++ سيدي العميد….
كما تعلم سيادتكم ويعلم الجميع، فقد كنتُ وما زلتُ خادمكم المطيع ورهن إشارتكم الكريمة. وهذا ليس تواضعاً أو مِـنَّةً منِّـي بل هو حق وواجب لما لكم شخصيّاً ولدائرتكم العامرة من أفضالٍ عليَّ وعلى أمثالي من الوطنيين من زملاء هذه المهنة الشريفة، وهم كثر والحمد لله. ذلك كله تم بفضل جهدكم وسهركم الدائم وحرصكم الشديد على ألا يحتل هذا المنصب إلا من توافرت فيه الخصال الوطنية التي وضعتم خطوطها العريضة وشجعتم كل طامح لأن يلتزم بها. وها أنا أحمد الله أنني كنت واحداً من أولئك الطامحين فرفعتموني، مقابل بعض خدماتي البسيطة، من موظف صغير بائس في دائرة مجهولة إلى أعلى مراتب الشرف والعز، بعد أن شجعتموني ودعمتم ضعف إمكاناتي مادياً ومعنوياً لأحصل بفضلكم من الجامعة التي أشرتم عليَّ بها، وبسرعة، على الشهادة الجامعية التي أهَّـلتني لهذا المنصب الرفيع. وحتى في هذه الحالة لم أكن
لأحلم بذلك لولا توصيتكم الغالية ومؤازرة سيادتكم المستمرة لأغدو من أصحاب الأملاك والعقارات والأرصدة البنكية وبالعملة الصعبة كي نتمكن من ممارسة واجبنا القضائي بنزاهة وعدل دون التأثر بالعوز المادي الذي مازال يترنح تحته بعض زملائنا القدامى. وهكذا تدرجتُ في السلم الوظيفي وفق سياسة حرق المراحل التي اعتمدتموها لأقف في المكان الذي أحتله اليوم بزمن قياسي. ولستُ أنسى ماحييتُ إحاطتي بهذا العدد من أبناء عائلتي وأصدقائي المخلصين وتعيينهم في المواقع التي اخترتموها لهم. وهكذا بتُّ بفضلكم ووجودهم حولي داعماً ومدعوماً ومؤهلاً بقوة لخدمة الوطن بوضع المداميك والدعامات الفولاذية لتقوية الشعور القومي المتهالك وإسناد وتعزيز نفسية الأمة الواهنة. تلك المداميك والدعائم التي لا تقبل الصدأ تحت أي ظرف ومهما طالت فترة تنطحكم للمسؤولية الوطنية التي نذرتم أنفسكم لها، وعلى خطى سلفكم الصالح، بكل جدارة واستحقاق،.
لقد قمتُ وسأقوم بذلك متفاخراً بمسؤوليتي الوطنية هذه عبر المحاكمات التي أجريها بزج أولئك المتآمرين الذين تكشفهم لنا مشكورة دائرتكم الموقرة كجزء من مهمتكم في السهر على أمن الوطن والمواطن ورميهم في السجن، المكان الوحيد الذي يليق بأمثالهم، ولأحكامٍ ومددٍ وفق ما تشيرون به عليَّ. هؤلاء الأشخاص الذين كما يبدو وبسبب كتاباتهم وتصاريحهم المغرضة، تداعى الشعور القومي منهاراً، وخارت نفسية الأمة وترنحت قامتها الممشوقة أمام عشاقها الكثر من جبهة الصعود والتصدع (كما يحلو للمغرضين تسميتها والذين سيأتي حسابهم قريباً في محاكمة قادمة بإذنكم الميمون). تلك القامة الفارعة التي لم تقوَ قرابة نصف قرن من مؤامرات الأعداء على هز شعرة واحدة من جدائلها السمراء أو تعكير أحلامها السعيدة بقيادة الدولة والمجتمع نحو الأهداف الأزلية في الوحدة والحرية والاشتراكية. وإنني لأتعجب كيف استطاعوا فعل ذلك ونحن لم نعثر حتى هذه اللحظة على أية أسلحة أو متفجرات بحوزتهم!!! ولكن كما تعلم سيادتكم فإن للاستعمار دائماً أسلحته الخفية التي ليس من السهل اكتشافها.
