ذاتها في أكثر من عاصمة عربية.
أعادني كلام أبو الغيط إلى الحقبة الأولى التي أعقبت سقوط بغداد حيث شهد العراق أشهراً من الهدوء النسبي، في الوقت الذي كانت الشعوب العربية ترقب باهتمام بالغ إسقاط أصنام صدام حسين و استعادة العراقيين حريتهم. عندها، و خوفاً من تكرار السيناريو العراقي في بلدان أخرى مجاورة، و خصوصاً بعدما تعالت أصوات تطالب برحيل جميع الطغاة في المنطقة ( كنت كتبت مقالاً بعنوان: اليوم صدام و غداً كل الطغاة ) تداعت أجهزة المخابرات في دول مجاورة لبحث سبل ضرب هذه الظاهرة المتصاعدة و المخيفة، فاتخذ القرار تحت جنح الظلام بإغراق العراق في الدم. و عندما فرغوا من إشعال العراق من أقصاه إلى أقصاه، خرج طغاة العرب الواحد تلو الآخر يخطبون في شعوبهم: "هل لازلتم تريدون التغيير؟؟ انظروا إلى العراق!! " فأحرج دعاة التغيير و سحق الناشطون وزج بالأحرار في السجون، و بدلت الكثير من المعارضات الداخلية أجنداتها وأولوياتها: "إذا كان ثمن الحرية والتغيير هو سفك الدماء فلا أهلا بهما".
لا أخفيكم أنني أخاف على ثورة تونس الوليدة و ما ينتظرها من سيناريوهات يتم طبخها في غرف المخابرات السوداء، و خصوصاً بعد تصريحات القذافي و غيره حول ما ينتظر تونس ما بعد الثورة، و حديثه الصريح عن "سقوط أعداد كبيرة من القتلى". ولعل أبو الغيط و أمثاله من المذعورين كانوا بالفعل يخططون لاعتماد ذات السيناريو التخريبي الذي انتهج بعيد إسقاط نظام صدام للحد من تأثيرات ثورة الياسمين.
لقد أذهلت التجربة التونسية العالم بأسره في كيفية إسقاط ديكتاتور يمتلك المال والسلاح والأزلام والمخابرات والسلطة في الشارع. و أخشى ما أخشاه أن يتم نسخ سيناريو تخريب التجربة العراقية في تونس ليخرج طاغية عربي آخر على الشاشات ليتحفنا وقد أغرقت تونس بالدماء: "هل لازلتم تريدون التغيير؟؟ انظروا إلى تونس!! "
عندما قال أبو الغيط ان الحديث عن التغيير هو كلام فارغ كان الرجل يعني فعلاً ما يقول لأن ترياقات زيادة المناعة كان يجري حقنها لمنع أنتشار عدوى الحرية المنقولة عبر أريج الياسمين التونسي الى الشارع العربي. لكن، و ياللمفارقة، فإن الذي لم يعلمه السيد أبو الغيط الذي يصر رأس نظامه على تذييل توقيعه الـ "مبارك" حتى على مراسيم ترميم مراحيض الكنائس في مصر، هو أن الياسمين التونسي فعل فعله، وأن كلامه و نظامه و أمثاله باتوا منذ اليوم مجرد كلام فارغ.
* أسامة أدور موسى – إعلامي آشوري
Facebook : Osama Edwar Mousa