الرئيسية / مقالات حول سوريا / قوافل الحرية التي لم تنطلق

قوافل الحرية التي لم تنطلق

سعيد لحدو

++ أثارت قافلة الحرية، باعتراض البحرية الإسرائيلية لها، الكثير من الاهتمام والضجيج الإعلامي والسياسي وربما أكثر مما كان يتوقعه القائمون عليها أنفسهم. ووضعت إسرائيل في موقف غاية في الحرج سواء اعترضتها بالشكل الذي حصل أو تركتها تتابع مسيرها إلى غايتها. كما لفتت أنظار العالم أجمع إلى قضية شعب لاتنقصه المآسي والويلات، رغم أن بعضها ما هو إلا نتيجة للسياسات الخرقاء التي يتبعها بعض سياسييه. لكن هذا الأمر لايعفي إسرائيل من مسؤولياتها الإنسانية على الأقل أمام المجتمع الدولي المتفرج، وفي مقدمته الحكومات العربية التي لاتحرك ساكناً إلا إذا اقتربت ألسنة اللهب من كراسيها أو عندما يحين أوان التنفيس عن غضب شعبي من الواقع المزري الذي تعاني منه الشعوب.

إذ تعرف تلك الحكومات جيداً كيف وإلى أين، وفي أي وقت توجه ذلك الغضب. حينذاك فقط يتم تهييج الجماهير بمظاهرات الشجب والتنديد والتحطيم وحرق قطع القماش إياها التي ترمز إلى علم إسرائيل أو أمريكا ودون أي فعل حقيقي على أرض الواقع يكون له أثر فعال في مجرى الحياة. ثم بعد ذلك تهدأ الحناجر المبرمجة للصراخ، وتعود تلك الحشود الجماهيرية إلى سكونها الأبدي بانتظار مناسبة أخرى، بعد أن تكون قد انتشت لبرهة بالتنفيس عن مشاعر الإحباط واليأس والهزيمة التي تلاحقها على كل صعيد.

هذه هي حال من لا حال له من الشعوب العاربة والمستعربة المركونة من قبل حكامها في إثنين وعشرين حظيرة كبيرة لا تخرج منها إلا طلباً للكلأ والمرعى وتلبية لنداء الراعي المطاع. ولا تسير إلا على إيقاع حدائه الرتيب. وإن تجرأ أحد واعترض أو أبدى امتعاضاً من حياة القطيع هذه، التي باتت السمة البارزة لهذه المجتمعات، فلن يكون مصيره معروفاً لأقرب مقربيه بعد أن يكون قد غُيِّبَ في زنزانات الأنظمة التي نحسها ولا نراها، وإن كانت للكثيرين تجارب عملية معها. ومن كُتب له البقاء فإما أن يكون منفياً طوعاً أو قسراً. أو إن كان الحظ إلى جانبه فسيودع في سجن مدني مع المجرمين والقتلة بتهمة ليس من الصعب تلفيقها. ثم يُدفع أحد هؤلاء المجرمين للاعتداء عليه وإهانته بشتى السبل والوسائل اللاأخلاقية. وذلك كعقاب له على جرأته في إبداء ما يخالف رأي وسياسة (أسياده) الحكام.

وإذا عدنا إلى قافلة الحرية تلك يتملكنا العجب حين نعلم أنها انطلقت من تركيا وبلدان أوربية أخرى وليس من أي بلد عربي!!!! وأن العدد الأكبر من أعضائها هم من الأتراك ومن ناشطي المنظمات الحقوقية الأوربية، وليسوا من العرب!!! رغم أن فلسطين هي قضية العرب المحورية. والشعب المحاصر في غزة هو شعب عربي بامتياز، بغض النظر فيما إذا كان من العرب العاربة أو المستعربة؟؟ وفوق ذلك فقد أُرهقت أسماعُنا بزعيق (القادة) العرب المستديم عن النضال والمقاومة والمساندة للشعب الفلسطيني في غزة وغيرها دون أن يحركوا ساكناً لا في المقاومة المسلحة ولا حتى في المقاومة السلمية، وإسرائيل على مرمى حجر منهم. بينما لا تغمض لهم عين وهناك بين شعوبهم من تطاول بنقد أو اعتراض على سياسة ما من سياساتهم التي لم تؤدي سوى إلى مزيد من القهر والتشرذم في المجتمعات التي تسلطوا عليها وأعلنوا أنفسهم قادة ثورات وزعماء تحرر تمددت قاماتهم القزمة بأوهام القيادة لتشمل العالم أجمع.