سيدي العميد..
لا أخفي سيادتكم أننا كقضاة كثيراً ما نُحرَجُ ببعض مواد القانون التي يجابهنا بها بعض محامي الدفاع المتمرسين. وفي الحقيقة لا أدري لماذا سمحتم ببدعة محامي الدفاع هذه، رغم أننا كقضاة لا نستمع إليهم ولا نعيرهم أي انتباه. فأحكامنا كما تعلم سيادتكم لا تتأثر لا بمرافعات الدفاع ولا بالشهود ولا بتقلبات الطقس. إنها كانت وستبقى حكيمة وثابتة ومبدئية كجزءٍ من سياسة الصمود والتصدي والمقاومة لكل مؤامرات الأعداء. هذه السياسة التي كان لأمثالكم الفضل في إرساء دعائمها القوية، والسهر الدائم على استمراها وتطورها وإبقاء صخرتها، وإن تكلست، شامخة في وجه الأمواج والأعاصير، لترقيع ما يمكن ترقيعه من كرامة الأمة المفقودة. ومع ذلك فإنني أقترح على سيادتكم أن تعطونا الضوء الأخضر أو حتى البرتقالي إن أمكن لتعديل بعض تلك المواد في القانون لمحاسبة أمثال أولئك المحامين من المتحمسين زيادة عما تقتضيه مسألة التظاهر بالديمقراطية والعدالة، وقطع دابر كل من تسول له نفسه يوماً التلاعب بالشعور القومي الذي بات حساساً جداً ورقيقاً نخشى عليه من الانفتاق لكثرة ما يعانيه من احتكاك هذه الأيام باالمبادئ الوطنية وبدعة حقوق الإنسان عبر بوابة هذه المواد القانونية.
كما ترون سيادتكم، هذه كلها خدمات متواضعة أخجل من ذكرها أمامكم لولا الضرورات الملحة التي تتطلب منا، كما عوَّدتمونا سيادتكم دائماً، التيقظ الدائم والحذر الشديد وعدم إغفال أصغر التفاصيل. وهذه على أهميتها، أمور لا تذكر أمام الدرس الذي تعلمناه منكم في الحرص على أن نكون في مقدمة الصفوف وفي خط المواجهة الأمامي حين يتعلق الأمر بالدفاع عن الوطن وتحطيم مؤامرات الأعداء على صخرة الصمود والتحدي العظيمة. لذا فإنني وبعد استسماحكم والاستئناس بروحكم الوطنية، أود أن أسمح لنفسي بالطلب من سيادتكم المؤازرة لنقلي لموقع أكثر تقدماً في الخط الأمامي لجبهة النضال الوطني ليتسنى لي تقديم خدمات أكبر وأجدى في هذا الظرف العصيب الذي يواجهه وطننا العزيز. ومن هذا المنطلق أرى أن موقع وزير العدل يفسح بالمجال لخدمة أوسع وأكثر نفعاً مما أؤديه الآن من موقعي الحالي الذي يتدافع الكثيرون لنيل رضى سيادتكم لاحتلاله ممن هم على الدوام طوع بنانكم من الوطنيين المخلصين. فهلا تكرمتم بالإشارة لمن يعنيه الأمر في هذا الشأن لدعمنا في مواصلة نضالنا المشرف من مواقع أكثر تقدماً خدمة لوطن قدم لنا الكثير الكثير وما يزال. وطنٌ عشنا من أجله، وما زلنا مستعدين لتقديم كل تضحية ممكنة لتشديد منعته وممانعته.
ودمتم ذخراً لنا من أجل وطن مقاوم ممانع مجاهد مكافح صامد متحدٍ متصدٍ على الدوام.
التوقيع
قاضٍ سوري
– 21 تشرين الثاني 2009