كتبت الدكتورة (بثينة شعبان) مديرة دائرة الإعلام الخارجي في وزارة الخارجية السورية، مقالا بعنوان (المسيحيون في الشرق)، وقد نشر المقال في جريدة المستقبل اللبنانية:8/8/2003+ تشرين 9/8/2003. كذلك نشر في جريدة (الشرق الأوسط). وقد وجدت نفسي مدفوعا للرد والتعقيب وإبداء بعض الملاحظات على المقال المذكور لأكثر من سبب:
أولاً: أهمية المقال وحساسية الموضوع المطروح، خاصة في هذه المرحلة تحديداً.
ثانياً: لقد حمل المقال شيء من المغالطات والجهل بالتاريخ.
ثالثاً: الرد على التهم الخطيرة التي حملها المقال لكل من كتب عن وضع الأقليات المسيحية في المنطقة، وأنا منهم، فقد كتبت عدة مقالات في هذا الشأن، منها: (مسيحيون بين مطرقة الغرب وسندان الشرق)، (في الشرق هجرة إسلامية باتجاه التاريخ يقابلها هجرة مسيحية باتجاه الجغرافيا)، (اختطاف الفتيات القبطيات في مصر ظاهرة إرهابية). وقد نشرت هذه المقالات عبر موقع (إيلاف) ونشرتها مواقع أخرى.
أولاً: أهمية المقال وحساسية الموضوع المطروح، خاصة في هذه المرحلة تحديداً.
ثانياً: لقد حمل المقال شيء من المغالطات والجهل بالتاريخ.
ثالثاً: الرد على التهم الخطيرة التي حملها المقال لكل من كتب عن وضع الأقليات المسيحية في المنطقة، وأنا منهم، فقد كتبت عدة مقالات في هذا الشأن، منها: (مسيحيون بين مطرقة الغرب وسندان الشرق)، (في الشرق هجرة إسلامية باتجاه التاريخ يقابلها هجرة مسيحية باتجاه الجغرافيا)، (اختطاف الفتيات القبطيات في مصر ظاهرة إرهابية). وقد نشرت هذه المقالات عبر موقع (إيلاف) ونشرتها مواقع أخرى.
– حتى يكون القارئ فكرة عن موضوع المقال نورد بعض ما جاء فيه. تقول السيدة (بثينة شعبان): (. . تشويه الحقائق هذه الأيام صار مشكلة يجب أن يحسب لها حساب ويجب أن نصرف الوقت والجهد للتعامل مع هذا التشويه والتصدّي له بكل الوسائل الممكنة. وعلّ العناوين التي تبدو بريئة والتي أخذت تقلقني وأعلم أنها مقصودة وخطيرة تتمثل في العنوان لهذه الزاوية وهو عنوان تصدر مقالات كتبت أخيرا عن وضع المسيحيين في الشرق ومعاناتهم وحقهم في أن يتطلعوا إلى حياة تشبه حياة إخوانهم المسيحيين في الغرب. ولهذا المنطق أكثر من معنى وأكثر من هدف أيضا. فهو يحاول أن يظهر المسيحيين في الشرق (ويقصد بهم المسيحيون العرب) وكأنهم ليسوا جزءا أساسيا من هذا الشرق العربي وكأن المسيحية لم تنطلق من الشرق وكأن الشرق ليس مهدا للمسيحية كما هو مهد للإسلام، كما تحاول أن تدب روح الفرقة بين اتباع الديانات السماوية الذين عاشوا طوال آلاف السنين أمة عربية واحدة على هذه الأرض الطيبة ودافعوا عنها وحاربوا الغزاة بشعور وطني عال فوضعوا الانتماء للأرض والأمة فوق كل انتماء. . . . ).
– أن التدقيق في ما قالته الدكتورة (بثينة شعبان) ، سنكتشف ببساطة بأن المقال جاء: سياسيا مؤدلجا بعيدا عن الموضوعية والواقع المعاش للأقليات. دافعت فيه عن (الاستبداد) السياسي والديني في المجتمعات العربية والإسلامية، والمقال لم يخرج عن مبدأ أو نهج (نظرية المؤامرة) التي باتت من سمات وأساسيات (العقل السياسي) العربي. هذه النظرية التي تقوم على اتهام كل صوت معارض، ناقد، للحالة العربية والإسلامية بالعمل لصالح جهات خارجية والتآمر على الأمة العربية والإسلامية. إنه لمن المؤسف حقا أن تبقى (سياسة النعامة) هي خيار حكومات المنطقة في التعامل مع مشاكل وقضايا الواقع. وأن يبقى التحدث عن هموم ومشاكل الأقليات مصدر إدانة وشك وخيانة، وأن تبقى ترى الأغلبية في الأقلية سبب متاعبها ومصدر مصائبها. لقد عادت الدكتورة (بثينة) بنا إلى لغة التهديد والتكفير السياسي و الاستئصال الفكري، والمواقف الإيديولوجية المسبقة من الأخر، فهي تطالب باستخدام كل الطرق وأساليب القمع والإقصاء ضد كل من يكتب عن واقع الأقليات المسيحية بدلا من أن تدعو إلى لغة الحوار معهم والمطالبة بإجراء بحث وتحقيق عن كل ما يطرح من مشاكل وقضايا في المنطقة.
– نسأل الدكتورة (بثينة شعبان): ألم تقم حكومات العديد من الدول العربية والإسلامية بمحاولات تطبيق وفرض الشريعة الإسلامية على المسيحيين مثل (السودان)، وكذلك مصر فترة حكم السادات، الذي وضع بابا الأقباط (شنودة) تحت الإقامة الجبرية، واستمرار مسلسل الاعتداءات على أقباط مصر من قبل متطرفين إسلاميين؟. وأراد نظام (صدام حسين) المقبور فرض تعليم (الديانة الإسلامية) على التلاميذ المسيحيين. وفي إيران يفرض على المسيحيين الكثير من التقاليد والعادات الإسلامية، وممنوع على المسيحي في الجيش الإيراني الاشتراك في الحرب حتى لا يقتل مسلماً فيما لو خاضت إيران حرباً مع دولة مسلمة مثل حربها مع العراق.
ونسأل الدكتورة: ألا يعتبر وضع صورة الجامع على (البطاقات الشخصية) الجديدة في سوريا، شكل من أشكال فرض الهوية والثقافة (الإسلامية) على غير المسلم، وطمساً للثقافات الأخرى. وأن وضع عبارة (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) على البطاقة الشخصية، وتسمية جنسية جميع السوريين بـ (عربي سوري)، ألا يؤكد على الاستمرار في سياسية التعريب اتجاه القوميات غير العربية في سوريا؟ ألم يكن من الأفضل والأنسب كتابة عبارة (الدين لله والوطن للجميع) التي وردت في مقالتها، والاكتفاء بتحديد الجنسية بـ (مواطن سوري) دون تحديد الانتماء القومي. باعتبار أن (البطاقة الشخصية) ليست مجرد قطعة ورقية يكتب عليها بعض الأرقام والكلمات للتعرف على حاملها، وإنما هي تعكس مفهوم المواطنة وتعبر عن الهوية الثقافية والحضارية للوطن والمواطن معا.
– لا جدال على أن (المسيحيين في الشرق) هم ليسوا فقط بجزء، وإنما مكون أساسي وأصيل من مكونات هذا الشرق العريق، الذي فقد بريقه الحضاري، ككيان تاريخي، ثقافي وسياسي. . إذ لا يمكن أن تكتمل صورة الشرق الحضارية بدون المسيحيين وبكل أطيافهم القومية والثقافية من آشوريين (السريان) وأرمن وأقباط وعرب، فهؤلاء جميعا يشكلون العمق التاريخي والحضاري لهذا الشرق. كذلك لا جدال على أن (المسيحية) انطلقت من هذا الشرق الذي هو مهد جميع الديانات السماوية (اليهودية والمسيحية والإسلامية). فمن (إنطاكية السريانية) – الموجودة في تركيا حاليا (العاصمة الروحية) لمسيحي العالم القديم، و(العاصمة التاريخية لسوريا القديمة) تم تأسيس (أول كنيسة في العالم) وتعتبر إلى تاريخ اليوم أم (الكنائس المشرقية) قاطبة، ومنها انطلقت المسيحية إلى أرض المشرق ومن ثم إلى بلاد الغرب.
– لكن يبقى السؤال الكبير والمهم هو: ماذا أبقى (الإسلام) للمسيحيين في هذا الشرق من وجود؟ وما هو وضع ما تبقى منهم ؟. فمنذ البدايات الأولى لانتشار الإسلام وغزوه للبلاد المسيحية في الشرق، خاصة بعد قيام الدولة (التيوقراطية) الإسلامية، جرت الكثير من التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية و الاقتصادية، شكلت بمعظمها سببا لانحسار (المسيحية) في الشرق. لا شك يتفاوت وضع (المسيحيين) اليوم، في الشرق العربي الإسلامي، من دولة لأخرى، لكن مازالت دساتير وتشريعات معظم هذه الدول تتضمن، وبنسب متفاوتة، قوانين ومواد تمييز بين المواطنين على أساس الدين، وهي تفضل (المسلم) على (غير المسلم) ، خاصة بالنسبة للسلطة والحكم، وإلى تاريخ اليوم يعتبر (الإسلام) هو الدين الرسمي، ومصدر أساسي للشريعة في الدول العربية والإسلامية، الأمر الذي يلغي مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون، ويمنع تجسيد مفهوم (المواطنة) الحقيقة، وتعيق نشر مبادئ الديمقراطية وقيم العيش المشترك في المجتمع. وفي ظل تنامي ظاهرة (المد السياسي للأصولية الإسلامية) في المنطقة العربية والإسلامية، وتصاعد نشاط التيارات والحركات السلفية الإسلامية، والتي تدعو جميعها لإقامة (الدولة الإسلامية)، بدأ يتراجع شعار (الدين لله والوطن للجميع) وتعلو أصوات إسلامية تردد: (يا أيها اللذين آمنوا لا تأخذوا من اليهود والنصارى أولياء لكم) ، مما يجعل وضع (المسيحيين) في (الشرق)، أشبه ما يكون بجزر صغيرة معزولة في وسط بحر هائج من الأصولية الإسلامية.
– من دون شك، أن تصاعد وتنامي نشاط الحركات الإسلامية المتطرفة في المنطقة، يشكل تهديدا لأنظمة الحكم القائمة بالدرجة الأولى وهي ليست بـ (مسيحية)، لكن العودة إلى (الدولة الإسلامية) ألا يعني بشكل أو أخر هروباً إسلاميا باتجاه التاريخ والعودة إلى الوراء، سيدفع بالمسيحيين إلى الهروب في الجغرافيا تاركين (البلاد الإسلامية) خوفا من أن يعود الماضي عليهم بكل ما حمله من ويلات ومآسي، وصولا إلى أميركا وأوربا حيث (الحرية والديمقراطية)، و(الدولة العلمانية) ، لا إلى حيث (إخوانهم المسيحيين) في الغرب كما ورد في مقال الدكتورة (بثينة شعبان). فإذا كانت الأقليات (المسيحية) تعاني حاليا من سياسة التمييز الديني والقومي والثقافي في ظل حكومات ودول ذات دساتير هي نصف علمانية ولديها هامش نسبي للحريات الدينية، فماذا سيكون حال هذه (الأقليات المسيحية) في ظل دولة (تيوقراطية) تقوم على الشريعة والأحكام الإسلامية.
– ليس من العلمية والتاريخية أن تعتبر الدكتورة بثينة شعبان أن جميع الأقليات المسيحية في المنطقة هم مسيحيين (عرب) القومية، لأن مسألة (الانتماء) العرقي والقومي هي مسألة علمية موضوعية تاريخية (أنثروبولوجية) لا تستطيع الرغبات أو العواطف أن تغيرها أو تبدلها. فالذين تبقوا من المسيحيين في (الشرق الأوسط) غالبيتهم، إن لم يكن جميعهم، ينحدرون من أصول أثنية/ قومية غير عربية يتميزون بخصوصية ثقافية تعود إلى جذور تاريخية عميقة في حضارة المنطقة، كـالأقباط والآشوريين، بمذاهبهم المختلفة،من (سريان و كلدان وموارنة و روم) ، والأرمن، وإذا تعمقنا في التاريخ سنكتشف بأن غالبية المسلمين في بلاد الشام ومصر وبلاد ما بين النهرين ليسوا بعرب، استعربوا بعد إسلامهم. لكن إذا كنا نختلف مع الدكتورة بثينة حول الانتماء الأثني أو القومي للأقليات المسيحية في المنطقة والشرق الأوسط، لكن من دون شك يجب أن لا نختلف، قطعا،على ضرورة أن تندمج هذه الأقليات بالحالة الوطنية ويبقى ولائها وانتمائها المطلق للأوطان التي تعيش فيها، والعمل إلى جانب الأغلبية المسلمة، أكانت عربية أو فارسية أو تركية، كل ما من شأنه أن يقوي الوطن ويرفع من عزته. وهذه الحالة من (الاندماج الوطني) في المجتمعات العربية والإسلامية،لا يمكن لها أن تتحقق إلا بتفكيك العلاقة (الأسطورية) بين العروبة والإسلام، وإنهاء حالة التزاوج المقدس بين (السلطة الدينية) و (السلطة السياسية) وإقامة (الدولة العلمانية) تسودها الديمقراطية وسيادة القانون وتحفظ حرية وكرامة المواطن، دولة تنتفي فيها كل أشكال التمييز والتفضيل بين المواطنين.
– نحن نشارك السيدة (بثينة شعبان) مشاعر القلق والخوف على (الوحدة الوطنية) لدول المنطقة، ونقدر مخاطر التحديات الخارجية التي تواجهها، لكن ليس من مقال ينشر هنا أو يكتب هناك، يشكو فيه كاتبه من سياسة التمييز الديني اتجاه أقلية دينية والممارسات الخاطئة بحقها، أو يحتج فيه على الظلم والحرمان الذي يلحق بأقلية قومية في هذه الدولة أو تلك. لأن الأقليات القومية والدينية لا تقوى بالمؤامرات الخارجية فقط، بل كذلك، بممارسة سياسية التمييز والتفضيل بين أبناء المجتمع الواحد على أساس القومي أو الديني أو الطائفي، وبزيادة ضغط وهيمنة الأغلبية علي الأقلية، وبتكريس و تجذير الأمراض الاجتماعية والسياسية والفكرية الموجودة في المجتمع. إذ لا يمكن تحقيق (الاندماج الوطني) الحقيقي إلا بتحصين الأقليات وطنيا وطمأنتها على خصوصيتها ومستقبلها من خلال الاعتراف بها ورفع الغبن والظلم عنها ومساواتها بالأغلبية بكامل الحقوق والواجبات. فإذا كانت تشعر الأغلبية بأن الأقليات هي حقا جزءا منها، يفترض بها أن تتألم لآلامها وتتوجع لأوجاعها، مثلما يتألم كامل الجسم عندما يتأذى أحد أعضائه. أن الأقليات المسيحية هي أكثر الفئات ذات المصلحة الحقيقية في الحفاظ على أمن واستقرار دول المنطقة لأنها الحلقة الأضعف فيها، ولأنها لا تحمل مشروعا سياسيا اتجاه السلطة والحكم، لذلك من غير الممكن أن تتصرف وتعبث هذه الأقليات بأمن أوطانها بطريقة تهدد ذاتها ووجودها.