الرئيسية / مقالات حول العراق / الشعوب الحية تصنع مستقبلها
سامي بهنام المالح

الشعوب الحية تصنع مستقبلها

سامي بهنام المالح

++ مع كل التداعيات والاحباط وهدر للجهد والوقت التي سببته مواقف التعصب وكتابات ودعوات ورسائل والتماسات اجزاء واطراف من ابناء شعبنا السورايي – الكلدان السريان الاشوريين بخصوص التسمية منذ سنوات، و ما تم تثبيته في دستور اقليم كردستان مؤخرا، الا ان المحصلة والنتائج النهائية ، من منطلق الاقرارباننا جميعا، نشكل شعبا واحدا وليس ثلاث مجموعات قومية منفصلة، برزت جلية و واضحة لتعكس ارتقاء الوعي والشعور العالي بالمسؤولية لدى الاغلبية الساحقة. نحن شعب واحد – هذه هي الحقيقة التي تشكل الاساس الصلب لبناء مستقبلنا الواحد بالجهود والارادة والسواعد الخيرة والمؤمنة بانتصار الخير والحق وقضايا الشعوب العادلة .

قضيتنا واحدة ومصيرنا واحد
يقينا ان التأكيد وباصرار، من قبل كل القوى والمؤسسات المدنية والكنسية والنخب، بان قضيتنا واحدة وان مصيرنا واحد، مهما كانت الاختلافات ومهما تنوعت التسميات والانتماءات الكنسية ومهما كثرت الاحزاب وتباينت مصالح القوى السياسية ومهما بلغ الاختلاف في قراءة التاريخ والاستناد اليه، فأن هذا التأكيد هواحد اهم المستلزمات الاساسية بيد شعبنا، وهو العنصر الحاسم الذي سيساهم في رسم الافاق وملامح المستقبل. فحتى المتعصبين لهذه التسمية اوتلك، والاخرين المصابين بدوغما رؤية الامور من منظارالماضي وبمرض التعصب القومي، وأولئك الخائفين من التهميش والالغاء والاقصاء والتمييز، كلهم يقرون اليوم وبعد تغليب صوت المنطق والعقل والحكمة، باننا جميعا شعب واحد، عانيننا معا لقرون قاسية خلت، ونعيش اليوم جميعا ذات الظروف العصيبة ونواجه ذات التحديات التاريخية المصيرية، وبالتالي فاننا محكومين جميعا بمصير واحد.

الحوار واحترام الاخر وتغليب المشترك
من الطبيعي، بل ومن الصحي ان يكون ثمة اختلافات وتباين في وجهات النظر والسياسات والمصالح، ومن الطبيعي ايضا ان يكون ثمة صراع غير تناحري فكري وسياسي بين مختلف قوى واقطاب وقادة ومؤسسات وحتى كنائس شعبنا. فنحن شعب حي كما كل الشعوب الاخرى، لسنا مجتمعا متجانسا ولنا انتماءات طبقية واجتماعية وفكرية وايديولوجية مختلفة، ونختلف في نظراتنا وتفسيراتنا للامور والظواهر والاحداث والتطورات. الا ان ما ليس طبيعيا هو تقاطع ومعاداة البعض للبعض الاخر كالاعداء، واصرار البعض على امتلاك كل الحقيقة ورفض الجلوس معا والاستماع للاخر واحترام وجهة نظره. كما وانه ليس من الطبيعي ابدا اللجوء الى مس وحدة شعبنا والسعي الى تقسيمه الى ثلاث اجزاء او قوميات كمبرر ومنطلق للوصول الى اهداف سياسية او مصالح معينة حتى وان كانت مشروعة. وليس طبيعيا ابدا الخلط بين مواجهة التعصب المقيت وانتقاد سياسة طرف ما او اداء مؤسسة ما او المطالبة بحق جزئي مشروع وبين اللجوء الى السعي لتقسيمنا دستوريا، وبالتالي تقسيم وتقطيع قضية شعبنا الواحدة، الامر الذي يشكل خطأ ستراتيجيا وخطيرا على وجود ومستقبل شعبنا بأكمله. ان الطريق الصائب والوحيد هوالحوار. هوالالتقاء في اطار المصلحة العليا والاستماع باحترام وتقدير لكل الاراء والافكار ومناقشتها بجدية ومسؤولية. فبالحوار الصادق والمنهجي والجدي، وكابناء شعب واحد، يستطيع شعبنا وتستطيع قواه السياسية وقادته من حل كل الاشكالات ومواجهة كل المعضلات، ومن ثم بناء التحالفات وتنظيم الصفوف وتوحيد الجهود وصولا الى توحيد الخطاب القومي. فبالحوار والاحترام، ومن خلال مساهمات الجميع من دون اي استثناء، وبعيدا عن التعصب والتسلط والفرض والركض وراء المصالح الانية، يفلح شعبنا في الدفاع عن نفسه وضمان امنه وحل أشكالية التسمية وبناء المؤسسات على اسس ديمقراطية وبنزاهة وممارسة الحكم الذاتي ومحاربة آفة الفساد بكل اشكاله ومعالجة ملفات التهجير القسري والهجرة وغيرها من الملفات.