ترى أيها أولى بتسيير قوافل الحرية باتجاهه؟ هل هو شعب غزة المحاصَر وإسرائيل المحاصِرة؟ أم الأنظمة العربية المترهلة بأجهزتها القمعية ونهجها اللاوطني. هذه الأنظمة التي استخدمت القضية الفلسطيينية والشعب الفلسطيني رهينة ومطية لتمرير سياساتها الملتفة حول ذاتها، والبعيدة كل البعد عن كل ماتنادي به وتعلنه. أما هدفها الأهم فهو الاستمرار بالسلطة إلى أبعد مدى ممكن. وكل ماتقوله وتفعله ما هو إلا لخدمة هذا الهدف الأوحد.

لهذا أرى أن قوافل الحرية التي لم تنطلق بعد هي تلك التي يجب أن تكون وجهتها الأنظمة العربية المتواطئة مع بعضها لإركاع المواطن المسلوب الإرادة والحرية. يجب أن تستهدف زنزانات وسجون هذه الأنظمة التي لايقبع فيها إلا كل وطني حر في حين يسرح المجرمون الحقيقيون ويمرحون في كل الساحات. وينعمون بخيرات الوطن سلباً ونهباً. ويعيثون في المجتمع فساداً مادياً وأخلاقياً. محطمين بذلك مقدرات الدولة التي يتسلطون عليها. ليبقى الحصار الأكبر هو حصار شعوب هذه البلدان داخل أوطانها. ليس من قبل إسرائيل، وإنما من قبل حكامها أنفسهم.

في أحد لقاءات المعارضة السورية في باريس اقترحت إحدى الناشطات بأن يستقل جميع المعارضين السياسيين البارزين إحدى الطائرات وينزلون في مطار دمشق كتحدٍ للنظام في سورية. ولم يعلق أحد من الحاضرين على هذا الاقتراح. ولا يخفى على الحصيف دلالة ذلك السكوت باعتبار الاقتراح أمراً غير عملي بسبب ما يتوقعه كل سياسي معارض لما ينتظره في مطار دمشق فور وصوله. هذا هو الحال مع الأنظمة. فهل نتوقع من إسرائيل سلوكاً أقل قسوة؟

مع تجربة قافلة الحرية هذه نرى أن ماحصل رغم قسوته ووحشيته فإنه يظل أقل بكثير مما يمكن أن يتوقعه المعارض السياسي حين يقف أمام النظام الذي يعارضه وجهاً لوجه. أليس أحرى بالقوى الناشطة في منظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني وكل القوى المحبة والساعية لإشاعة الديمقراطية والحرية في العالم أن توجه قوافلها القادمة إلى الأنظمة العربية وزنزاناتها لتحرير المعتقلين من الوطنيين الأحرار والشعوب المقهورة من قهرها المزمن؟

2 حزيران 2010 

شاهد أيضاً

بمشاركة الرفيقين كبرئيل موشي وعبد الأحد اسطيفو: هيئة التفاوض السورية تنهي اجتماعاتها في جنيف وتصدر بياناً ختامياً

04-06-2023 شارك الرفيقان كبرئيل موشي مسؤول المنظمة الآثورية الديمقراطية، عضو هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة …