1 أيار 2010
للعرب مقولة دارجة مفادها أن (السلاح بيد الولد يجرح)، فما بالك إذا كان هذا السلاح صاروخاً تتفاوت قوته التدميرية تبعاً لتفاوت أنواعه وأشكاله وأطواله ومسمياته التي برز منها في الأيام الأخيرة اسم (سكود) كجد مارد للطفل المشاغب (الكاتيوشا)، ليفترش، ولو نظرياً، بقامته المفزعة تلك ساحة اللعب التي مافتئت تضيق وتصغر لتنحصر في الجنوب اللبناني رغم المحاولات المستمرة لتوسيعها من قبل بعض الأطراف.
وبمناسبة ذكر الأطراف لايصعب على المتتبع تسمية الفريقين المتحاورين صاروخياً في ساحة اللعب إياها لأهداف وغايات بعيدة عن مركز هذا البركان الصاروخي المهيأ للانفجار والذي من الصعب التكهن مسبقاً في أي اتجاه ستسوق رياح السياسة غيوم الرماد التي ستنبعث منه (على غرار بركان آيسلندا). تلك الغيوم التي ستعطل بدون شك ليس حركة الطيران (المدني) وحدها وتنشط الحربي، وإنما سيكون لها تأثيرات على مجمل مصير منطقة الشرق الأوسط الحزين أبداً.
فإسرائيل ومن خلفها أمريكا تبتدع غالباً ذرائع أو تستغل الذرائع،وما أكثرها، التي يوفرها لها الآخرون لتنفيذ سياساتها الخاصة. بينما تبقى الحقائق مبهمة في سلوك وسياسات الأنظمة التي لم تتسرب مفاهيم الشفافية ومصطلحات الديمقراطية إلى أي مفصل من مفاصل السلطة باستثناء خطابها الإعلامي الذي لا يعيره أحد أهمية ولا يتوهم بقدرته على الإقناع حتى للقيمين عليه.
فمن جهة الطرف المقاوم والممانع المتمثل في سوريا وإيران ومخلبهما الجارح حزب الله. هذا الطرف المعرَّف من قبل خصومه بمحور الشر، لايتنكر ولا يتنصل بأي حال من دعمه الخفي والمعلن لحزب الله، سابقاً وحالياً وربما لاحقاً أيضاً، حتى يتم (التحرير) أو تزول إسرائيل من ذاتها. وهذا الدعم يتخذ أشكالاً وأحجاماً وأساليب تتبدل وتتطور بحسب الظروف والأحوال ومجريات اللعبة السياسية في المنطقة التي لاتنقطع فصولها عن التتابع. فيبدأ بالمساندة الإعلامية والسياسية ولا يتوقف عند ضخ كل أشكال السلاح الممكنة إلى ساحة اللعب العبثية تلك الضيقة أصلاً على سكانها. فحديث أمين عام حزب الله عن عشرات آلاف الصواريخ لما بعد مابعد حيفا يضعنا أمام التساؤل المقلق: أكل هذا من أجل بضعة كيلومترات مربعة تكفي جلسة واحدة لحوار جاد لحلها؟ في حين تظل مئات الكيلومترات من الجبهات الأخرى المتاخمة لإسرائيل محروسة جيداً وخالية من أي سلاح، وكأنه لاعلاقة لها بكل مايجري رغم أن أهم المناطق المحتلة وأكبرها تنعم على جانبها الآخر بالهدوء والأمن المستديمين. والخطورة لاتأتي من امتلاك حزب الله هذا النوع من الصواريخ أو ذاك، وإنما تأتي من الرغبة المتوفرة لدى داعميه الأساسيين إيران وسوريا في تمكينه من الحصول على أنواع معينة من الأسلحة التي ينظر إليها من الطرف الآخر على أنها تجاوز للخطوط الحمر وبالتالي وضع المنطقة كلها على كف عفريت. فحزب الله يبقى في النهاية ميليشيا مهما انضبط أفرادها لن يرقى إلى درجة الدولة المسؤولة التي تحكمها قوانين ومؤسسات لامجال فيها للنزوات الفردية. وقد لا يكون لدى حزب الله حالياً أيٌ من تلك الصواريخ التي أثارت إسرائيل وأمريكا حولها زوبعة لم تهدأ بعد. لكن عملية إدخالها إلى لبنان ليست بالأمر المستحيل كما قد يخيل للبعض. فهذه لاتتطلب أكثر من بضعة ساعات لتنفيذها. وقد يكون من شبه المؤكد أن حزب الله يهيء نفسه وكوادره لأسلحة من هذا النوع إن توفرت النية لدى سورية وإيران بتوفيرها له، بغض النظر عن إمكانية استعمالها أو السماح له باستعمالها. وكما يبدو فإن إيران على الأقل ماضية في جهودها لتهديد إسرائيل وإرعاب الغرب وأمريكا بسلوك من هذا النوع، كما تفعل في مناوراتها العسكرية بين الحين والاخر،على أمل أن تحقق من وراء ذلك مكاسب لها في المسألة النووية. ويبقى السؤال ماهو موقف سورية التي لايمكن لحزب الله الحصول على هذا السلاح إلا بمروره عبر أراضيها وبعلم ودراية السلطات فيها؟ وهل سترضخ سوريا للرغبة الإيرانية أم للتهديدات الإسرائيلية والأمريكية؟ أم ستمسك بالعصا من وسطها فتعمل على تدريب بعض كوادر حزب الله على استعمال هذه الصواريخ دون تسليمهم الصواريخ عملياً؟ مما يبقي احتمال الخطر قائماً بدون أن يكون هناك مستمسك مادي مباشر من قبل إسرائيل وأمريكا ضد سوريا. وفي الوقت عينه وإن تطورت مجريات الأمور إلى الأسوأ يمكن لسوريا إدخال بعض قطع تلك الصواريخ وتسليمها لكوادر حزب الله التي تكون قد دربتها مسبقاً على إطلاقها. وهذا يتوقف على المكاسب من الجانب الإيراني أو التنازلات من قبل إسرائيل التي يمكن أن تُقدَّم لسورية للمضي في سياسة شد الحبل إلى أقصى حد أو الإقلاع ولو مؤقتاً عن هذه السياسة. إنها السياسة التي جربها الرئيس حافظ الأسد وكانت ناجحة في زمن الحرب الباردة. ولكن هل تصلح هذه السياسة لزمن الممانعات الإعلامية؟
وحتى يقدم لنا المستقبل جواباً على هذا التساؤل يظل السلاح بيد الأولاد العابثين جارحاً.