الوطن وحياة حرة وحقوق مشروعة مثبتة دستوريا

ان ضمان مستقبل مشرق لشعبنا يرتبط بقضيتين استراتيجيتين مترابطتين:
القضية الاولى – البقاء في ارض الاباء والاجداد والتشبث بالوطن العزيز وعمل كل ما هو ممكن لكي لانتحول الى شعب مشرد ومنتشر في كل بلدان العالم من دون وطن. ان البقاء في الوطن وتعزيز وجودنا يتوقف في الظروف العراقية والاقليمية والدولية الراهنة على:
1- مطالبة السلطات في بغداد وفي مناطق تواجد شعبنا في كل انحاء العراق، بكل الطرق والوسائل وباستمرار ومن دون انقطاع، بتحمل المسؤولية عن توفير الامن والسلامة لابناء شعبنا وللكنائس واماكن العمل. ويرتبط بذلك طبعا الاصرار على كشف المجرمين والقتلة الذين يقتلون ابناء شعبنا ويدمرون كنائسهم ويستولون على ممتلكاتهم ومساكنهم ويهجرونهم قسرا ويظطهدونهم ويفرضون عليهم الجزية او غيرها من الامور التي تمس معتقداتهم وتقاليدهم.
2- في حال عجز السلطات عن توفير الامن وتحمل مسؤلياتها الاخلاقية والقانونية، على شعبنا اللجوء الى كل الحلول العملية المتاحة الاخرى و في مقدمتها مناشدة الرأي العام الدولي والامم المتحدة لمعالجة هذه القضية الانسانية المهمة.
3- الاستمرار في بناء القرى وتعمير وتطوير المدن والقصبات الامنة وخاصة في اقليم كردستان، ومعالجة كل ملفات التجاوز على اراضي شعبنا اينما كانت وجعلها مناسبة للسكن والعمل والاستمرارية لممارسة حياة طبيعية ومكانا لائقا ومقبولا لأستقبال ابناء شعبنا الهاربين من الارهاب والقتل والاضطهاد. وفي هذا الصدد على كل الاطراف والجهات ان تتعاون وان تعتمد برامج واضحة مدروسة، وان تستثمر كل الموارد المالية المتاحة وهي موارد ضخمة وكبيرة بعقلانية وشفافية، مع التأكيد على وضع حد للنهب وللفساد وسرقة المال العام والاثراء على حساب قوت وكرامة الشعب من خلال المؤسسات والوظائف والانتماءات المختلفة. ان مستقبل شعبنا اثمن واغلى واهم من مصلحة هذا الحزب او تلك المؤسسة او اي جهة او طرف كان. ان هذا المستقبل يحتاج الى سواعد قوية وكفوءة ونظيفة ومخلصة وصادقة وشجاعة، وليس الاعتماد على من لايؤمن الا بمصالحه الخاصة الانانية ومن اعتاد التقلب والتلون وخدمة الاخرين والكذب والانتهازية.

القضية الثانية – العمل لتثبيت كامل حقوق شعبنا في الدستورالعراقي بما فيها حقه المشروع في الحكم الذاتي، على غرارما تم تثبيته في دستوراقليم كردستان. ان مصير شعبنا ومستقبله في العراق يرتبط عضويا بمدى التقدم في بناء العراق الجديد والتطور الديمقراطي للعملية السياسية. ولذلك فان قضية شعبنا هي جزء من القضية الوطنية والديمقراطية وبناء عراق المواطنة المتكافئة وعراق القانون والنظام. ان مطالبة شعبنا بحقوقه كاملة والنضال ضد التمييز والتهميش وكل اشكال الظلم والاضطهاد هو نضال وطني وذا محتوى ديمقراطي، وعليه فان مطالبات شعبنا بحقوقه هي مساهمة واعية وهادفة لبناء العراق الجديد وتطوير العملية السياسية والديمقراطية. ان هذه المطالب هي لضمان مصالح كل المكونات والتكافؤ بين جميع المواطنين ومساواتهم جميعا بغض النظر عن كل الانتماءات، القومية والدينية والطائفية والعشائرية وبغض النظر عن الجنس والاكثرية والاقلية، وهوايضا رفض للتمييز والاجحاف والتهميش وقبول المواطنة الناقصة. ان تثبيت حق الحكم الذاتي لشعبنا والمكونات القومية الاخرى في اقليم كردستان هو انجاز ومكسب هام وتاريخي. من الهام لشعبنا وللاستفادة القصوى من هذا الانجاز،التهيئة الواعية والمبنية على اسس ديمقراطية وشفافة وبمشاركة كل ابناء شعبنا ومؤسساته وقواه دون تمييز او تهميش لمناقشة واصدرار وثم تنفيذ وتطبيق قانون خاص بالحكم الذاتي. ان بناء حكم ذاتي لشعب مضطهد منذ قرون، رغم كل التعقيدات والمصاعب والاشكالات المتعلقة بوضعه ومناطق تواجده وما يحيط به من صراعات على الارض والسلطة وغيرها، هو ممارسة وطنية وديمقراطية لايمكن لها ان تحقق نتائج ايجابية ملموسة وتحمل ثمارا طيبة ما لم تدار وتنفذ بارادة ومؤسسات وقيادات واعية ومؤمنة بالديمقراطية وبعيدا عن الانتهازية والفساد الاداري والمالي. طبعا ان زج اوسع الجماهير من ابناء شعبنا في عملية المطالبة بالحقوق والجرأة في رفض القتل والذل والتمييز وقبول المواطنة الناقصة من الدرجة الثالثة، وزجها في نفس الوقت في العمل والانتاج والابداع، هو ما يقوي شكيمة شعبنا ويعزز احترامه ومكانته في الوطن، وهو ما يزرع الامل والايمان بحياة حرة كريمة وبالمستقبل.

مسؤولية تاريخية مشتركة
على الجميع، كل قوى شعبنا، قادة واحزاب ومؤسسات وناشطين مستقلين، وكنائسنا كلها، الانتهاء من اهدار الطاقات في الصراع على التسمية، وذلك من خلال التركيز والاصرار على اننا شعب واحد ومن خلال قبول تسمية توافقية سياسية تجسد وحدة شعبنا في هذه المرحلة العصيبة، والعمل في ذات الوقت باخلاص وبشكل منهجي وعلمي للتوصل الى اعتماد تسمية واحدة مقبولة وعملية. على الجميع، كل قوى شعبنا، قادة واحزاب ومؤسسات وناشطين مستقلين، وكنائسنا كلها، الارتقاء الى مستوى التجمع في خندق بناء مستقبل مشرف لشعبنا في الوطن. مهما كانت الاختلافات الفكرية والساسية ومهما تباينت المصالح. فعلى الجميع وضع المصلحة العليا، والمتمثلة في هذه المرحلة التاريخية المصيرية بحماية ابناء شعبنا من القتل والتهجيروتوفيرالامن لهم في كل العراق وتعزيز تواجدهم وتوفير الحياة اللائقة والكريمة وعمل كل ما هو ممكن لوقف نزيف الهجرة، فوق كل المصالح الاخرى. على الجميع، مهما كان موقعه ومهما بلغت امكاناته ومهما كانت ارتباطاته، ان يبادر ويبدي الاستعداد وبتواضع واخلاص لمد الايدي والجلوس معا والالتقاء للحوار والتفاهم والتعاون. اذ لم يعد مقبولا ومنطقيا ان لاتكون ثمة لقاءات ومشاورات وحوار بين قادة ومؤسسات واحزاب وكنائس شعبنا في الوقت الذي تلتقي اغلبها مع القوى والاحزاب والمؤسسات الاخرى الكردستانية والعراقية دون اي تردد او تحفض رغم اختلافاتها ومواقفها المتباينة. وبودي ان اعلن بان ندائنا هذا للجميع هو نداء وصوت الاكثرية من المستقلين والمثقفين والديمقراطيين من ابناء شعبنا في الوطن وفي الخارج، الذين يسعون الى تعزيز دورهم والتصدي لمسؤولياتهم بعيدا عن الصراع على المصالح والمقاعد والكراسي والامتيازات والتملق والانتهازية.

وعلى الجميع ان يعلم، ان الشعوب الحية هي الشعوب التي تتشبث بالامل وتنظرالى امام وتعتمد الحوار والتفاهم والقيم الديمقراطية والعمل المشترك ورسم الاهداف الاستراتيجية الضامنة للتطور والتقدم. فشعبنا السورايي – الكلداني السرياني الاشوري – شعب حي، ذات تاريخ حافل، وحاضر ملفوف بالمخاطر والتحديات، ومستقبل ينتظرنا جميعا ويتقرر بوعينا وجهودنا واخلاصنا وصدقنا ومدى استعدادنا للتضحبة ولتحمل المسؤولية.

21 تموز 2009
 
samialmaleh@hotmail.com

 

شاهد أيضاً

هذه هي الحقيقة حتى لو كانت مرة

بقلم : أشور العراقي ++ رغم تلك العملية الأنتخابية، عذراً الأنتحارية العراقية التي ضحينا بالكثير …